المواسي: هو اسم فاعل من المواساة، قال الفيومي في (مصباحه المنير) في معنى المواساة: (آسيته بنفسي – بالمد -: سوّيته. ويجوز ابدال الهمزة واوا، في لغة اليمن فيقال: واسيته، وذهب المذهب نفسه في الابدال، ابن الأثير في (النهاية) حيث قال: (وأصلها - أي الواو - الهمزة، فقلبت واوا تخفيفا).
نخلص من ذلك كله أن كلمة المواسي، أصلها: المآسي، فأبدلت همزتها تخفيفا في لغة اليمن. أما معناها فهي التسوية. أي أن المواسي، يساوي بينه وبين شخص آخر كان قد أحبه، وارتضاه، فرآه أهلا لهذه المواساة بالمال والنفس.
قال (أحمد بن أبي الربيع) في (سلوك المالك: ص39): (المواساة هي: معاونة الأصدقاء والمستحقين. وهي تنقسم الى أقسام، أحدها: نصرةُ المرءِ صاحبه بالمضاربة دونه...) عنه (بطل العلقمي: 3/304).
المواساة في الأمثال:
اهتم العرب بالمواساة غاية الاهتمام، فجعلوها موضع اعتزازهم وافتخارهم حتى ذكروها في أمثالهم، وعبر قصصهم الطويلة، من ذلك: قولهم: (إن أخاك من آساك) قال الميداني في (مجمع الأمثال): ومعنى المثل أن أخاك حقيقة مَنْ قدمك وآثرك على نفسه. ولهذا المثل قصة توضح معنى المواساة أضربنا عنها لطولها.
ومن أمثالهم في ذلك (حميم الرجل واصله) ومعناه: ان قريب الرجل، وحميم المرء هو واصله الذي لا يتخلى عنه في أحلك الظروف، وأشد الأزمات وان كان بعيدا عنه في النسب (الميداني: مجمع الأمثال: 1/181)
ومنها أيضا (أن أخاك العزاء من كان معك) وفسّر الميداني كلمة العزاء بأنها السَّنة الشديدة. أي أن أخاك من لا يخذلك في المحن والشدائد، وسني المحل والقحط حين يعز الطعام...
وفي معنى ذلك قول الشاعر:
إن أخاك الصدق من كان معك *** ومنْ يضرُّ نفسَه لينفعك
ومن اذا ريب الزمان صدعك *** شتّتَ فيه شمله ليجمعـك
وفي معناه قيل:
وان ابنَ عمِّ المرءِ من شدّ أزره *** ومن كان يحمي عنه من حيث لا يدري
مواساة العباس عليه السلام:
لقد واسى ابو الفضل أخاه الحسين في كل شيء يملكه ويعز عليه وأخيرا فداه بنفسه وهو أغلى فداء لذلك قال الشاعر:
يجودُ بالنفسِ اذ ضنّ الجوادُ بها *** والجودُ بالنفس اغلى غاية الجود
وقد شهد له بذلك امامان معصومان هما: الامام الصادق عليه السلام حيث خاطبه في زيارته (المزار للمشهدي) بقوله: (أشهد لقد نصحتَ لله ولرسولهِ ولأخيك، فنعم الأخُ المواسي لأخيه).
اما الامام الثاني، فهو الحجة المنتظر - عجل الله تعالى فرجه الشريف - حيث سلم على أبي الفضل في زيارة الناحية المعروفة بقوله: (السلام على أبي الفضل العباس بن امير المؤمنين المواسي أخاه بنفسه...)
أما الشعراء فأكثروا مدحه بالمواساة من ذلك قول بعضهم:
احقُ الناس أن يُبكى عليه *** فتىً أبكى الحسين بكربلاءِ
أخوه وابنُ والده عليٍّ *** أبو الفضل المضرّج بالدماءِ
ومن واساه لا يثنيه شيء *** وجاد له على ظمأ بماءِ
وقال السيد محسن العاملي (رحمه الله):
لا تنسَ للعباس حسنَ بلائه *** بالطف عند الغارة الشعواءِ
واسى أخاه بها وجاء بنفسه *** في سقي أطفال له ونساءِ
ردا الألوف على الألوف معارضا *** حد السيوف بجبهة غرّاءِ
الى آخر ما قاله الشعراء في ذلك. وقد اعرضنا عن الكثير منه مخافة التطويل...
|