وبنفس النزعة المادية يتسبب بعض الأثرياء في قعود ابنته وتعطيلها عن حقها الطبيعي ولو باغرائها بتسجيل الثروة او جزء منها باسمها، مخافة ان ينتقل الثراء الى الغرباء على حد زعمه، وكأن هذا الجزء من الحطام الزائل يغني ويملأ جوعة الفطرة الانسانية الى بناء الأسرة الزوجية. ومن الأسئلة التي تفرض نفسها: لو أن الأب ملـّك ابنته كل ماله أو جزءا منه في حال حياته بشرط ان تلتزم بوصيته برفض الزواج بعد وفاته، هل يجب عليها الالتزام بهذه الوصية؟ الجواب: لا يجب عليها ذلك لأن الوصية تعارض المطلب الفطري، والنص الشرعي. ولا ندري كيف يتحمل هذا الانسان قعود ابنته في بيته، وحرمانها عن حقها الطبيعي، وقد روي: ان رسول الله - صلى الله عليه وآله - صعد المنبر ذات يوم، فحمد الله واثنى عليه، ثم قال: ايها الناس ان جبرئيل أتاني عن اللطيف الخبير فقال: ان الأبكار بمنزلة الثمر على الشجر، اذا أدرك ثمارها فلم تجتن أفسدته الشمس، ونثرته الرياح، وكذلك الابكار اذا أدركن ما تدرك النساء، فليس لهن دواء الا البعولة، والا لم يؤمن عليهن الفساد لأنهن بشر. الوسائل20/61. وقال - صلى الله عليه وآله -: (من سعادة الرجل أن لا تحيض ابنته في بيته...) الوسائل20/64. واذا كان يخاف انتقال ثروته الى الغرباء، فلا ندري هل هو المالك او العالم بآجال العباد، فعلم ان ابنته ستموت قبل زوجها ليرثها، أم الله عز وجل هو الذي بيده الموت والحياة؟!
الثاني: هي العقبات الاجتماعية، اي مؤثرات المحيط الاجتماعي وما يزرعه في طريق هذا المشروع من موانع وعراقيل منها:
أولا: إن جملة من الشباب والرجال من يجد في ظاهرة الزمالة والاختلاط بالفتيات والنساء في مرافق العمل اشباعا للنهم الجنسي فيعرضون عن الزواج وانجاب الاولاد وبناء الاسرة من ناحية، ومن ناحية اخرى يجنحون الى الفوضى واللاقيود واللامسؤولية ويعيش الانفلات السلوكي.. وكأن المسألة هي مسألة غريزة جنسية قد وجدت متنفسا فعلام الزواج إذن؟
(جاء في مقال نشر في مجلة sterd الصادرة في همبورغ في المانيا الغربية بتاريخ 1/أيلول/ 1963 برقم 35 ان الاولاد الصغار بين 14-16 سنة الذين يتأهلون للعمل يقولون حينما يبحث امر الزواج امامهم: أنا لا أتزوج؟ لماذا؟ لأنني استطيع الحصول من اي فتاة في العمل على كل ما اريد دون أن أتزوجها). التكامل في الاسلام 6/213.
(ان اتصال المرأة الدائم بالرجال أثناء العمل قد فلّ من حدة شعورها الحقيقي تجاه الرجل فلم يعد عندها شوق اليه، واصبح الرجل عندها شيئا عاديا، وكذلك الرجل فانه لم يعد يتشوق للمرأة لأنها تحت نظره في كل لحظة وسهلة التناول، وكما أنه لم يعد يشعر بالاحترام نحوها لانها أصبحت رخيصة. إن شباب اليوم لم يعودوا يتحرجون من الخوض في مواضيع أو نكات جنسية عميقة بمحضر من زميلاتهم) التكامل في الاسلام 6/ 213 نقلا عن مجلة حضارة الاسلام عدد 7/ السنة الرابعة.
ومن الواضح: ان الذي ينفلت عن مسؤولية الاسرة، وعن قوانينها وضوابطها، فمن باب أولى سوف ينفلت ويتمرد على ضوابط المجتمع والقانون، لأن ما يقيد الانسان بضوابط القانون والمجتمع هو (الشعور بالمسؤولية)، ومبدأ هذا الشعور ومنبعه هو (الأسرة) وروابطها المقدسة التي تسمو على كل ما يخلقه ويوفره المحيط للانسان من إملاء غرائزي، ولذلك جاء عن النبي - صلى الله عليه وآله - قوله: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالامير راع والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته). صحيح البخاري 7/32 وهو ما يحدد الغاية من الزواج. ويؤسف لأن يفتقد هذا الشعور في جانب من واقع مجتمعنا المسلم، لأن الانفلات والفوضوية، والتحرر عن التزامات الاسرة هو ما تطبعت عليه المجتمعات الغربية التي هي مصدر الويلات ومنبع الفساد، وناهيك عن مفردات الجرائم والتعديات والمآسي الاجتماعية التي يضيق المجال عن إحصائها، بل يترك أمر المتابعة لشبابنا.
(قال أحد الفلاسفة: لو زار المصلحون الذين تهمهم أمور الشباب البائسين، تلك الحبوس المظلمة ودور السجون الضيقة لوجدوا أكثر أولئك من فصيلة الشباب المجردين عن مسؤولية الاسرة) نقلته مجلة الهلال.
|