• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : آيات قرآنية في كتاب سورة هل أتى (الانسان) للسيد العاملي (ح 3) .
                          • الكاتب : د . فاضل حسن شريف .

آيات قرآنية في كتاب سورة هل أتى (الانسان) للسيد العاملي (ح 3)

جاء في کتاب تفسير سورة هل أتى للسيد جعفر مرتضى العاملي: عن الانسان: وبذلك يتضح لنا السبب في أنه لم يعبر بكلمة بشر. الذي يمر عبر مراحل: فيكون نطفة. ثم علقة. ثم مضغة. ثم يكسو الله العظام لحماً. بل عبر بكلمة إنسان حيث تبدأ مرحلة أخرى أرقى من هذه المراحل كلها. قد عبر الله عنها بقوله: "ثُمَّ أَنْشَأنَاهُ خَلْقَاً آَخَرَ" (المؤمنون 14) وهي مرحلة نفخ الروح التي تؤهله لأن يجد خصائصه الإنسانية وفقاً للسنن الإلهية في ذلك. وبذلك يتضح أيضاً لماذا أدخل الزمان في الحديث عن حياة الإنسان. فإنه مفيد في بيان هيمنته وتأثيره في واقعه الإنساني. إن الإنسان بما هو إنسان. موضع عنايته تعالى. وليس الحديث عن حالات أفراده: كزيد. وبكر. من كبر وصغر. ولا عما يطرأ عليه من موت أو حياة. ونحو ذلك. وهذا معناه: أن الكلام الوارد يصدق على من خُلِقَ حين نزول الآيات. وعلى غيره. أما الآية الثانية. وهي قوله: "إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ" (الانسان 2)، فقد لاحظت الخصوصيات الفردية في الإنسان.. فإنه هو الذي يُخْلَق، ويكون نطفة، وتمر بمراحل، وهو الذي يصير له سمع وبصر، وتمييز، وغير ذلك. ولأجل هذا الاختلاف، كان لا بد من تكرار كلمة الإنسان في الآيتين، فلم يقل (خلقناه).. سؤال.. وجوابه: وقد يقال: لماذا لا نقول: إن الحديث القرآني جارٍ وفق مصطلحات العرفاء في معنى الإنسان. ويجاب: بأن ذلك لا يصح، فقد قال تعالى: " إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عربياً" (يوسف 2)، وقال: "بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ" (الشعراء 192)، أي أنه تعالى يتحدث بلغة البشر بما هم بشر، فرضت حاجاتهم عليهم لغة يتخاطبون بها، لا بمصطلحات وضعها أرباب هذا العلم أو ذاك. وإلا، فإن ذلك السؤال يستتبع سؤالاً آخر هو: لماذا لا يتحدث الله تعالى بمصطلحات الفلاسفة، أو المتكلمين، أو الفقهاء، أو أي علم آخر؟ على أن اللغة إنما يحتاجها الناس من حيث هم بشر. وهي موضوعة في الأصل لمعانٍ حسية، أو قريبة من الحسّ.. وهي المعاني التي نعرفها بآثارها، كالكرم والشجاعة والعدالة، والحسد والعقل والغضب والفرح وما إلى ذلك.. وهناك معانٍ أبعد من هذه، وهي نتاج تفكير عميق، ودقة ملاحظة، فيحتاج للتعبير عنها إلى التوسل ببعض التراكيب، أو إلى بعض المجازات، أو الكنايات. لو أن كلمة "الإِنْسَانَ" (الانسان 2) في الآية استبدلت بكلمة (البشر) لانصرف الذهن إلى الإنسان المتجسد في الأفراد، كزيد، وبكر، ولدخل في وهم السامع: أن الحديث هو عن هذا الوجود المادي للإنسان.

ويستطرد السيد جعفر مرتضى العاملي عن الانسان قائلا: أما الإنسان في الآية التالية، فيقصد به ذلك المعنى الأول، أي من حيث هو بشر، ولذلك أعاد التصريح بكلمة "الإِنْسَان"، ولم يكتف بذكره بواسطة إرجاع ضميره إليه الإنسان في أحسن تقويم: وقد قال تعالى في آية أخرى: "نَذِيراً لِلْبَشَر" (المدثر 36) ولم يقل: نذيراً للإنسان، لأنه لا يستحق وسام الاستحقاق الإنساني ما لم يستجب للنذير، وللهداية الإلهية، إذ بدون ذلك يكون كالأنعام، بل أضل سبيلاً، إذ إن: "لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا" (الأعراف 179)، أي لا يدركون بها المعاني الواقعية. ولا يتفاعلون معها بالمشاعر القلبية , من خوف ورجاء، ونحو ذلك. و "لَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا" (الأعراف 179) لأن المطلوب هو النفوذ إلى الأسرار والحقائق , لا النظرة المادية السطحية. فهم إذن فاقدون لما يستحقون به وصف الإنسانية الذي أعلن عنه في سورة التين، حين قال تعالى: "لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلاَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ" (التين 4-6). وفي سورة العصر: "وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ" (العصر 1-3). فالإنسان الذي يجمع صفات الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، وبالصبر، يبقى على صفة الكمال الإنساني , ولا يخسر شيئاً منه , ويبقى في أحسن تقويم , ولا يرِد إلى أسفل سافلين. وفي هذه السورة أيضاً، أعني سورة "هَلْ أَتَى": قد جعل الله الإنسان سميعاً بصيراً , فإذا فقد هذه السميعية والبصيرية، وأصبح له عينان لا يبصر بهما , وأذنان لا يسمع بهما، بسبب كفره، فإنه يحجب عن نفسه نور الهدى , وفقاً للسنّة الإلهية القائمة في البشر. "كَلاَ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" (المطففين 14). "خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ" (البقرة 7). "صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ" (البقرة 18). "إِنْ هُمْ إِلاَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً" (الفرقان 44). "ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلاَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ" (التين 5-6).

ويستمر السيد العاملي ذاكرا الانسان في كتابه بالقول: نعم، إن ذلك كله يُعطي أن الله سبحانه قد أفاض على الإنسان وجوداً إنسانياً كامل الخصائص والمزايا. لكنّ الإنسان هو الذي ينحطُّ عن درجات إنسانيته وعن تقويمه الأحسن، ويبدأ بخسران مزاياه، وخصائصه الإنسانية، بسبب أعماله بالتدريج. وقد ينتهي به الأمر إلى أن يخسرها جميعها فيصبح كالأنعام بل أضل. أما المؤمن الصالح فهو يحفظ ذلك كله بكل وجوده، ولا يفرط فيه، رغم كل ما يواجهه من مصاعب وأخطار.. ولو أنّه أخفق في بعض الحالات فإنّه سيحاول أن يستعيد ما فقده ويرمّم ما خرّبه ويسد الثغرة والخلل العارض بسبب تلك النزوة العارضة. ولعل هذا هو الذي عناه الله بكلمة: (الإِنْسَانِ) في قوله: "هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ" (الانسان 1) وبيّن أنّه حين يتعرّض للنشوء وللوجود.. فإنه سيكون في جميع مراحل وجوده وفي كل مستويات نشأته وحالاتها، مذكوراً عند الله سبحانه ومحلاً لألطافه وعناياته (حِينٌ مِنَ الدَّهْر": وقد يسأل سائل: لمَ لم يقل: هل أتى على الإنسان حين، أو وقت، لم يكن شيئاً مذكوراً؟. فما هو وجه الحاجة لكلمة: (مِنَ الدَّهْرِ) يا ترى؟ ويمكن أن يُجاب: بأن الحين هو الآن والجزء الزمني الصغير والدهر هو مجموع تلك الأجزاء واللحظات الزمنية الممتدة والمستمرة في التعاقب والتكثّر والامتداد. فكلمة الدهر تشمل أجزاء وآنات الزمان السابق والحاضر واللاحق. وقد أريد في الآية الاستفهام عن كل الآنات التي كان للإنسان - بما هو إنسان - حضور فيها، ويلاحظها المجيب في إجابته جزءاً بعد جزء وآناً بعد آن. فالتصريح في الآية المباركة بكلمة "مِنَ الدَّهْر" (الانسان 1) يراد به التأكيد على رؤية حركة الإنسان في عامود الزمان المستمر في الامتداد والجريان لاستغراق آناته كلها.. لكي لا يخيل للإنسان: اقتصار الرعاية الإلهية على فترة نشأته المادية الفعلية بل هي رعاية شاملة لكل عوالمه التي مرّ فيها ولجميع منازله ومراتبه الوجودية، حتى حينما كان لا يزال في علم الله ثم ما تلى ذلك من انتقاله من عالم إلى عالم ومن منزلة إلى أخرى وسيستمر ذلك إلى أن يستقر في الدار الآخرة. واللافت: أن الإنسان إنما ينظر إلى إحدى مراتب وجوده والتي هي الحياة الدنيا، وبها يشعر ولا يلتفت إلى امتدادات وجوده الإنساني التي قد تكون أهم، وأثبت، وأسمى، وأرسخ ف‌ "إِنَّ الدَّارَ الآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" (العنكبوت 64) وفيها يكشف الغطاء ويصبح البصر حديداً.

وعن الذكر يقول السيد جعفر مرتضى العاملي: "شَيْئَاً": وقد كان يمكن أن يقول: "لَمْ يَكُنْ مَذْكُوراً" (الانسان 1)، ولكنه تعالى أراد بهذا الاستفهام التقريري أو الإنكاري، أن يثبت الذكر للإنسان أو ينفيه عنه بما هو شيء. وشيئيته تساوق تشبثه بالوجود الخارجي، في بعض أطواره، وأدواره. "مَذْكُوْرَاً": هل المراد: بالذكر هو أن يخبر عنه ويذكره أمام الآخرين؟ أو المراد: كونه ذا قيمة وله أهمية في نفسه؟ أو المراد بذكره الاهتمام بشأنه. بشكل دائم ومستمر؟. بغض النظر عن كونه ذا قيمة في نفسه، أو غير ذي قيمة. ظاهر الآيات أن المراد هو الاهتمام بشأنه ورعايته، بما يتناسب مع شأنه وحاله، ومقامه، ويتناسب مع شأن الذاكر، من كيفيات الذكر ومفرداته ومستوياته.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=204701
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 06 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 06 / 27