لم أورد في هذا البحث أي مصدر او حديث من الشيعة. بل كل ما ورد هو من مصادر الأمم المنقلبة قديما وحديثا بشهادة الكتب المقدسة التي ثبُت أن الرب استبدل غيرهم لحمل الرسالة.
إنَّ للرب سننًا يسير عليها العالم، وتخضع لها حياة الأفراد والأمم وخصوصا فيما يتعلق بالدين، وتُؤثرِّ هذه السنن في قيام الحكومات والقيادات وصعود الشعوب وسقوطها. وهي سنن ثابتة مقرَّرة، وجارية نافذة، لا تتغير ولا تتحوَّل. فكلَّما حدَث وضع أو نشأت ظاهرة تتطلَّب تلك السنن، نفذت وتحكَّمت، لا يحول دون نُفوذها حائل، ولا تنفع في ردِّها حيلة. (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا).
لدى التدقيق في أفعال الرب في الأمم السابقة والسنن التي أجراها وجدت أن الرب يقوم بإنزال رسالات من اجل البشر فيتخذ قواعد تنطلق منها هذه الرسالات ويختار قوما او شعبا لنشرها بمساعدة نبي ووحي وكتاب. ولكن عندما يرى الرب أن هذه الامة لم تحترم رسالاته ، فإنه سوف يسلبها منهم فيضعهم ويرفع غيرهم ، ثم يعطيها لأمم أخرى لربما لم تكن في الحسبان يصفها الرب بأنها (غبيّة) اي هامشية. وهذا ما يقوله الكتاب المقدس ففي التوراة يخاطب الرب اليهود بعد كفرهم بأنه سوف يرفع الدين منهم ويعطيه لأمة أخرى كما نقرأ (أحجب وجهي عنهم، وأنظر ماذا تكون آخرتهم. إنهم جيل متقلب، أولاد لا أمانة فيهم. أغاظوني بأباطيلهم. فأنا أغيرهم بما ليس شعبا، بأمة غبية أغيظهم).(1)
وهكذا ارسل الرب يسوع المسيح برسالة جديدة ، وتكررت نفس افعال اليهود حيث قامت المسيحية الجديدة بخذلان يسوع فسلب الرب منهم هذا الدين وأعطاه لأمة أخرى فكرر الإنجيل نفس قول الرب لليهود فيقول : (ليس الجميع قد أطاعوا الإنجيل أنا أغيركم بما ليس أمة. بأمة غبية أغيظكم).(2) وهكذا غيّر واستبدل الرب المسيحية بدين جديد هو الاسلام . ولكن ماذا إن لم يلتزم المسلمون بدينهم ؟ هل سيفعل بهم ربهم كما فعل بالأمم الأخرى ويأت بدين جديد؟ نعم سيفعل ولكن ضمن نطاق عملية (التولي والاستبدال) أي في نفس الدين ، فقد ورد في القرآن تهديد بذلك كما نقرأ في خطابه للمسلمين : (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم).(3) وقد بيّن الرب أن هؤلاء القوم الذين سيختارهم لحمل الدين الصحيح اكثر حبا له : (من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي اللهُ بقومٍ يُحبهم ويحبونه). (4) تفسير هذه الآيات لمعرفة هذه الأمة ورد في حديث عن النبي ذكرته مصادر الشيعة والسنة نقلهُ الترمذي عن أبى هريرة قال : (تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم قالوا : ومن يستبدل بنا ؟ قال : فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على منكب سلمان ثم قال : هذا وقومه) .(5) يقول ابن عاشور: (هو يدل على أن فارس إذا آمنوا لا يرتدّون وهو من دلائل نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم فإن العرب ارتد منهم الكثير بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وارتدّ البربر بعد فتح بلادهم ثنتي عشرة مرة فيما حكاه الشيخ أبو محمد ابن أبي زيد، ولم يرتد أهل فارس بعد إيمانهم).
وقد روى عبد الله بن جعفر بن نجيح والد علي بن المديني أيضا هذا الحديث عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال أنس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يا رسول الله ، من هؤلاء الذين ذكر الله إن تولينا استبدلوا ثم لا يكونوا أمثالنا ؟ قال : وكان سلمان جنب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخذ سلمان ، قال : هذا وأصحابه. والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من فارس). وحكي عن أبي موسى الأشعري أنه قال لما نزلت هذه الآية فرح بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : (هي أحب إلي من الدنيا).(6) شيء عجيب فرح النبي هذا، يتم تحويل الدين من العرب إلى العجم فيكون ذلك أحب شيء له من الدنيا وما فيها. (7)
ومن أجل ان يعطي النبي أبعاد قدسية لتفسير هذه الآية قال (سلمان منا أهل البيت).(😎 وهذا ما حصل ،حيث بقيت إيران فترة طويلة على مذاهب أهل السنة التي غيّرت دينها ، ثم فجأة تتحول إلى الولاء لآل البيت وتصبح قاعدة من اصلب قواعدهم لنصرة الدين. وهذا مصداق قول الرب : (يستبدل قوما غيركم). ولمزيد من التوضيح انظر اليوم إلى من قام بالتطبيع ، ومن يرفض التطبيع. فتعرف من هي الأمة البديلة.
وللحقيقة لابد من القول أن هناك مدحا في الكتاب المقدس لأمة الفُرس قد لا يُضاهيه أي مدح آخر كما ورد في تتمة سفر أستير 16: 23 (أَنَّ كُلَّ مَنْ يُطِيعُ الْفُرْسَ بِأَمَانَةٍ يُثَابُ عَلَى أَمَانَتِهِ ثَوَابًا وَافِيًا، وَمَنْ يَرْصُدُ لِمَلِكِهِمْ يَهْلِكُ بِجِنَايَتِهِ).
المصادر:
1- سفر التثنية 32: 21.
2- رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 10: 19.
3- سورة محمد : 38.
4- تفسير ابن عاشور تفسير سورة محمد : 38.
5- سورة المائدة : 54.
6- تفسير القرطبي - القرطبي - ج ١٦ - الصفحة ٢٥٨.
7- هذا الحديث نقلته من مصادر أهل السنة، ولذلك نرى أن كل علماء اهل السنة في التفسير والسيرة والحديث هم من أهل فارس. ولكن العرب ساروا على نهج معاوية في عداوتهم للفرس فكانت شعوبية معاوية اهم عندهم من دينهم.
8- تهذيب تاريخ دمشق: ٦ / ٢٠١ عن أبي البختري، ونحوه في أمالي الصدوق: ٢٠٩ / ٨ عن المسيب بن نجية، الاختصاص: ١١، رجال الكشي: ١ / ٥٢ / ٢٥ ، الطرائف: ١١٩ / ١٨٣ و، الدرجات الرفيعة: ٢٠٩ عن أبي البختري.

|