قبل فترة ليست بالبعيدة وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة يحمل خريطة غريبة الشكل أثارت حينها سخرية البعض وذهول البعض الآخر. تلك الخريطة لم تكن عرضًا جغرافيًا عبثيًا بل كانت إعلانًا سياسيًا استراتيجيًا عن طموح إسرائيلي غير مسبوق. أشار نتنياهو وقتها بوضوح إلى ما أسماه "حدود إسرائيل" وإذا ما تمعّنا في تلك الحدود المرسومة سنجدها تتجاوز الأراضي الفلسطينية بل وتضم أجزاء من دول عربية وإسلامية أبرزها العراق وسوريا ولبنان والأردن والسعودية وحتى مصر.
ولم يكتفِ بالإشارة إلى "حدود الحلم الإسرائيلي" بل صنّف بوضوح الدول "العدوة" وهي: إيران وسوريا ولبنان والعراق واليمن ومصر وتركيا. هذه ليست مجرد قائمة عابرة بل خارطة طريق للصراع المقبل وخطة ممنهجة للهيمنة على الشرق الأوسط.
إن انتصر نتنياهو على إيران فلن تقف حدود طموحه عند طهران بل ستكون تلك الخطوة مفصلية تُسقط معها ما تبقى من النظام العربي الرسمي. جامعة الدول العربية؟ إلى زوال. مجلس التعاون الخليجي؟ إلى تفكك. لأن اللعبة سيتغير عنوانها وستولد حينها جامعة جديدة اسمها: "جامعة الشرق الأوسط" تكون فيها إسرائيل القائد والدول العربية التابعة.
سنجد أنفسنا أمام واقع أكثر مرارة مما نتصور. سنُجبر على دفع الجزية لتل أبيب لا مجازًا بل فعليًا وسيتحوّل الإسرائيلي إلى سيد مُرحّب به في كل عاصمة عربية بينما يُهان المسلم ويُضيّق عليه في بلده.
هذا السيناريو ليس مبالغة خيالية بل تحليل واقعي مبني على مؤشرات ميدانية وتصريحات رسمية. ولسنا بحاجة للرجوع بعيدًا في التاريخ. فالتطبيع مع إسرائيل تسارعت وتيرته ولم تعد القضية الفلسطينية عقبة أمام العلاقات الدبلوماسية أو حتى الأمنية والاقتصادية. بعض الدول العربية باتت ترى في إسرائيل حليفًا استراتيجيًا وتتعامل مع المقاومة على أنها تهديد داخلي يجب سحقه.
ولأكون واضحًا: أنا لست مدافعًا عن إيران وقد كتبت ضد سياساتها كثيرًا بل وأنتقد تدخلاتها . لكن الخطر اليوم أكبر من خلاف سني-شيعي أو عربي-فارسي. الخطر اليوم هو أن نُسلّم مستقبلنا بالكامل إلى دولة استعمارية توسعية تضع نفسها مركزًا للحضارة وتضعنا نحن في الهامش أو تحت القدم.
خذوها مني واحفظوها: إن لم تُهزم إسرائيل سياسيًا، أو تُرغم عسكريًا على التراجع فستكون هي الإمبراطورية القادمة وسيكون نتنياهو أول أباطرتها. حينها لن نكون شعوبًا حرة بل عبيدًا بأوراق رسمية مختومة بختم "جامعة الشرق الأوسط".
هذا التحليل لا يُبنى على الكراهية بل على قراءة ما بين السطور وعلى رؤية الصورة الكبرى. وأول خطوات الخلاص تبدأ بأن نرى الحقيقة كما هي لا كما يُراد لنا أن نراها.
|