يقول أهل النقد أن للتفعيلات أصوات تؤلف أنغاما بعمق العويل.
صوت خطوات داخل عقل الشاعر، روحه ورؤاه وعند التوق تصير مرافئ من حنينا...
لا عشق دون هذا الصوت، دون رعدة الشغف المتنامي في روح المعنى، تشتعل الروح عند ركب اليقين، تتسع خطوات التوق وهي تحث الروح إلى المصير، امتزاج الأصوات بأنين القلب...
وما بين القصيدة والطف يصحو السبيل...
الفكر والشغف يحول الغربة ألفة، إلى الدمع المغفور له حين تسمو به البهجة إلى كربلاء، أنفاس زائر تحت أقدامه الأرض تسير، جوهر الحزن الكامن في أعماق الولاء، "لبيك يا حسين" يقظة يصحو لها الحنين، عند "ركضة طويريج" في عاشوراء...
يمتد الحرف بلهفة القلب، وخطى التوق تعبر التلال الحزينة والوديان والحلم المعد بالنداء، "وا حسيناه"، ويتكرر السؤال...
- هل سرتِ "بركضة طويريج"؟ أم هي في كل روح تعطر الذاكرة بــ "أبد والله ما ننسى حسينا" ويبتدأ المسير...
ـ "ركضة طويريج" شعيرة من عمق الوجدان الحسيني، مسيرة فيها أمنية قلب يخوض الطقس بخفقة...
ذلك الطوفان البشري العاشق للحسين ومبادئه، الموقن أن دم الشهادة لا يخبو...
واقعا لم أسِرْ...
إنما في داخلي وقع ركض أعرفه، وقع يشبه حلم عشته في عالم الملكوت، جسدي الملموس لم يهرق عرقه في زحام الركضة، إنما الأثيري فعل ذلك...
شعور فوق وصف الشعور، لا يوصف...
كأني أسمع صوت الإمام الحسين "عليه السلام" ينادي الآن، والعشاق تهبُّ للتلبية بسيل وجد وجداني جمعي...
"أنا لم أَسر"
أَنَا لَمْ أَسِرْ...
لَـٰكِنَّمَا سَارَتْ خُطُى قَلْبِي عَلَى ذَاكَ الطَّرِيقْ
أَنَا لَمْ أَسِرْ...
لَـٰكِنَّمَا عَثَرَ الفُؤَادُ بِرَكْضِتِي
وَتَزَفَّرَتْ رُوحِي مِنَ الحُزْنِ العَمِيقْ
وَأَنَايَ أَضْنَاهَا الشَّجَا
وَالدَّمْعُ أَجْهَدَ مُقْلَتِي حَدَّ الشَّهِيقْ
أَنَا لَمْ أَِسرْ...
لَـٰكِنَّ قَلْبِي حِينَ صَاحَ الفَوْجُ "يَا حَوْرَاءُ"
أَيْقَظَ فِي دَمِي المَأسَاةَ، وَالوَيْلاتَ، وَالوَجَعَ العَرِيقْ...
مَا كُنْتُ فِيهِ
غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ أُبْصُرُنِي
إِذَا الْتَهَبَ النِّدَاءُ "أَيَا حُسَينُ"
بِقَافِلاتِ الدَّمْعِ وَالعَطَشِ الغَرِيقْ...
أَنَا لَمْ أَسِرْ...
لَـٰكِنَّمَا سَارَتْ خُطَايَ... وَمَا اسْتَطَعْتُ تَرَقُبِي
وَهَفَوْتُ فِي عَجَلٍ عَلَى جَدَثِ المُعَفَّرِ وَالسَّحِيقْ
أَنَا لَمْ أَسِرْ...
لَـٰكنَّ حُزْنِي فِي دَمِي
مَازَالَ رَجْفَةَ عَاشِقٍ لِحُسَيْنِهِ شَقَّ الطَّرِيقْ.
***
أنا ادرك المضمون، يمكن أن يطرق الإنسان باب الطف، من أي بلاد الله يكون، وما أقرب تاروت وخفقة القلب غدير يروي العطاشا في كل حين.
ـ أو بعد هذا، هل من شرط يوجب أن أكون هناك لأكون في ركضة (طويريج)؟
وهل تقاس المشاعر بالخطى؟
هي ميثاق وجداني في دمي كلما اهتز بداخلي نداء "ألا هل من ناصر؟"
وحين تهتف الجموع "يا حسين" يردد قلبي معهم، وتركض روحي
وتهتف بما لا تستطيع العقول إدراكه، وما برحت تركض، وإن كانت ساكنة بتاروت، هي ساجدة هناك.
ـ تقبل الله
|