تفتحت براعم العيد وآن آوان فجره، مع انبلاج أول شعاع للشمس من محرابها، معلناً عن صباح يحمل عبقاً إيمانياً انتشر يلف الفضاء بشراً وسروراً، تستنشقه قلوب بيضاء طاهرة عامرة بالعطاء، قلوب تتنافس باغتنام نفحات الدهر، نفحات من العطايا الالهية ينالها الموفقون من عباد الله الذين يبتغون الفضل العميم الذي لا يناله "إلا من أتى الله بقلب سليم".
قلوب اعتراها الشوق لتكون مع قوافل الوافدين من كل فج عميق جمعها نداء الخليل وفداء اسماعيل الذبيح، لتقف اليوم الأرواح خجلى على أعتاب بيت الله الحرام، قد استبدلت سواد المعصية بعد غسل ببياض الطاعة، لا مطلب لها سوى ان يكون لها في اداء مراسم هذه الشعيرة نصيب، وأن تؤدي ركن دينها الصحيح، يملؤها الخضوع مثقلة بالأخطاء تعترف بذنوبها تحطم في رمي الجمرات كل سلطان، لذلك العدو المبين ما يسمى الشيطان الرجيم.
تسأل الله تعالى أن يغفر لها غفلتها، وينزع الغرور والغل فيها مع لحظة النحر.
لحظات مبهجة فيها تروي النفس عطشها من مورد القرب والشوق والذكر الحكيم، فتقترب ملائكة السماء لتسجل الطاعات وتدعو بالغفران، ويصبح لون السماء اجمل بكثير وهي مليئة بصدى الحمد ملبية النداء:
لبيك اللهم لبيك
لبيك لا شريك لك لبيك
ان الحمد والنعمة لك
لا شريك لك لبيك
تغدق مزنها بحبات رحمة تسكن الأرض من رحمات الرحيم، فترسم في العيون فرحة وكأنها تمد الأيادي لتتصافح رغم الوباء، وتتسامح القلوب لنشعر ببعضنا اكثر وكأن الدنيا خلقت من جديد، وتطوى صفحات الحقد؛ لكي نوقظ جمال الإنسانية فيها، وتتهادى الألسن عبارات الفرح والتبريكات، وتتزين مسامعنا بتكبيرات صلاة العيد ودعوات من القلب ترفع للمولى القدير بقبول الأعمال والرحمة، ومجالس عامرة بالحب والتراحم، فتتم نعمة الله عليهم فالكل في ضيافة الكريم.
وبالرغم من احكام رب الأرباب والاقدار، وانزل حكمه وقضاءه بالوباء، فمازال عيد الأضحى صورة رائعة من الصور الحب والتآلف، نستشعر من خلاله روحانية الحضور الخاشع في رضا الرحمن.
وما البلاء والأسقام والوباء إلا ابتلاء واختبار من الجليل، وكأنها تبشرنا وتقول: هذا العيد هلت نفحاته، جاءكم المطهر من البلاء، فربكم المتجبر لدعائكم يشتاق، وهو سميع مجيب.
ومنحة الهداية واستشعار الفضل الإلهي العظيم ونعمه، ستقوّم اعوجاج الأنا فينا التي سلبتنا الطمأنينة، وفيها إكمال للدين، ونيل للدرجات العليا حيث تخرج النفس وهي مؤزرة بالنصر الالهي، وستمضي الأيام الثقال وستغدو البيوت زاهية وتزهو ضفائر الايام، فأفراح العيد هبة الهية ستشطب من الذاكرة كل الذكريات المتعبة، وتجبر كسر القلوب لتستقر الأرواح، وتستلذ بطعم الفرح من جديد.
|