ما أكثر الذين يعملون بجدّ، ثم لا يُدركون أهدافهم، وما أكثر من تهيأت لهم الظروف دون جهد ظاهر!

فهل النجاح إذًا عدالة تعب؟ أم نفحة توفيق؟

• النجاح توفيق إلهي

قال تعالى:
﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ (هود: 88)

وعن الإمام علي (عليه السلام):
"من أمدّه التوفيق أحسن العمل."1

إن كل ما يصدر من تدبير الإنسان واستطاعته إنما هو بالله تعالى، فهو المفيض للاستطاعة والمُوفِّق للأسباب. لا غنى لأحد عن إحاطته، ولا استقلال في أي أمر دونه، فهو الفاطر والحافظ والقائم على كل نفس بما كسبت.

ولكن، هل يعني هذا أن من لا يتعبون قد ينجحون فقط بحجة "التوفيق"؟ وهل يسقط عنهم واجب السعي والكدح؟

• النجاح تعب بشري

النجاح لا يولد من الفراغ. إنه ثمرة تعب، وتخطيط، وهدف واضح، وجدّ، واجتهاد، ومثابرة، واستمرارية، ومقاومة، وثبات، وعدم استسلام.
لكن، هل كل من تعبوا نَجحوا؟
الجواب: ليس بالضرورة. فكم من مُجتهد لم يُوفَّق، وكم من ساعٍ أخفق رغم كل ما بذله.

• النجاح بين التوفيق والتعب

النجاح الحقيقي يقوم على ركيزتين: التوفيق الإلهي والجدّ البشري.
فمن أراد أن ينجح، فعليه أولًا أن يطلب التوفيق والسداد من الله، ثم يضع يده على المعول ويبدأ.
الله تعالى هو الذي أعطاه العقل والفكر والتفكر، وهو الذي يهيئ له الأسباب ويفتح له الأبواب، فإذا رأى الله عبده يسعى ويجاهد، وفقه، وبارك جهده، وأوصله إلى مراده.

السعة من الله، والفرص من الله، ومحاولاتك وصراعاتك كلها بعين الله.

قال الإمام علي (عليه السلام):
"لا ينفع اجتهاد بغير توفيق."2

• تجربة شخصية

في أحد الامتحانات، مررت بظرف قاسٍ، ولم أستطع أن أُلم بالمادة كما ينبغي.
دخلت قاعة الامتحان ، وكانت إجاباتي غير موفقة، شعرت بالإخفاق، وظننت أن النجاح بعيد المنال.
لكنني فوجئت بالنتيجة: لقد نجحت!
الله وفقني، نعم، لكني لم أكن عابثة، كنت أحاول وأجتهد بما أستطيع، وما كان ذلك عند الله ضائعًا

التوفيق نور لا يُرى، لكنه يُشعر.
والتعب طريق لا يُختصر، لكنه يُثمر.
وبين هذين النورين، يُولد النجاح الحقيقي.

1-ميزان الحكمة -ج-4
2-نفس المصدر