صنّفه الصاحب بن عباد خاتمة الشعراء، فقال فيه(بدأ الشعر بملك وانتهى بملك)، ويقصد أنه بدأ بامرئ القيس وانتهى بأبي فراس.
مقدمة عن امارة بني حمدان
استطاع سيف الدولة الحمداني، أشهر أمراء الحمدانيين، توسيع حدود الدولة الحمدانية ومن ثم تأسيس "إمارة حلب" التي أصبحت موطنا للفلاسفة والشعراء من أمثال الفارابي وأبي الطيب المتنبي وأبي فراس الحمداني. فقد أمضى معظم حياته في ساحات المعارك، حتى قيل إنه جمع الغبار المتراكم على درعه وملابسه من معاركه وشكّل منه لبنة وأوصى أن توضع تحت رأسه في القبر.
برز اسم "سيف الدولة الحمداني" بوصفه الأمير العربي الوحيد في ذلك الوقت الذي شكّل تهديدا للبيزنطيين في زمن انهيار الخلافة العباسية وانشغال الحكام والأمراء العرب بالتنافس على السلطة. فما أشبه الليلة بالبارحة!
وتعرف تلك الامارة أيضاً باسم الدولة الحمدانية، وهي إمارة إسلامية موالية لأهل البيت (عليهم السلام)، أسسها أبو محمد الحسن بن أبي الهيجاء، المعروف بـ "ناصر الدولة"، في مدينة الموصل. ثم امتدت تلك الدولة فيما بعد لتشمل حلب والشام الشمالي وأجزاءً من جنوب الأناضول.
وتكمن أهمية الدولة الحمدانية في كونها من أوائل الدول المستقلة الموالية لأهل البيت. فقد كان لها نفوذ سياسي وعسكري في المنطقة وفي تحولاتها. وقد ساهمت في إثراء الثقافة الإسلامية من خلال دعم الفن والعلوم والأدب.
انتهت الدولة الحمدانية في حلب عام 1003 م بعد وفاة سعيد الدولة، بعدما انهارت الدولة في الموصل.
في بني حمدان، تجلت الأخلاق والشيم العربية الفاضلة وغيرتهم على العروبة والإسلام في أفعالهم وأقوالهم. فقد اختاروا أحسن الكنى والألقاب التي تشعر بحبهم للعز والعلياء والشجاعة وتمسكهم بأصولهم.
وفيهم قال المتنبي من قصيدة يمدح بها أبا العشائر الحسين بن علي بن الحسين بن حمدان:
يا بني الحارث بن لقمان لا تعدمكم في الوغى متون العتاق
الشاعر أبو فراس الحمداني:
هو أبو فراس الحارث بن أبي المعالي سعيد بن حمدان بن حمدون بن الحارث بن لقمان بن راشد بن المثنى بن رافع بن الحارث بن عطيف بن محربة بن حارثة بن مالك بن عبيد بن عدي بن اسامة بن مالك بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب الحمداني العدوي التغلبي.
أما عن أمه، ففي شعره ما يدل على إن أمه أو إحدى جداته رومية، حيث يقول:
إذا خفت من أخوالي الروم خطة تخوفت من أعمامي العرب أربعا
وإن أوجعتني من أعاديَّ شيمة لقيت من الأحباب أدهى وأوجعا
مولده ووفاته
ولد أبو فراس بمنبج سنة 320 للهجرة، وقيل سنة 321، وقتل يوم الأربعاء لثمان خلون من ربيع الآخر، أو يوم السبت لليلتين خلتا من جمادى الأولى في حرب كانت بينه وبين قرعويه (أو فرغوية) غلام سيف الدولة سنة 357. وقيل أن عمره حين قتل كان 37 سنة، وقيل غير ذلك.
قُتل والدُه ولم يمضِ من عمر أبي فراس ثلاث سنوات. نشأ أبو فراس في كنف أمه التي يبدو أنها كانت جارية رومية. وعاش مع أمه حتى في مختلف المدن التي كانت تحت سيطرة الحمدانيين، وانتقل إلى حلب بعد تأسيس حكومة سيف الدولة فيها، ومن ثم أصبح فيها تحت الرعاية المباشرة لسيف الدولة الذي تزوج من أخته فيما بعد.
وكان شاعر العرب الكبير المتنبي يشهد له بالتفوق ويبتعد من الاحتكاك به. وكان عدم مدح المتنبي إياه تهيباً له وإجلالاً، وليس إغفالاً.
أسره
وقع أبو فراس في إحدى رحلاته للصيد حوالي منبج أسيرا لدى الروم. ثم وقع مرة أخرى في الأسر خلال حرب مع الروم. واشتهرت قصائده التي أنشدها وهو في الأسر بالحسبيات أو الروميات.
ثم جرى تبادلٌ للأسرى على ساحل الفرات، واستعاد أبو فراس حريته. وقيل أنه تولى إمارة حمص بعد أن نال حريته.
ديوانه
جمع ابن خالويه، وهو استاذ أبي فراس، شعره بعد وفاته في ديوان وشرحه. وشعره متنوع الموضوعات.
قصيدته الشافية
يصف الأمير أبو فراس الحمداني في رائعته الخالدة، ما حل بأهل البيت (عليهم السلام) من صنوف التنكيل والتعذيب، وما عانوه من الكوارث والخطوب من بني العباس، فيقول بألم وحزن:
الحق مهتضم والدين مخترم* وفيء آل رسول الله مقتسم
والناس عندك لا ناس فيحفظهم*سوم الرعاة ولا شاء ولا نعم
إني أبيتُ قليل النوم أرقني * قلب تصارع فيه الهم والهمم
يا للرجال أما لله منتصر * من الطغاة أما للدين منتقم
بنو علي رعايا في ديارهم * والأمر تملكه النسوان والخدم
محلئون فأضحى شربهم وشل * عند الورود وأوفى ودهم لمم
ألحق مهتضم والدين مختـرم **** وفيء آل رسول اللـه مقتسم
والناس عندك لا ناس فيحفظهم **** سوم الرعاة ولا شاء ولا نعم
أني أبيت قليل النوم أرقني **** قلب تصارع فيه الهم والهمم
وعزمة لا ينام الليل صاحبها **** إلا على ظفر في طيه كرم
يصان مهري لأمر لا أبوح به **والدرع والرمح والصمصامة الخذم
وكل مائرة الضبعين مرحها **** رمت الجزيرة والخذراف والعنم
وفتية قلبهم قلب اذا ركبوا **** يوما ورأيهم رأي اذا عزموا
يا للرجال أما للـه منتصر **** من الطغاة أما للدين منتقـم
بنو علي رعايا في ديارهـم **** والأمر تملكـه النسوان والخدم
فالأرض الا على ملاكها سعة **** والمال الا على أربابـه ديم
فما السعيد بها الا الذي ظلموا **** وما الشقي بها الا الذي ظلموا
للمتقين من الدنيا عواقبهـا **** وان تعجل منهـا الظالم الأثم
أتخفرون عليهم لا أبا لكـم **** حتى كان رسول اللـه جدكم
ولا توازن فيما بينكم شرف **** ولا تساوت لكم في موطن قدم
ولا لكم مثلهم في المجد متصل **** و لا لجدك معشار جدهـم
ولا لعرقكـم من عرقهم شبة **** و لا نثيلتكـم من أمهم أمم
قام النبي بها ( يوم الغدير ) لهم **** و اللـه يشهد والأملاك والأمم
حتى اذا أصبحت في غير صاحبها **** باتت تنازعها الذوبان والرخـم
وصيروا أمرهم شورى كأنهـم **** لا يعرفون ولاة الحق أيهـم
تالله ما جهل الأقوام موضعها **** لكنهم ستروا وجه الذي علموا
ثم ادعاها بنو العباس ملكهـم **** و لا لهم قدم فيها و لا قدم
لا يذكرون اذا ما معشر ذكروا **** و لا يحكم في أمر لهم حكم
ولا راهم أبو بكر و صاحبه **** أهلأ لما طلبوا منها وما زعموا
فهل هم مدعوها غير واجبة **** أم هل أئمتهم في أخذها ظلموا
أما علي فأدنى من قرابتكـم **** عند الولاية إن لم تكفر النعم
أينكر الحبر عبد اللـه نعمته **** أبوكم أم عبيد اللـه أم قثم
بئس الجزاء جزيتم في بني حسن **** أباهم العلم الهـادي وأمهـم
لا بيعة ردعتكم عن دمائهـم **** و لا يمين ولا قربى ولا ذمم
هلا صفحتم عن الأسرى بلا سبب **** للصافحين ببدر عن أسيركـم
هلا كففتم عن الديباج سوطكم **** و عن بنات رسول الله شتمكم
ما نزهت لرسول الله مهجتـه **** عن السياط فهلا نزه الحـرم
ما نال منهم بنوحرب وان عظمت **** تلك الجزائر الا دون نيلكـم
كم غدوة لكم في الدين واضحة **** وكم دم لرسول اللـه عندكم
أنتم له شيعة فيما ترون وفي **** أظفاركم من بنية الطاهرين دم
هيهات لا قربت قربى ولا رحم **** يوما اذا أقصت الأخلاق والشيم
كانت مودة سلمان لـه رحما **** ولم يكن بين نوح وابنه رحم
يا جاهدا في مساويهم يكتمها **** غدر الرشيد بيحيى كيف ينكتم
ليس الرشيد كموسى في القياس ولا **** مأمونكم كالرضا لو أنصف الحكم
ذاق الزبيري غب الحنث وانكشفت **** عن أبن فاطمة الأقوال والتهم
باءوا بقتل الرضا من بعد بيعته **** وابصرو ابعض يوم رشدهم وعموا
يا عصبة شقيت من بعدما سعدت **** ومعشرا هلكوا من بعد ما سلموا
لبئسما لقيت منهـم وان بليت **** بجانب الطف تلك الأعظم الرمم
لاعن أبي مسلم في نصحة صفحوا **** و لا الهيبري نجا الحلف والقسم
ولا الأمان لأهل الموصل اعتمدوا **** فيه الوفاء ولا عن غيهم حلموا
أبلغ لديك بني العباس مالكة **** لا يدعوا ملكها ملاكها العجم
أي المفاخر أمست في منازلكم **** و غيركم أمر فيها و محتكم
أنى يزيدكـم في مقخر علم **** و في الخلاف عليكم يخفق العلم
يا باعة الخمر كفوا عن مفاخركم **** لمعشر بيعهـم يوم الهياج دم
خلوا الفخار لعلامين ان سئلوا **** يوم السؤال وعما لين ان علموا
لا يغضبون لغير الله ان غضبوا **** ولا يضيعون حكم الله ان حكموا
تنشى التلاوة في أبياتهم سحرا **** و في بيوتكـم الأوتاد والنعم
منكم علية أم منهم وكان لكم **** شيخ المغنين إبراهيم أم لهـم
اذا تلموا سورة غنى أمامكم **** قف بالطلول التي لم يعفها القدم
ما في بيوتهـم للخمر معتصر **** و لا بيوتكـم للسوء معتصم
ولا تبيت لهـم خنثى تنادهم **** و لا يرى لهم قرد و لا حشم
الركن والبيت والأستار منزلهم **** وزمزم والصفا والحجر والحرم
وليس من قسم في الذكر نعرفه **** الا وهم غير شك ذلك القسم
صلى الإله عليهـم أينما ذكروا **** فانهـم للورى كهف ومعتصم
المصادر:
- باقر شريف القرشي، حياة الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف| جزء 1....
- السيد محسن الأمين، أعيان الشيعة...
- السيد أبو القاسم الخوئي، معجم رجال الحديث...
- الديوان.
- ويكيشيعة.
|