عرفت كتابة السير الغيرية بأنها خزانة التراث المرجعي، لما تمتلك من أسلوب أدبي، مهمته إبراز العلماء المؤثرين، والبارزين، وهذا يعد من أمور التوثيق للرمز المرجعي، حياته/ نشاطه/ منجزه/ آرائه، وتوثيق لمنجز المرجعية، ومعرفة نظام الانتماء الحوزوي، والجهد المبذول من قبل المراجع الدينية، للمحافظة على هذا الصرح المرجعي العلمي المهم.
سماحة الشيخ موسى دعيبل، هو من علماء المرجعية المباركة، ولد الشيخ الجليل موسى بن الشيخ عمران، ابن الحاج أحمد بن محسن الخفاجي من أسرة آل دعيبل من الأسر النجفية التي سكنت المدينة المقدسة في القرن الحادي عشر الهجري.
اجمل ما في هذه السير أنها تشكل ملخص تجربة لأستاذ من أساتذة الحوزة العلمية، ربما تشابه صيغ الموضوع شكلا وأسلوبا، لكن بقيت متعلقات المضمون، نموذج اجتماعي، حياتي ديني مكتمل، وتستطيع من خلال هذا النمط السردي أن تقرأ دلالات التكوين البيئي، والاجتماعي للنجف، كونها مدينة اشتهرت في العلم والثقافة، والعلماء والملاحظ أن أغلب العلماء الذين نكتب سيرهم هم أولاد علماء، ومن عوائل علمية معروفة.
فالشيخ موسى دعيبل ابن الفقيه الشيخ عمران، وكان الشيخ عمران يعد من فقهاء عصره البارزين، أخذ عنه العلم والجمال، و من علماء عصره وفقهائهم، منهم الشيخ محمد رضا شمس الدين، السيد محمد الأمين، الشيخ مرتضى كاشف الغطاء، الشيخ عبد الهادي شليله، السيد كاظم اليزي، الشيخ أحمد كاشف الغطاء، حتى صار من الفقهاء ويجيز للاجتهاد.
السعي لكتابة السير، هو تقديم ثقافة الدين، وبمعنى ثقافة الالتزام، وترسيخ معالم تربوية، دينية باعتبارها النموذج الناضج.
حضر عنده مجموعة من العلماء، وأهل الفقه، وهو يدرس السطوح التي اختص بها، لا سيما اللمعتين، والشرائع، ودرس عنده الشيخ عبد الكريم الشرقي، والشيخ محمد تقي الفقيه، والشيخ عبد المولى الطريحي، وتعتبر هذه السير رد جميل لحياة عالم قدم ما لديه دون أن يرتكز على الأنا في تقديم ملخص تجربته، فتركها على ذمة الغير.
والحديث عن مكانته العلمية حديث جميل، فقد حصل على درجة الاجتهاد بكل جدارة، لكنه أبى أن يتقلد منصب المرجعية الدينية، فكرس جهده منشغلا بالتدريس، والتأليف، والتحقيق، وكان يؤم المئات من المصلين في أحدى المساجد الرئيسية في مدينة النجف الأشرف.
تكتب هذه السير من أجل تجديد ذكر الرمز المرجعي، ولخلق حالة تواصلية للناس مع المرجعية، وهذه الدوافع التواصلية دوافع متحررة من كل منفعة خاصة، وتعد بمنزلة التثقيف العام، وصناعة القدوة الاجتماعية.
لسماحة الشيخ موسى دعيبل مؤلفات منها، حواشي كثيرة على كتب الدرس، وكتاب عن الطب الغذائي، وله شعر كثير، فهو شاعر وعالم في الفقه.
تعد هذه السير التي تكتب عن العلماء ميلانها إلى القضايا الروحية التي تخص المسيرة العلمية الدينية، وبعضا من الأخبار الشخصية، مثلا: كان الشيخ موسى دعيبل يلقبه الناس بابي ذر الغفاري، لزهده، وورعه، وكان يقدم درسه بطريقة متفردة، يجمعهم في حلقات، ويسير فيهم أسئلة الحلقة، ويجعلهم يجيبون بأنفسهم، الطالب يسال ويجيب عن سؤاله، ويتحدث المجتمع النجفي عن بعض الكرامات التي بها ما يدهش الناس، مثلا: كان لا يرد محتاجا رغم ضيق المورد. سيرة مباركة زاخرة بالقيم الأخلاقية، حتى يصفه الناس بابي ذر الغفاري.
لحظة وفاته ودع وداعا جماهيريا، حتى كأنهم أرادوا تعويض تشييع جثمان أبي ذر الغفاري في الربذة، لأنهم لم يكونوا حينها موجودين.
رحمهما الله، جنة ورضوانا..
|