
بضوء القناديل تنجلي العتمات، وقناديل الولاء تنثر النور والهداية والشفاعة واليقين
قبل الولوج الى الحوار أدرك معنى أن أحاور شاعرة بثقل "وفاء الطويل"، أدرك أيضا أن أسماء أهل البيت "عليهم السلام" هي بكل اللغات ثابتة المصير، هل من نصير؟ سأل يجمع أهل الولاء في كل زمان ومكان.
منصات الشعر ميادين غيرة بها المشاعر تصول، وكل صولة قصيدة لها طقس زيارة شامخة الوجود.
ونصرة حسينية الروح...
شاعرة حلمت سنوات التوق بجبة الرضا "عليه السلام" نالت مرادها ولله الحمد، والمسير لا يقف عند حد، وأنا ممن يغتنم مثل هذه المشاعر لتحتكم المساحات بين يديه
س: ـ كم هي المسافة بين جبة الرضا وقربة الجود، ومهرجان الجود للقصيدة العمودية، الذي تقيمه العتبة العباسية المقدسة حلم الشعراء؟
أعتقد أن مثل هذا السؤال له مشاوير حلم في صدر القصيدة وفي قلب الشعراء أمنيات تنبض بالحنين، نحن نبارك الخطوة وهي في مهد الأمنيات.
ـ سؤال عميق جدًا، لامس نبض وجداني
أما وإني قد عاهدتكم أن أضع كلي بين يدي المحاورة، فلا أخفي عليكم أنها أمنية تراودني كل سجود، أمنية تسكنني، تتوهج في خلجاتي أن أتوج بلقب "شاعر الجود"، تعودت من العباس "عليه السلام" تحقيق الأمنيات بأضعافها،
فما قصدته يوما إلا وفاضت روحي يقينا، أن للقاصدين عنده سقاء، وللأوفياء قِربة لا تنضب.
ولي معه حكايا، وحكايا، تروى على ضفاف فراته
لا أنسى تفضّله الكريم عليّ قبل عامين، حين شملني بجود ضيافته، إذ تلقيت دعوة مباركة من مجلة رياض الزهراء، فكانت أيام المقام في رحابه من أبهى فصول العمر التي لا تمحى من دفاتر الوجدان، ولا تشيخ في ذاكرة الروح.
***
: ـ هل كانت تلهج على شفة الانتظار ندية كما الدعاء، أم جاءت كما الفجر يحمل الضوء، والصباحات رزق الله حين تشرق بالصلوات، كيف كان حينها اللقاء؟
فعلا كانت الاستضافة أشبه بابتهال استجيب في ساعة صفاء، كأنها دعوة خبأتها أمي في ثنايا المآذن.
وكأن اللقاء كان فجرا تسلل من خاصرة المدى، حاملا معه الضياء لقلبي، جاء كالصلاة في أوانها، مطمئنة، هادئة، تغسلني بطهور الزيارة.
على عتبة العباس، وقفت روحي تستأذن، تفي بندر لا يؤخر، وكان اللقاء كما لو أن السقاء هطل من القربة يترقرق بلطف على قلبي التائق.
ولتلك الاستضافة حكاية...
فقد كانت زيارتي السابقة له "سلام الله عليه" قبلها بخمسة أعوام على التحديد، ثم حالت بيني وبينه ظروف كأنها الفقد في ثوب الحياة، فما وجدت سبيلا إلا أن أكتب له نصا يتوسل الإذن والفسحة، طلبت منه أن يطلبني ويمنحني التذكرة، لم أقصد التذكرة مادية، بل بطاقة عبور معنوية، من عاشق لم تهدأ خطاه، متعلقا بعتبة الرجاء.
قُلْ لِي بِرَبِّكَ عَنْ فُرَاتِيَ لَا تَغِيبِي
وَابْعَثْ بِتَذْكِرَتِي أُجِبْكَ أَيَا حَبِيبِي
لَا شَمْسَ تُشْرِقُ لَا الشُّعَاعُ يَطُلُّ مِنْ
فَجْرِي بِلَا دَمْعٍ... وَلَمْ يُسْمَعْ نَحِيبِي
يَا رَاهِبَ النَّهْرِ الدِّيَارُ تَشُطُّ بِي
وَالْبُعْدُ جَيْشٌ قَدْ تَوَغَّلَ فِي دُرُوبِي
كَمْ حَاوَلَ الْقَلْبُ الْفِرَارَ لِكَرْبَلَا
وَلِيَقْطَعَ اللَّاشَيْءَ فِي الزَّمَنِ الْغَرِيبِ
كَمْ حَاوَلَ التَّحْلِيقَ نَحْوَكَ إِنَّمَا
مَعْ كُلِّ دَأْبٍ كَمْ تَهَشَّمَ كَالسَّلِيبِ
كَمْ حَاجِزٍ بَيْنِي وَبَيْنَكَ لَيْسَ لِي
عِلْمٌ وَأَخْشَى أَنْ تُبَاعِدَنِي ذُنُوبِي
وَحْدِي أُفَكِّرُ فِي الْوِصَالِ وَإِنَّنِي
غَرْقَى بِشَوْقِي كَمْ أُسَافِرُ فِي الْغُيُوبِ
قَلْبِي تَحَرَّقَ بِالشُّجُونِ وَلَيْسَ لِي
إِلَّاكَ يُنْقِذُ مَا تَبَقَّى مِنْ غُرُوبِي
ـ هو الممتد بين كفي الدعاء، ابتسامة السماء، حنينها، حضورها العامر في كل الفصول، هو ياء النداء، قمر بني هاشم كوثر الشعر في مهج الشعراء، وإليك تكملة الحديث كلنا توق لنعرف كيف كان طعم اللقاء؟
ـ كان مولاي أبي الفضل العباس "سلام الله عليه" كعادته، الأكرم والأوفى،
فما هي إلا أيام حتى أُبْلِغتُ بدعوة كريمة للمشاركة في مهرجان رياض الزهراء تحت عنوان: "منهلٌ عذب، وعطاءٌ ثرّ"
فكانت الإجابة أندى من الدعاء، وأوسع من الرجاء، كان اللقاء رعشة في عيون شاعر، كأن الوقتَ انحنى على ركبتيه، والدمع بكى فرحا وحزنا.
بتلك الزيارة فقط، عرفت معنى الحياة، وكأنني أزور لأول مرة
|