كتابات في الميزان / بين أنقاض المنازل العشوائية في البصرة، تصدّرت امرأة مسنّة المشهد، تبحث بعصاها عن مأوى وسط نزاع سياسي لا يرحم.
اثارت حملة هدم منازل مخالفة في محافظة البصرة بأقصى جنوب العراق، خلافاً دستورياً بين إدارة المحافظة وحكومة بغداد، إذ وجه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بوقف الحملة، إلا أن محافظ البصرة أسعد العيداني عدّ التوجيه غير ملزم له، وسط جدل بشأن الصلاحيات.
وتسببت حملة الهدم في البصرة بإزالة عشرات المنازل المتجاوزة، “وهي منازل سكنية غير رسمية” شيّدها أصحابها عشوائياً على أراضٍ مملوكة للدولة.
وقد بدأت هذه الظاهرة بالانتشار في عموم محافظات البلاد بعد عام 2003، وقد تجاوز آلاف المواطنين على أراضي للدولة، وبنوا منازل لهم عليها، تعرف اليوم باسم المناطق العشوائية.
وتصاعدت في الأيام الأخيرة حدة الرفض والانتقاد لحملة الهدم، فيما ناشدت العائلات المتضررة الحكومة المركزية بوضع حد لها، في وقت تدخلت فيه أطراف سياسية، محاولة استغلال الملف لتحقيق أجندات خاصة، ما دفع السوداني إلى التدخل.
هدم التجاوزات
ووجه السوداني، أمس الاثنين، بإيقاف حملات هدم التجاوزات في المحافظات كافة “مراعاة لأوضاع ساكنيها”، حسب وثيقة صادرة من نائب مدير مكتبه، علي رزوقي اللامي. إلا أن محافظ البصرة أسعد العيداني، رفض تنفيذ توجيه السوداني، معتبراً أنه “غير ملزم قانونياً”.
وقال في بيان صحافي أصدره مساء الاثنين، إن “المحافظ ينتخب من قبل مجلس المحافظة، ولا يعدّ موظفاً تابعاً للحكومة المركزية”.
وأكد أن “التوجيه الأخير (توجيه السوداني) يتعارض بشكل صريح مع المادة الـ 154 من قانون إزالة التجاوزات، ويعدّ سابقة خطيرة قد تشجع على التعدي على الأملاك العامة والخاصة”،
لافتاً إلى أن “الإجراءات التي اتخذتها محافظة البصرة جاءت استناداً إلى قرارات قضائية باتة بإزالة تجاوزات على أراضٍ خاصة”، مشدداً على “عدم التراجع عن تنفيذ القانون لمصلحة أي مجاملات”.
جدل دستوري بشأن تقاطع الصلاحيات
وعدّت النائبة عالية نصيف، خطوة رئيس الوزراء دستورية، وقالت في تصريح صحافي، إن “رئيس الوزراء كان مطلبه إنسانياً، ولم يخالف القانون في إيجاد البديل للمتجاوزين على الأراضي، ولكي لا يترك العراقيين إلى المجهول”،
مبينة أن “المادة الـ78 من الدستور تؤكد أن رئيس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر للسياسة العامة للدولة، وأن الدستور يمنحه العلوية على القوانين والانظمة والتعليمات”.
كذلك أكد عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي، النائب محمد الخفاجي، أن توجيه السوداني ملزم للمحافظ، وقال في تصريح متلفز: “ما حدث من تهديم المنازل في البصرة مؤلم”.
مشدداً على أنه “لا يحق للمحافظ الاعتراض على توجيه رئيس الوزراء. السوداني يمثل الجهة التنفيذية العليا، والعيداني ملزم بتنفيذ توجيهاته”.
من جهته، أكد الأكاديمي المختص في القانون الدستوري، عمار الزهيري، أن “الصلاحيات بالدستور العراقي تتعارض أحياناً، وقد تكون لمصلحة المحافظات مرة، وأخرى لمصلحة الحكومة، وأن هذا التعارض لا يمكن إزالته إلا بالتفاهمات بين الطرفين، أو في حال عدم التفاهم يلجأ إلى الهيئة العليا للتنسيق بين المحافظات”.
وأشار إلى أن “الملف مرتبط بالتنافس الانتخابي، وأن توقيت الحملة التي بدأت في البصرة، وتوجيه السوداني، يأتي في وقت تتنافس فيه القوى السياسية على تحقيق مكاسب انتخابية”.
التنافس الانتخابي
وبيّن أن “العيداني يريد أن يظهر نفسه على أنه رجل دولة له قوة وسلطة بتنفيذ القانون على الجميع، وأنه يستطيع أن يرفض التوجيهات العليا، في وقت يتعاطف فيه السوداني مع المواطنين الفقراء ويظهر دعمه لهم”.
وتفيد بيانات وزارة التخطيط بأن عدد التجمعات السكنية العشوائية في العراق يبلغ 4 آلاف و679، يقطنها نحو 3.6 ملايين شخص، ما يعادل نسبة 10% من سكان البلاد.
وتمثل الأحياء السكنية الفقيرة أجزاءً واسعة من مدن عدة من بينها العاصمة بغداد. ويتجدد الحديث عن ملف المساكن العشوائية في العراق مع كل مدّة انتخابية، حيث تتحرك أطراف وشخصيات سياسية تجاه الملف، مظهرة دعمها ووقوفها الى جانب هذه الشريحة الواسعة من المواطنين بغية كسب أصواتهم، وتعدهم بحلول ومعالجات لملفهم.

|