• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الارتقاء الإنساني في خطاب الحسين عليه السلام .
                          • الكاتب : علي حسين الخباز .

الارتقاء الإنساني في خطاب الحسين عليه السلام

حكمة قالها أحد العلماء الأجلاء (لا تقرأ واقعة كربلاء كما قرأتها أمس) 
قد تنفتح لك مع كل قراءة عوالم كبيرة مع انفتاح الوعي الإنساني في التفكير، يقرأها كل متأمل بما يراها أو بما تصل له عبر إمكانياته العقلية والإدراكية وهذا سر تنامي الواقعة عبر الأجيال. 
قراءة كلمة من خطب الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، لها القدرة  على منحنا حقيقة الإنسان ومدركاته وما تحتوي تلك الكلمات من معنى ترتبط أهميته بحياتنا، ولنعرف من خلالها طريقة السعي إلى التكامل المعرفي في فكر الإمام الحسين عليه السلام، يروي المؤرخون أن الإمام الحسين عليه السلام في مسيره إلى كربلاء قال (إن هذه الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها، فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الاناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل) علينا أن نتأمل في معنى الدنيا هو تعبير عن نمط  الواقع الحياتي الذي شهد هيمنة أهل الجور وانحرافا كبير في مسار الإصلاح الرسالي، إن التأريخ  البشري حمل الكثير من الأمم والحضارات التي ارتفعت في بعض المراحل المهمة وارتقت لكنها سقطت وهذا السقوط سببه الطغيان الذي حارب ذلك الارتقاء الإنساني، لأنه هدم العروش وسط العدل والتساوي ولم يبق قيمة لمعنى القبلية التي كانت في قمة نشاطها قبل الإسلام، وعودة السلطة إلى بني أمية  شكلت حالة الإنكار وإدبار المعروف، والحسين عليه السلام لم يغلق القضية وإنما أشار إلى وجود باقية، وأن كانت كصبابة الإناء، والصبابة بالضم البقية من الماء في الإناء، أي ما فضل في أسفل الإناء من الشراب، وخسيس عيش، الدنيء من العيش، مازال في الإناء صبابة، يمكن استنهاض الأمة قبل أن يجف الماء، يسألني أحدهم وهل التغيير الذي أحدثته نهضة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم تكن كافية، قلت  
-علينا أن نتأمل في جملة قالها الإمام الحسين عليه السلام، ليرينا الناتج الذي وصل إليه مجتمع الإسلام في زمن آل أمية (ألا ترون أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا، فإني لا أرى الموت إلا سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلا برما) في هذه الجمل البسيطة نجد جوهر النهضة الحسينية، أن تردي السلطة لا يمكن أن يكتمل إلا بتردي الأخلاق العامة ولا يستقر حكم الجور إلا من خلال حركتين لإدامة الفساد العام، خنق الصوت الحر وإطفاء شعلة الصلاح. 
المجتمع الذي لا يعمل به الحق هو التربة الصالحة لنمو الطغاة، (برما) يعني الأمر الممل والأمر الذي لا يطاق هو السأم، حيث لا مكان للعيش مع الظالمين، والموت في خطاب الحسين عليه السلام، ليس بوابة العدم، هو خير يعبر بالإنسان نحو عالم حقيقي 
قيل لأبي ذر الغفاري لماذا نكره الموت؟ قال 
 -لأنكم عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة، وهذه من الأمور التي تدلنا على طريق كربلاء، الدرب ليس دربا دنيويا فلا من أجل سلطة سار فيه ولا من أجل جاه، بل استنهاض الأمة لصلاحها. 
سؤال متى يصبح الموت سعادة؟  
-في حال تكون الحياة ذليلة خانعة للذل والجور، لأن الفكر الأموي استطاع أن يتغلغل بين الناس، ويشتري ذمم القوم، أفسد الحياة والنفوس وانحرف بالأمة عن النهج القويم. 
 لهذا استقامت المواجهة بين مرتكز الحسين عليه السلام ويعني العدل والخير وقيم الدين والقرآن والانبياء، وبين يزيد الباطل والشر والطغيان، الخطر في أن يصبح للشر أمة. 
العدل ضرورة لا تستقيم الحياة بدونه، لذلك من أجل إقامة العدل يرغب المؤمن في لقاء الله سبحانه تعالى، قمة الإرادة الحسينية الإصرار على المسير إلى كربلاء، المواجهة من أجل نيل الشهادة (لا أرى الموت إلا سعادة) الحياة بعدم الرضوخ للطغاة تزيد معنوياتهم وتمنحهم التزكية الشرعية وشعار التحدي الحسيني هو راية من رايات النصرة لمن يقيم العزاء من أجل ألا يخضع شيعته وأنصاره إلى عبادة الدنيا، (إن الناس عبيد الدنيا والدين لعق على السنتهم يحوطونه ما درت معايشهم فاذا محصوا بالبلاء قل الديانون) 
أراد الحسين عليه السلام أن يبين للأمة أن الفساد ينتشر في أمة يكون على أحرارها واجب النهوض، فوجد الإمام نفسه ملزما بالقيام بصد هذا الانحراف، تأدية الواجب الشرعي ووجوب الثورة على كل مسلم. 
القضية المهمة في هذا الخطاب (لا أرى الموت إلا سعادة) لا يريد الحسين عليه السلام أن يعبر بها عن حالة اليأس، بل أراد الحسين سلام الله عليه أن يعبر بها عن حالة الرفض والموت في خط الجهاد، سعادة بها يؤكد الإنسان انتماءه وموقفه، أما الحياة مع الظالمين دون أن يواجههم ودون أن يقوم بأي عمل يمثل الحياة التي يبرم منها الإنسان، وهذا هو نهج الحسين المقوم الأسمى من مقومات الانتماء لكل خطوة مشاها الحسين عليه السلام إلى كربلاء




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=203108
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 05 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 05 / 17