الجميع تحدث عنه، لكن هناك جانبٌ آخر أكثر خطورة.
فهو ليس مجرد تطور تقني، بل سلاح فتاك في حربٍ ضروس.
بين الحربين العالميتين، شهد عقد الثلاثينيات ظهور أسلحة جديدة عند القوى المتقابلة، لم تكن موجودةً في السابق.
الجميع سعوا إلى امتلاك أكثر الأسلحة تطوراً، ما عرف لاحقاً بسنوات "سباق التسلّح".
وبينما تكشف روسيا عن صاروخ "آرييشنيك"، ترمي الصين على الطاولة سلاحها الجيوسياسي، DeepSeek
فكيف تحول منتج الذكاء الاصطناعي هذا إلى خطرٍ يهدد الأمن القومي الأميركي؟
العالم على شفير مواجهة كبرى، والدول تتسابق إلى امتلاك أسلحة العصر، وهي كما المثلين المذكورين، هجينة ومتنوعة بين ما هو صلب وناعم، وبين أسلحة المعلومة وإسلحة البارود.
فما وراء المخاوف الأميركية؟
صعود DeepSeek ليس مجرد انتصار تكنولوجي للصين، بل تقدم استراتيجي للحصان الصيني متجاوزاً القلعة الأميركية على الرقعة.لماذا؟
لأن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة، بل أصبح سلاحاً جيوسياسياً يعيد تشكيل النظام الدولي! وسنرى معاً كيف
تخشى أميركا الذكاء الاصطناعي الصيني، ولماذا؟
إذا كنت تتصور أن الأمر مرتبط بسرقة البيانات فحسب، فأنت مخطىء، أو لنقل ليست الإجابة كاملة.
الأمر يتجاوز أيضاً مسألة الهيمنة على السوق، ويصل إلى تغيير قواعد اللعبة في الحرب الباردة التكنولوجية!
الذكاء الاصطناعي هو القوة الدافعة الآن لكل القطاعات الاستراتيجية: من الاقتصاد إلى الأمن السيبراني، ومن الإعلام إلى التوازنات العسكرية.
وهذا يعني أنه عندما تمتلك الصين خوارزميات متقدمة تتحكم في التدفق المعلوماتي، فإنها لا تنافس أميركا فقط، بل تعيد تشكيل الفضاء الرقمي العالمي.
لماذا يعتبر هذا التطور بمثابة ولادة منصة حربٍ هجينة؟
يمكن لهذه المنصة أن تعيد هندسة العقول، فخوارزميات DeepSeek قادرة على إعادة توجيه النقاش العام، عبر ترشيح محتوى معين وحجب آخر. وهو ما تفكر أميركا فيه من منطلق الخشية من أن يتم توظيف الذكاء الاصطناعي لتغيير السلوكيات الجماعية، من خلال ترويج روايات دعائية على نطاق واسع.
هكذا، يمكن للصين أن تسيطر على تدفق المعرفة. المر يشبه هجوماً إلكترونيا، لكنه هذه المرة مستمر، ولا يهدف إلى التعطيل، بل إلى التأثير والإغراق بالمعلومات المفلترة صينياً.
لا يستطيع الأميركيون تخيل عالمٍ تصبح فيه المعلومات التي يتلقاها ملايين الأميركيين مفلترة وفقاً للمعايير الصينية!
لكن هل هذا واقعي؟ أم أنه مبالغة؟
تشير بعض الأبحاث إلى أن الذكاء الاصطناعي الصيني قد يُستخدم لإبطاء انتشار أبحاث غربية حساسة، أو لدفع علماء ومؤسسات أكاديمية نحو أجندات محددة.
كما يمكن له توجيه الأسواق والاقتصاد، وهكذا يمكن استخدامه للتأثير على الأسواق العالمية.
في الأيام الماضية استدل خبراء معنيون على هذه المخاوف بانهيار أسهم Nvidia بسبب DeepSeek نفسه، ويقولون إن الذكاء الاصطناعي بات أداة مالية قوية يمكن استخدامها لزعزعة استقرار الشركات الأميركية.
وقد أدى مجرد ظهور هذه التطور إلى خسائر هائلة في نفيديا.
لكن، لنعد إلى الإشكالية الأساس. كيف يُستخدم الذكاء الاصطناعي في الحرب الجيوسياسية؟
الحديث هنا أولي، وما نراه هو رأس جبل الجليد فقط، لأن مظاهر ذلك لاتزال في بداياتها.
اللحظة الحالية شبيهة بلحظة ظهور الانترنت لعامة الناس، بعد أن استخدم لسنوات في أقبية الجيش والمخابرات.
عملياً، يمكن شن حرب نفسية رقمية باستخدام الذكاء الاصطناعي، القادر على تحليل البيانات الضخمة وفهم سلوك الجماهير، ثم إعادة برمجة النقاشات العامة وفقاً لمصالح الدولة المنتجة، وخصوصاً إذا كان الحديث عن الصين.
وهذا يقول إلى السؤال حول إمكانية استخدام الصين للذكاء الاصطناعي في توجيه الحملات الانتخابية؟ هذا ليس خيالاً علمياً، بل احتمال استراتيجي قيد الدراسة!
ماذا عن سلاسل التوريد؟
يمكن أيضاً من خلاله التلاعب بسلاسل التوريد، من خلال رصد تحركات الأسواق، ومن ثم إحداث اضطرابات في سلاسل التوريد بما يخدم المصالح التجارية للدولة المهاجمة!
تخيل مثلاً سيناريو يتم فيه استغلال الذكاء الاصطناعي لضرب قطاعات حساسة مثل أشباه الموصلات والطاقة والتمويل!
ثم أيضاً هناك مسألة أخرى: الأمن السيبراني
إن التحكم في تقنيات الأمن السيبراني قضية حساسة للغاية في عالم اليوم، وفي حروب المستقبل.
فمع تنامي قدرات الذكاء الاصطناعي، يمكن للدولة المنتجة تطوير فيروسات ذكية تستهدف البنية التحتية للخصوم، أو حتى تعطيل دفاعاتها الإلكترونية عن بُعد!
هناك تقارير استخباراتية تنشرها وسائل الإعلام الغربية، تشير إلى أن الصين تطوّر برمجيات هجومية تعتمد على الذكاء الاصطناعي يمكنها استباق الهجمات السيبرانية الأميركية والرد عليها في أجزاء من الثانية!
يحدث ذلك فيما واشنطن لا تزال عالقةً في قضية تيك توك، فأيهما الأخطر؟
ينظر إلى DeepSeek على أنه أكثر خطورةً من TikTok.
فالمنصة الأخيرة ترفيهية، بينما DeepSeek منصة استراتيجية!
والذكاء الاصطناعي الصيني لا يستهلك المحتوى فقط، بل ينتجه ويُعيد تشكيله! وعلى المدى الطويل، يمكنه تحويل الذكاء الاصطناعي إلى أداة تحكم دولية، حيث تصبح الخوارزميات الصينية جزءاً من جميع التطبيقات والخدمات الرقمية!
ماذا يعني ذلك؟
مع هذا التطور، لم تعد الصين مجرد لاعب تقني، بل أصبحت قوة تُشكّل المستقبل! والذكاء الاصطناعي الصيني ليس مجرد منتج، بل استراتيجية جيوسياسية متكاملة!
في المقابل، تدرك أميركا أن المعركة الحقيقية ليست فقط على الرقائق الإلكترونية، بل على من يكتب قواعد الذكاء الاصطناعي.
وإذا لم تتحرك واشنطن سريعاً، فقد تجد نفسها في عالم تُحدد ملامحه الخوارزميات الصينية!
هل تعتقد أن أميركا قادرة على احتواء هذا الخطر؟ أم أن الصين تجاوزت نقطة اللاعودة؟
|