كثيراً من وقت علينا التمعن في هذا الحوار الذي دار بين "أنديرا غاندي ووالدها"، اذ يتبين لنا فيه حقيقة جوهرية، هي الأخلاق، وهي ليست مجرد سلوكيات فردية، بل هي الركيزة الأساسية التي تبنى عليها الأمم، فمهما يبلغ المجتمع من تقدم والرقي الاقتصادي والتعليمي والرفاهية ، الا أنه عرضة للانهيار، وانهيار القيم الأخلاقية، قد تؤدي إلى تفكك المجتمع وضياعه.
الأخلاق هي الركيزة الاساس للاستقرار تعد الأخلاق الرابط الخفي الذي يحفظ المجتمعات من التفكك، فهي تحكم وتحدد العلاقات بين الأفراد والمجتمع، وتضبط تصرفاتهم، وتزرع فيهم قيم الاحترام والتعاون، والامانة، والصدق، وعندما تنهار هذه القيم، تسود الفوضى ويتجذر الفساد والانحطاط الخلقي، حينها تصبح الحياة أشبه بغابة ، حيث يكون البقاء للأقوى وليس للأصلح.
وقد عبر عن هذه الحقيقة والد أنديرا غاندي حين سألت والدها:
"ماذا يحدث في الحرب؟"
فأجابها: "ينهار التعليم والاقتصاد."
قالت: "وماذا يحدث بعد انهيار التعليم والاقتصاد؟"
فردّ عليها: "تنهار الأخلاق."
فسألته مرة أخرى: "وماذا يحدث أيضاً لو انهارت الأخلاق؟"
فقال لها بمنتهى الحكمة: "وكيف يعيش الإنسان في بلد انهارت أخلاقه؟"
الاجابة الحكيمة تنبع من الحكمة والادراك والوعي القائد الذي ينبع من عمق التاريخ، وهو الشاهد على انهيار الأمم.
قد مر علينا التاريخ، حين شهدت الحضارات الكبرى لحظات ازدهار اقتصادي وتعليمي، ولكن في النهاية تراجع ميزان الأخلاق، وبدأت في الانهيار الكامل، فالإمبراطورية الرومانية، على سبيل المثال، لم تسقط بسبب ضعف اقتصادي أو عسكري فحسب، بل لعب الفساد الأخلاقي دوراً رئيسياً في تدميرها وادى الى انهيارها بالكامل.
دور الفرد في الحفاظ وسلامة على القيم والمؤروث الادبي والاخلاقي والديني.
إن التحدي الحقيقي الذي يواجه الإنسان ليس فقط تحقيق النجاح المادي، بل الحفاظ على النتاج القيم الأخلاقية والقيم العلمية وتدريب الاجيال لتبقى مستمرة على ذلك الخط المستقيم، فكل فرد منا هو مسؤول عن دعم هذه القيم في المحيط المجتمعي، سواء من خلال تربية أجيال، وحثها على تتمسك بالصدق والأمانة، أو التصدي ضد للسلوكيات الفاسدة ومحاربتها، كي لا تهدد استقرار المجتمع.
الأخلاق هي حب الوطن والدعامة الحقيقية لحماية المجتمع، أساس الحياة والقيم الكريمة والتراث الموروث من الاباء والاجداد وتاريخنا الطويل ، فلا يمكن لمجتمع أن ينهض أو يستمر دون أن تكون الأخلاق هي الآساس ، وكما قال غاندي، يستطيع الإنسان أن يتكيف مع نقص الغذاء أو المال، ولكن لا يمكنه أبداً أن يتعايش في مجتمع انهارت فيه الأخلاق.
|