• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : من الحيوان الناطق إلى الكائن المُعرِّب: مقاربة نقدية بيانية في تعريف الإنسان" .
                          • الكاتب : الشيخ حميد فليح الكلابي .

من الحيوان الناطق إلى الكائن المُعرِّب: مقاربة نقدية بيانية في تعريف الإنسان"

 تمهيد:

لطالما شغل تعريف الإنسان حيّزًا واسعًا من الفكر الفلسفي والأنثروبولوجي والديني، وتعددت الإجابات باختلاف المشارب والمدارس. وكان من أشهرها تعريف أرسطو للإنسان بأنه "حيوان ناطق"، وهو تعريف هيمن طويلًا على الوعي الفلسفي، لما يحمله من بساطة ظاهرة وعمق دلالي باطن، حيث يُربط جوهر الإنسان بقدرته على التفكير المجرد واستعمال العقل.

لكن هذا التعريف، رغم مركزيته، لم يَسلم من النقد، خاصة من منطلقات لغوية وإنسانية حديثة. فالنطق – وإن دلّ على العقل – لا يُعبّر كليًا عن ماهية الإنسان بوصفه كائنًا يُفصح، يُعبّر، يُعرب. وهنا تبرز الحاجة إلى مراجعة هذا الإرث المفاهيمي، لا من باب النقض، بل من باب التوسيع والتعميق. ومن الطبيعي أن يُواجَه هذا التجاوز للمألوف بممانعة، خاصة حين يُساء الظن بمَن يخالف تعريفًا تقليديًا دون أن يُخالف نصًا مقدّسًا. فالخروج على رأي فيلسوف أو لغوي لا يُعد خروجًا على الدين، ما لم يُعارض القرآن أو حديثًا صحيحًا عن المعصومين.


اللسان العربي لا اللغة العربية:
( فرق جوهري مغفَل عنه)

من المثير للتأمل أن القرآن الكريم لم يستخدم عبارة "اللغة العربية"، بل قال "بلسانٍ عربيٍّ مبين، واللسان، بخلاف اللغة، لا يدل بالضرورة على قومية أو انتماء عرقي أو ثقافي.
  ، بل على وسيلة للبيان والفهم. فالقرآن لم ينزل بـ"اللغة" بوصفها هوية ثقافية، بل بـ"لسان" بوصفه أداةً للبيان والتفهيم. ومن هنا يتضح أن مقولة "اللغة العربية هي لغة القرآن أو لغة أهل الجنة" ليست إلا موروثًا ثقافيًا لا نصًّا وحيانيًا، وبالتالي يمكن إعادة النظر فيه بحرية بحثية دون التورط في أي شبهة عقدية أو نصّية.


---

نحو تعريف بديل:

( الإنسان كائن مُعرِّب )

الافتراض الذي يقدمه هذا المقال هو أن "الإنسان كائن معرِّب" لا "حيوان ناطق" فقط. فالميزة الجوهرية التي يتمتع بها الإنسان لا تقتصر على القدرة على التفكير أو النطق، بل تشمل – وربما تتأسس – على قدرته على الإعراب عما في داخله، أي الإفصاح عن الوعي الداخلي بلغة رمزية منظمة. فالبيان لا يوازي الفكر فقط، بل يتجاوزه إلى الاشتراك الوجداني والمعرفي مع الآخر.

والمثير أن هذا المعنى يجد جذوره في القرآن الكريم، الذي قال: "علّمه البيان"، ولم يقل: "علّمه النطق". والبيان، كما فسّره اللغويون، هو القدرة على التعبير الواضح والإفصاح البياني. وبالتالي، فإن كون الإنسان "مُعرِبًا" هو الحقيقة الأوسع والأدق لتعريفه، لأن الإعراب لا يكتفي بإثبات وجود الفكر، بل يُجسّده ويُشركه في الوجود.
---

خاتمة:

إعادة تعريف الإنسان بوصفه "كائنًا مُعرِّبًا" ليست مجرد تعديل لغوي أو اجتهاد مفاهيمي، بل هي محاولة لتجذير البُعد الإنساني في صميم الوعي القرآني واللساني، وإعادة وصل العقل بالبيان. وهو تعريف يتسق مع النص القرآني ولا يناقض تراث أهل البيت (عليهم السلام)، بل ينفتح على أفق إنساني أكثر شمولًا من حدود النطق العقلي.

إنها دعوة إلى التحرر من سطوة المصطلح الموروث، لا من أجل نقضه، بل من أجل تجاوزه نحو أفق أرحب: الإنسان، هو من يُعرِب عن ذاته، لا من يفكر فقط.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=202965
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 05 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 05 / 12