ان تراث ال البيت عليهم السلام اثرائي شمولي اخلاقي على مستوى الفرد والمجتمع , ومما ورد عنهم فيما يخص مفهوم الاعتذار كونه قيمة اسلامية وانسانية, حيث ورد عن علي عليه السلام (الاقرار اعتذار )1, ( اقبل اعذار الناس تستمتع بإخائهم )2 وغيرها من الروايات التي توضح ان الاعتذار قانون وامر فطري يمثل مرتكز قوة بشخصية الانسان . ، والمبادرة به طريقة لإظهار الاعتزاز والتقدير للآخر ، تسهم في تماسك الاسر والمجتمع , اما اهميته تثبت للمتلقي والمانح على حد سواء , وبواسطة التكريم الالهي لبني ادم صار الاعتذار حق لكل البشر .
بالنسبة للمتلقي المساء اليه او المعتدى عليه فيعتبر الاعتذار احد وسائل التعافي اذا قُدم له مع الاعتراف بالإساءة ، يعزز ثقته بنفسه ويخلصه من مشاعر الضغينة والكره والانتقام .
اما المانح اعتذاره يساعده على اراحة الضمير والتوقف عن توبيخ وجلد الذات ، والكلام هنا عن الاعتذار الحقيقي الغير مشروط مع الاعتراف بالخطأ والندم وعدم التبرير للإساءة مهما كانت وتحمل المسؤولية كاملة تجاه الخطأ لتحقيق ثمرات الاعتذار كبناء الثقة بالنفس والمحافظة على العلاقات الاجتماعية والاسرية اهمها ، والاهم التعلم من اخطاءنا , والاعتذار مهارة اجتماعية يجب على الانسان اكتسابها وتنميتها.
وتجدر الاشارة الى ان الاعتذار كبقية القيم يكون باعتدال بلا افراط يعني تجاوز في فعله كما ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام):(لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه)، قال مفضّل بن عمر: قلت: بم يذلّ نفسه؟ قال(عليه السلام):(يدخل فيما يعتذر منه) 1.
او تفريط بحيث يتركه و يكون جفاء , فدين الله دين اعتدال ,وعلى الانسان ان يكون معتدلاً في كل معاملاته وليس فقط الاعتذار , الكلام هنا يوصلنا الى نتيجة وهي ان الاعتذار بوقته مما لا اشكال في اثاره وفائدته وهذا شيء ثابت دينيا واخلاقيا واجتماعيا , اما عن فقدان الاعتذار لقيمته مع فوات وقت الاساءة و والتسويف والاهمال لثقافة الاعتذار , بتأخره عن زمنه , هنا مع تأخره هل يفقد الاعتذار قيمته للطرفين , سؤال وجه للعديد من الشخصيات تنوعت بين التربوية والنفسية والتنموية , حول جوابه ؟.
مدرب التنمية البشرية الاستاذ واثق العيداني
ثقافتان غادرهما مجتمعي
ثقافة الاعتذار وثقافة الابتسامة
لا يوجد شيء اسمه الاعتذار المتأخر ليس له قيمة الاعتذار على طول الخط له قيمة للطرفين وخصوصا الذين تربطهم علاقة عمر او محبة او اخوة او زمالة او غيرها
فقط بمجرد المبادرة للاعتذار سنرى الطرف الاخر سيبتسم ويحضن الطرف الثاني كأنه يقول لك اني بانتظارك منذ زمن فلماذا لم تفعلها
اما مقولة الاعتذار المتأخر ليس له قيمة فقط عند البشر الذين لا تربطهم علاقات وطيدة او تكون علاقتهم علاقة مصالح او غيرها.
جناب الشيخ هاشم الاسدي
الاعتذار المتأخر وان كان اقل قيمة من الاعتذار الفوري ولكن حتما له فائدة وقيمة لحل العديد من المشاكل.
التربوي تحسين قفطان
الاعتذار بحد ذاته هو من الأمور المستحسنة والمحببة وليس له وقت محدد سواء كان سريعا او متأخرا . وكلما كان اسرع واقرب إلى وقت الحادث كان أفضل ولا يفقد قيمته إن تأخر فهو يبقى ذو قيمة معنوية وله آثار إيجابية حتى المتأخر منه .. إلا إذا أدى التأخير إلى ردود فعل سلبية من الطرف المقابل فعندها يكون الاعتذار ليست له قيمة . باعتبار انه جاء نتيجة ردة الفعل وليس بسبب الرغبة للاعتذار .
الدكتور اختصاص ارشاد نفسي علي رياض الموسوي
الاعتذار مهم وللطرفين حتى لو تأخر
وعادة يكون مفيد اكثر للشخص الذي يشعر بالتقصير والخطأ في التعبير عن المشاعر وتحرير لما هو مكبوت ,كما تتيح فرصة تصحيح مسار العلاقة خاصة اذا كانت قريبة , بالإضافة الى كون الاعتذار والمسامحة من اهم مهارات النضج النفسي والصحة النفسية.
جناب الشيخ محمد عبد الامير
يؤخذ تأخر الاعتذار من الجانبين ,جانب المعتذِر وجانب المعتذَر منه
أما الاول وهو و إن كان ملاماً على تأخر اعتذاره ويضاف له ذنبا الى ذنبه الاول
الا انه لا ينبغي له ترك الاعتذار بحجة ان القضية قد مر عليها زمن وعليه ايضا ان يقدم اعتذارين
لذنبه الاول ولتأخر الاعتذار , اما المعتذر منه فالروايات وردت مطلقة ولا فرق سواء كان المخطئ في حقه ( المذنب) قد تأخر بالاعتذار او لم يتأخر فعليه ان يقبل عذره والا فسيكون مصداقا للحديث النبوي
(( ...من اعتذر إلى أخيه المسلم من شيء بلغه عنه فلم يقبل عذره لم يَرِدْ عَلَيَّ الحوض))
اذا الاعتذار قيمة اسلامية وقد رافقت بني ادم منذ خَلقته الاولى كما يتضح في قصة ابونا آدم عليه السلام عندما عرف انه اخطأ كيف نطقت فطرته وطلب الاعتذار من الله تعالى حيث ( قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) 2
فكان الجواب الالهي {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} 3 . وقد نطقت الروايات المستفيضة عن ال بيت العصمة منطق القران شارحة ومبينة لكل ابعاد مفهوم الاعتذار قال امير المؤمنين عليه السلام (شافع المذنب اقراره ، وتوبته اعتذاره)4
(الاقرار اعتذار والانكار اصرار )5 ( الاعتذار منذر ناصح )6 اذا هي حقيقة و سنة الالهي على بساط العبودية فالعبد كثير الخطأ والله عز وجل الغفور الغافر قابل التوبة .
مع جمع هذه الآراء نلاحظ ان الحث على الاعتذار عامل مهم ويبقى له تأثير ولو بنسبة معينة في النفوس كونه اقرار بالخطأ , فالاعتذار يبقى قيمة لها اثارها التربوية العاملة ومن ذلك ايضا يتضح امتياز القيم الاسلامية من ناحية ارتباطها بالبعد العقائدي والذات الإنسانية الثابتة لا تتغير مع اختلاف اذواق الناس والمجتمعات اصيلة تطابق الفطرة التي خلقنا الله عليها , ومن هنا تتأتى اهمية تنمية ثقافة الاعتذار في جو الاسرة اولا ثم انطلاقا للمجتمع , ولنتذكر قول الرحيم اللطيف دعوة للتوبة والاعتذار لنال الغفران والرضا الالهي(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).7 ولنجمع مع حديث لأمير المؤمنين عليه السلام ( المعذرة بُرهان العقل)8
المصادر
1- ميزان الحكمة محمد الريشهري ج3, ص1860
2- ميزان الحكمة ج3 ,ص1859
3- ميزان الحكمة، ج 2، ص983
4- الأعراف:22-23.
5- البقرة ٣٧
6- مستدرك الوسائل الميرزا النوري ج١٢،ص١١٦
7- 6- ميزان الحكمة ج٣، ص١٨٥٩
7- الزمر:3
8- ميزان الحكمة ج3 ,ص1860
|