• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : التنكر للطائفية : إشكالية الإنكار وتضليل الممارسات الطائفية .
                          • الكاتب : رياض سعد .

التنكر للطائفية : إشكالية الإنكار وتضليل الممارسات الطائفية

إن إنكار الواقع المرضي لا يُفاقم الأزمات فحسب، بل يُحوّلها إلى أمراضٍ مُزمنة، تماماً كالخطأ في تشخيص الداء أو وصف الدواء، الذي قد يُودي بحياة المريض أو يُعمّق معاناته... ؛  وهكذا هو الحال مع الخطاب الطوباوي والهلامي للبعض و الذي يتناقض مع الواقع المُعاش ومعطيات التجارب التاريخية ؛ إذ يُعلن أفرادٌ أو جماعاتٌ ادّعاءَ التمسك بالوطنية أو الوحدة الدينية أو الإنسانية، أو يدّعون السعي لبناء مجتمع مدني متحضر... ؛ وينكرون كل مظاهر الطائفية ويحاربون من يتكلم عنها ... ، بينما تغوص مؤسسات الدولة والمجتمع في وحل الطائفية المقيتة، والعنصرية البغيضة، والانقسامات المناطقية والفئوية التي تُفكّك النسيج الاجتماعي...!! 

لا تكمن الإشكالية في وجود هذه الأمراض الاجتماعية فحسب، بل في إنكار وجودها أصلاً، أو تزييف تشخيصها... ؛  فمن أبشع أشكال الطائفية أن يُنكر البعض مظاهرها الواضحة، كالحملات المُمنهجة أو الممارسات اليومية التي تُغذّي الكراهية وتنشر الطائفية ... ؛ وكذلك الأمر مع العنصرية؛ فإن تكذيب الدعوات الجادة لمحاربتها، تحت ذرائع واهية، بينما المجتمع يُعاني من تمييزٍ عنصريٍ منهجي، هو شكلٌ آخر من أشكال العنصرية ذاتها... ؛  والأمر الأعجب أن يُوصم من يكشف هذه الآفات أو يحلّلها بأنه "طائفي" أو "عنصري"، كأن محاربة الداء تُعدّ داءً! 

هنا يبرز السؤال الجوهري: ما الذي يدفع فئةً ما إلى تشويه أصواتٍ تنادي بالمساواة وتمكين العدالة؟

ولماذا يُهاجم المصلحون بدلَ أن يُهاجم العملاء والطائفيون والعنصريون ؟

الإجابة تكمن في أن بعضَ من يرفعون شعاراتٍ برّاقةً لمحاربة الطائفية هم في الحقيقة أدواتٌ طائفيةٌ متنكّرة، يخشون أن يكشف النقاشُ العلني زيفَ مواقفهم وحقيقة معدنهم الرديء ... ؛ فهم يستفيدون من استمرار التهميش والإقصاء لمكونات اجتماعية معينة، بينما ينهلون هم من امتيازات السلطة والثروة والوطن ... ؛  ولذلك، يُحاربون أي محاولةٍ لإصلاح النظام القائم، ليس حباً في العدالة والمساواة ، بل خوفاً من فقدان الهيمنة والامتياز الطائفي المتخفي خلف شعارات الوطنية والقومية والعلمانية . 

ليس كل من يُعارض الخطاب الطائفي بريئاً ؛ فالكثيرون يُحاربونه لفظاً بينما يمارسونه فعلاً... ؛  فهم يُصرخون في وجه من يتحدّث عن التمييز كي يُلهوا عن جراحات المجتمع النازفة، أو ليُحوّلوا الأنظار عن سياساتهم المُتجذرة في التفرقة والتمييز الطائفي والعنصري والمناطقي... ؛  وهنا تكمن المفارقة الدامغة: أن يصبح الإنكارُ ذاته أداةً لتكريس الاستبداد الطائفي والتمييز العنصري ، وأن يُستَخدم خطابُ الوحدة غطاءً لتفكيكها...! 

نعم اقولها واكررها وللمرة الالف : إن هؤلاء الذين يصرخون بوجه كل من يتكلم عن أضرار الطائفية ومساوئ العنصرية ويكشف مصاديقها الخارجية ويسلط الأضواء على التحركات والإجراءات والسلوكيات الطائفية والعنصرية هنا وهناك، إما أنهم أغبياء حمقى سطحيون أو خونة عملاء طائفيون يتسترون على الجرائم والسلوكيات الطائفية والعنصرية...  ؛ وإن من أبشع صور الطائفية والعنصرية والمناطقية أن يتم محاربة الأصوات الوطنية التي تدعو إلى محاربة الطائفية وإنصاف الجميع والتعامل بالمساواة مع كافة أبناء الشعب.

إن أغلب الذين يصرخون بوجهك باسم محاربة الطائفية هم طائفيون حد النخاع... ؛ والغاية من وراء دعواتهم هذه أن يتم استمرار غبن وتهميش وإقصاء المكون الفلاني واستمرار الإغداق على المكون الآخر بالامتيازات والحقوق والثروات، بينما يحرم الآخرون منها... ؛  لذلك هم لا يفضلون الكلام بالطائفية لا لأنهم يكرهون الطائفية أو لأنهم ليسوا طائفيين، بل للتستر على النفس الطائفي والإجراءات والسلوكيات الطائفية التي تصب في صالحهم على حساب المكونات المظلومة والمغبونة الأخرى.

إن الدعوة إلى مجتمعٍ عادلٍ لا تتحقق بإنكار الأمراض والعقد الاجتماعية ، بل بمواجهتها بشجاعة وصدق ... ؛ فكما أن العلاج يبدأ بالاعتراف بالمرض ، فإن إصلاح المجتمع يبدأ بتشخيص علله دون مواربة... ؛  أما الهروب إلى الأمام بالادعاء أن الكلام عن الطائفية "يُثير الفرقة"، فهو هروبُ الجبناء الذين يخشون أن يُكشف زيفُ بطولاتهم الوهمية... ؛ فالحقيقة المُرة خيرٌ ألف مرةٍ من الوهم المريح، لأنها البوابة الوحيدة للخلاص.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=202744
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 05 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 05 / 7