إلى شيعي...
الذي يدير الوجه كلما قرأ عني وعن ابني، ما عليك إلا أن تعرفني وتعرف سطوتي، وحماقة ابني لتدرك معاناة الحسين عليه السلام التي تبحث عنها
المرسل / معاوية بن أبي سفيان
لا أعرف كيف كتبت المقدمة، لكني لأول مرة أعرف أن حكم معاوية طال تسع عشرة سنة وثمانية أشهر.
أنا وعدت الحديث عن الحسين عليه السلام وذهبت إلى منطلقات بني أمية لأوضح أبجدية النهضة الحسينية، من هنا تحول الأنين إلى حرقة، والحرقة إلى صرخة واستعرت الجذوة في الخافقين.
تروي المصادر الكثيرة أن مسيرة الخلافة الإسلامية انحرفت عن مسارها الصحيح، وبدأت بسن قوانين وسياسة جديدة قائمة على القهر والكبت والفساد، ومحاربة فكر أهل البيت عليهم السلام، ومنهجهم الفقهي والعقائدي.
يأخذني الذهول كلما أجد مدونا مسلما يترضى على معاوية، ويكيل له المدائح ويمنحه أوسمة الرضا ويمنحه مناصب مرفوعة الراس.
هو معاوية، الحاكم الظالم الذي عاش الحسين في ظل حكومته 20 سنة، نصفها في ظل إمامة أخيه الإمام الحسن عليه السلام معارضا لمواقف معاوية، وواصل الحسين عليه السلام مواقفه بالمعارضة لسياسة معاوية حتى نهاية حكمه، لتبدأ مرحلة جديدة بمجيء يزيد بن معاوية.
أجد أن تجاهل هذا التاريخ أقسى من ذكره، أرادوا أن نتجاهل هذه التواريخ ولا نقف عندها، ألا نتأمل في حيثياتها، يريدون منا أن نبكي بكاء لا يعرفون معناه، ولكل بكاء هوية، والدمع تواقيع نصرة، وعلم من علوم الجراح الندية أبد الدهر..
مارس معاوية التنكيل والتعذيب ضد كل من يخالفه الرأي أو يختلف معه، أو يحب أهل البيت عليهم السلام، أو يتشيع لهم، أردتم منى أن أحدثكم عن الحسين عليه السلام، عن النهضة الحسينية، عن الآلام والجراح التي مازالت تنزف إلى اليوم فدعوني أرويها لكم بطريقتي، برؤاي، لكوني حين أدخل عوالم المدونات أعرف خباياها.
أنا لست معلم تاريخ لكني ابن الجراح..
كانت الكوفة بلد الشيعة لكثرة ما فيها من شيعة أهل البيت عليهم السلام، لذلك استعمل معاوية عليها زياد بن أبيه وضم إليه البصرة، فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف (لننتبه هنا على قضية مهمة) أغلب الكتاب والمؤلفين يقولون أن سبب استعمال زياد بن أبيه على الكوفة لأنه كان منهم.
ماذا تعني كلمة منهم، وهل كل من قاتل تحت عنوان الخلافة صار شيعيا؟
كان يقاتل تحت لواء الخلافة، عايش الشيعة وعرف شجاعتهم وتميزهم بالقتال، لأنهم يقاتلون تحت لواء الإمام معصوم، وليس خليفة من خلفاء السقيفة لذلك نجد زياد بن أبيه يسعى إلى ترهيب الشيعة والترهيب في بعض حالاته أقسى من الموت.
قطع الأيدي والارجل، يسمل العيون ويصلبهم على جذوع النخل، ويطردهم ويشردهم من العراق، فلم يبق بها معروف منهم.
كان يطارد شيعة علي عليه السلام كي لا ينصروا الحسن والحسين عليهما السلام، أفقدهم الأمان وحرم على الشيعة حتى الشهادة، ربما أقرأها لأول مرة، لذلك رحت أتابع المصدر كتاب النصائح الكافية، سيد محمد بن عقيل العلوي ص97 (وكتب إلى عماله انظروا من قامت عليه البينة إنه يحب عليا وأهل بيته فأمحوه من الديوان واسقطوا رزقه وعطاءه).
هناك أيضا من يعبث بالتواريخ ليرى ما يريد هو أن يراه، جاء في كتاب مناقب أهل البيت عليهم السلام حيدر الشيرواني ص28 (من اتهموه بموالاة هؤلاء القوم نكلوا به واهدموا داره)
أحمق هو من يريد أن يعبث بالتواريخ، الجراح ناضجة وتصلح للشهادة في كل حين، أحدثكم عن أشياء حقيقية، موجودة في جميع مصادرنا ومصادرهم، لكن التعتيم الذي اتخذوه على قضية الحسين عليه السلام، جعلهم يغمضوا عين التاريخ كي لا يبصر العيب أحد.
حين تفرغ زياد للكوفة ترك في البصرة رجلا تتمثل فيه الغباوة والحمق والجريمة والقسوة لحد العجب، ترك على البصرة سمرة بن جندب حكم البصرة ستة أشهر، فقتل ثمانية آلاف من شيعة أمير المؤمنين وأتباعه.
زياد بن أبيه يسأل سمرة بن جندب بعد مقتل ثمانية ألف إنسان ألا تخاف يا سمرة أن تكون قتلت بريئا؟
رد عليه سمرة:
ـ لو قتلت إليهم مثلهم ما خشيت.
سندرك مسألتين للنقاش الأولى: إن المجتمع يتبع النظام القبلي ولرؤساء القبائل السطوة على الشعوب.
والثاني: إن أنظمة حكومة آل أمية عاملت رؤساء القبائل بعطايا وصلات معاوية، فلا يهم كيف تكون حياة الناس عندهم.
جاء في كتاب سير أعلام النبلاء 3/31 إن المغيرة بن شعبة كان ينال من علي بن أبي طالب عليه السلام، وأقام خطباء ينالون منه، وهو أحد أعداء الإمام علي عليه السلام، وشارك في واقعة الهجوم على بيت الزهراء عليها السلام، وقد عين من قبل عمر بن الخطاب حاكما على البحرين والبصرة والكوفة، وفي حكم معاوية كان واليا على الكوفة.
قال الإمام الحسين عليه السلام مخاطبا المغيرة:
ـ (وأنت الذي ضربت فاطمة بنت محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أدميتها والقت ما في بطنها)، فأي تاريخ يستطيع أن يزكي هذا الرجل الذي هو أقذر شخصية عرفها التأريخ.
قلت لكم سأروي ما في خاطري
هذا المجرم هو والي الكوفة في زمن معاوية، ومعاوية استعمل عبد الله بن عامر على البصرة، لماذا اختار هذا الرجل على البصرة، وما هي مؤهلاته ليكون واليا للبصرة؟
هو أحد معارضي الإمام علي عليه السلام، وحارب الإمام في معركة الجمل وكان في معسكر معاوية في صفين، وهو ابن خال عثمان بن عفان، عينه حاكما على البصرة، وكان أحد قادة معاوية في حربه ضد الإمام الحسن عليه السلام وكان يسمى ابن دجاجة.
عزلوا أبو موسى الأشعري عن حكم البصرة وعينوه حاكما عليها، بعد أن عين معاوية المغيرة بن شعبة على الكوفة واستعمل عبد الله بن عامر على البصرة، ذهب معاوية إلى الشام مستقرا في دمشق يدير دولته من هناك.
التاريخ يقول أن أهل العراق حزنوا كثيرا على فقد أمير المؤمنين عليه السلام، ما ينفع العتب ليتعاتبوا، لذاك أرسلوا الوفود إلى الإمام الحسن عليه السلام.
أفواج من المسلمين تطالبه بفسخ الهدنة، وإعلان الجهاد ضد معاوية، وحزبه الأموي.
لكن الإمام الحسن عليه السلام، لم ير أن الوقت مناسبا فركز على تربية الكوادر، وتهيئة الجو للثورة على حكم بني أمية، وهو ما استثمره الحسين عليه السلام عندما أعلن ثورته على يزيد بن معاوية لعنة الله عليه.
|