• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : حقيقة الامامة تتجلى في الامام الجواد عليه السلام .
                          • الكاتب : محاسن غني النداف .

حقيقة الامامة تتجلى في الامام الجواد عليه السلام

 قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ ..... (30، سورة مريم)

ان  المعجزة بوصفها امرا مخالفا للمعتاد، قد تُحدث في النفس صدمة تلهب الكيان بالتفكر والتأمل بحثا عن دليل في ليالي الفتنة الحالكة، ولا دليل خير من توسيع افق الفهم والمعرفة وزيادة عمق الوعي حتى نستوعب الحقيقة من دون مغالطة.  
ورغم ان المعجزات من مختصات النبوة إلا اننا لاشك نتفق على ان العرف يصف  بعض الحالات التي تشذ عن القاعدة المعروفة على صعيد الطبيعة الكونية او التكوينية بالمعجزة لان النظام المعتاد قد انخرم!
وشاهد كلامنا قوله سبحانه:
"وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا" (مريم: 12)،
فالظاهر هو اختصاص سبب نزول  الآية الكريمة بنبي الله يحيى (عليه السلام)، لكنها تفتح بابا واسعا لفهم مغزى التمكين الإلهي للمصطفين حتى وان كانوا بسن الصغر، لحمل رسالة الخالق العظيم الى عباده، خصوصا مع ما يكتنف هذه المهمة من صعوبات ومشاق لا يعلم مقدارها الا الله سبحانه. كما حصل مع امامنا التاسع جواد الائمة عليه السلام.
وهو وإن لم يكن نبيا، إلا انه إمام معصوم من ذرية الانبياء، فلا إشكال في اعتباره مصداقا لهذا النمط الاعجازي في الاصطفاء، وفق المباني العقائدية لمدرسة اهل البيت (عليهم السلام).
إلا ان حدوثه اورد اشكالا في حيزه التأريخي، اكدته  بعض الاثار التدوينية،  ومنها  أنه بعد استشهاد الامام الرضا ( عليه السلام)، لم يجد الاصحاب خلفا له سوى طفل بعمر سبع وقيل تسع سنين، مما جعل شخصية عظيمة مثل يونس بن عبد الرحمن يشكك في امامته، حسب ظاهر الرواية، التي يقول فيها عقب استشهاد الامام الرضا (عليه السلام) وأمام جمع من أعيان الشيعة ببغداد: دعوا  البكاء!! مَن لهذا الأمر والى من نقصد بالمسائل إلى أن يكبر هذا الغلام؟ يعني أبا جعفر (عليه السلام) ١
وفي هذ التساؤل ، اي قضية شك يونس في إمامة الجواد عليه السلام، ثلاث حقائق مهمة،  الاولى تتعلق بشخص يونس بن عبد الرحمن، والثانية تتعلق بشيعة اهل البيت في ذلك الزمان وفي اي زمان، والثالثة تتعلق بحقيقة الامامة.
 وهذه الحقائق لابد من ان تكون حاضرة في الذهن بإنصاف المحقق البريء عن امراض النفس وتعصبات الشيطان، حتى يقف على حقيقة المراد ويستظهر خفايا البطون!
اما ما يتعلق بيونس بن عبد الرحمن وهو مولى علي بن يقطين، و من رواة الحديث التقاة، إذ عاصر اربعة ائمة معصومين، وهم الامام الصادق والكاظم والرضا و الجواد، ويكفينا في حقه قول الامام الرضا عليه السلام:
 (يونس في زمانه كسلمان في زمانه)٢ ، اي ان مكانته وعلمه وعقيدته راسخة و متقدمة على معاصريه من شيعة اهل البيت (عليهم السلام)، كما كان سلمان رضوان الله تعالى عليه 
ومن البدهي ان المعصوم لا يمتدح من يعرف بنكوصه بعد زمن، خاصة وان الثناء عليه كان متكررا في اقوال الائمة المعصومين عليهم السلام وصولا للإمام الجواد نفسه، اذ روى أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري، عن أبي جعفر محمد بن الرضا عليه السلام، فقال: سألته عن يونس، قال: مولى آل يقطين؟ قلت: نعم، فقال لي: (رحمه الله كان عبدا صالحا) ٣
اذا لا مناص من امضاء صلاح الرجل وحسن نواياه.
الحقيقة الثانية تتعلق بأحوال شيعة اهل البيت والتقلبات السياسية والاجتماعية التي كانوا يمرون بها بسبب ضغوطات سلطات الجور والظلم ومحاولاتهم طمس الهوية الاسلامية الاصيلة التي دأب الائمة عليهم السلام على حفظها عبر ثلة من الاصحاب  التابعين المخلصين.
وان قضية انتقال الامامة تمر عادة باختبار عصيب، اذ ان الامام السابق لا يُطلع الا الخواص على هوية الامام اللاحق، حفاظا على حياته، هذا من جهة، ومن جهة ثانية هو مسألة صغر سن الامام ،وكان امرا غير معهود في من سبقه من الائمة عليهم السلام،
فكان لابد من عملية غربلة يمحص فيها المؤمنون، و لربما ان يونس كان هو غربال  الاختبار من اجل كشف مستور الضمائر ، بغية  علاج السقيم ودرء فتنة المنافقين،  ليستتب الامر للإمام الحق.
اما الحقيقة الثالثة وهي ان الامامة ليست مقصورة على عمر معين، لماذا؟
لان الامام وببساطة يعتبر نموذجا فريدا للفطرة الحية اليقظة والتي لم يُتغافل عنها بفعل العوامل الدنيوية، كا لذي يحصل مع سائر البشر الذين يحتاجون دوما  الى من يذكرهم ويوقظ فطرتهم التوحيدية؛ قال تعالى [وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ] (172،الاعراف)
اذا هذا الوعي الفطري الحاضر  كفيل بان يجعل الامام وفي اي سن مؤهلا لحمل رسالة الهداية وتبليغ احكام الشريعة الاسلامية، وإن وعاء فهمه التكويني، فطرةً وعقلاً، الخالي من اي شائبة او شاغل سوى معرفة الله سبحانه وتوحيده والاخلاص في عبوديته،  يصيَّره قابلا لعلوم الاولين ومستوعَبا لعلوم الاخرين، فهو من اهل بيت قد زُقوا العلم زقا، اي انهم يتناولون العلم كما يتناولون الطعام منذ ولادتهم  ولا يمنع عن ذلك حداثة السن مطلقا.
وقد قيل للإمام الجواد ان الناس ينكرون عليك حداثة سنك،،،
قال وما ينكرون من ذلك، وقد قال الله تعالى لنبيه: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة، أنا ومن اتبعني) فو الله ما اتبعه حينئذ إلا علي، وله تسع سنين، وأنا ابن تسع سنين" ٤
لقد واجه إمامنا الجواد تحديات كبرى، وشبهات حول صغر سنّه، لكنه أبهر العلماء، وواجه المنكرين، وردّ على المسائل المعقّدة بكل حكمة، فكان مصداقًا عمليًا للآية الكريمة: (واتيناه الحكم صبيا)
وقد جاء في روايةِ عن الإمامِ أبي الحسنِ الأوّلِ موسى بنِ جعفرٍ الكاظم عليهِ السلام كيفَ تكونُ الاستزادةُ حيثُ يقول: مبلغُ علمِنا على ثلاثةِ وجوه: ماضٍ وغابرٌ وحادثٌ فأمّا الماضي فمُفسّر، وأمّا الغابرُ فمزبورٌ وأمّا الحادثُ فقذفٌ في القلوب، ونقرٌ في الأسماعِ وهوَ أفضلُ علمِنا ولا نبيَّ بعدَ نبيّنا صلّى اللهُ عليهِ وآله.)٦ 
ولربما هذا هو المعنى الذي قصده الريان بن الصلت في تتمة الرواية آنفة الذكر، وذلك في معرض رده على تساؤل يونس بن  عبد الرحمن حيث قال وهو في  غاية الغضب وقد  وضع يده في حلقه ولم يزل يلطمه ويقول له: أنت تظهر الإيمان لنا وتبطن الشك والشرك. إن كان أمره من الله جل وعلا فلو أنه كان ابن يوم واحد لكان بمنزلة الشيخ العالم وفوقه، وإن لم يكن من عند الله فلو عمر ألف سنة فهو واحد من الناس)٥ وهذا مما يستدعي التفكر؛  فالإمامة، كالنبوّة، ليست منصبًا بشريًا، بل مقاما إلهيا يُعطى لمن استحقه، حتى وان كان صبيا! 
فخلاصة القول هو حتمية تسلح المؤمن بالوعي الكافي لظروف المرحلة وحقيقة الحوادث الحاصلة، بروح عقائدية راسخة في البرهان والدليل ليتمكن من استجلاء الموقف والامن من منزلقات الجهل المُهلكة.
فلولا وجود ثلة مؤمنة واعية لغاب عنا الكثير من علم الامام الجواد  ولعجزنا عن ادراك المصلحة في تكليفه في سن الصبا.

و من وصايا الإمام الجواد (عليه السلام): لا تعادي أحداً حتى تعرف الذي بينه وبين الله تعالى، فإن كان محسناً فإنه لا يسلمه إليك، وإن كان مسيئاً فإن علمك به يكفيه فلا تعاده.٧

١*كتاب عيون المعجزات للشيخ حسين بن عبد الوهاب 
٢*رجال الكشّي ۲ /۷۸۲ ح۹۲
٣معجم رجال الحديث للسيد الهوئي ج٢١، ص٢١٦
٤*الكافي للكليني ص٩٣ 
٥*موسوعة المصطفى والعترة الحاج حسين الشاكري ج١٣ ص٢٧١ 
 ٦*الكافي، الشيخُ الكُليني، ج‏1، ص‏٢٦٤
٧*بحار الانوار العلامة المجلسي، ج75،ص365.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=202680
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 05 / 05
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 05 / 6