عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله عز من قائل "كَذَٰلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـٰنِ ۚ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ" ﴿الرعد 30﴾ لما ذكر سبحانه النعمة على من تقدم ذكره بالثواب وحسن الم آب عقبه بذكر النعمة على من أرسل إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فقال "كذلك أرسلناك" أي كما أنعمنا على المذكورين بالثواب في الجنة أنعمنا على المرسل إليهم بإرسالك وقيل إن معنى التشبيه أنا كما أرسلنا الأنبياء في الأمم قبلك أرسلناك "في أمة قد خلت من قبلها أمم" أي في جماعة قد مضت من قبلها قرون وجماعات "لتتلوا عليهم الذي أوحينا إليك" بين الغرض في إرساله وهو أن يقرأ عليهم القرآن ليتدبروا آياته ويتعظوا بها "وهم يكفرون بالرحمن" أي وقريش يكفرون بالرحمن أي ويقولون قد عرفنا الله ولا ندري ما الرحمن كما أخبر عنهم بأنهم قالوا وما الرحمن أ نسجد لما تأمرنا عن الحسن وقتادة وقيل معناه أنهم يجحدون بالوحدانية "قل" يا محمد "هو ربي" أي الرحمن الذي أنكرتموه ربي أي خالقي ومدبري "لا إله إلا هو عليه توكلت" أي إليه فوضت أمري متمسكا بطاعته راضيا بحكمه "وإليه متاب" أي مرجعي وقيل معناه إلى الرحمن توبتي.
جاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله عز من قائل "كَذَٰلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـٰنِ " قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ" (الرعد 30) "كذلك" كما أرسلنا الأنبياء قبلك "أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتَتْلوَ" تقرأ "عليهم الذي أوحينا إليك" أي القرآن "وهم يكفرون بالرحمن" حيث قالوا لما أمروا بالسجود له وما الرحمن؟ "قل" لهم يا محمد "هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب".
وعن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله عز من قائل "كَذَٰلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـٰنِ ۚ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ" ﴿الرعد 30﴾ متاب مصدر ميمي للتوبة وهي الرجوع، والإشارة بقوله:"كذلك" إلى ما ذكره تعالى من سنته الجارية من دعوة الأمم إلى دين التوحيد ثم إضلال من يشاء وهداية من يشاء على وفق نظام الرجوع إلى الله والإيمان به وسكون القلب بذكره وعدم الرجوع إليه. والمعنى: وأرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم إرسالا يماثل هذه السنة الجارية ويجري في أمره على وفق هذا النظام لتتلوعليهم الذي أوحينا إليك وتبلغهم ما يتضمنه هذا الكتاب وهم يكفرون، بالرحمن وإنما قيل بالرحمن، دون أن يقال:"بنا" على ما يقتضيه ظاهر السياق إيماء إلى أنهم في ردهم هذا الوحي الذي يتلوه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليهم وهو القرآن وعدم اعتنائهم بأمره حيث يقولون مع نزوله: "لولا أنزل عليه آية من ربه" يكفرون برحمة إلهية عامة تضمن لهم سعادة دنياهم وأخراهم لو أخذوه وعملوا به. ثم أمر تعالى: أن يصرح لهم القول في التوحيد فقال: "قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ" أي هو وحده ربي من غير شريك كما تقولون ولربوبية لي وحده أتخذه القائم على جميع أموري وبها، وأرجع إليه في حوائجي وبذلك يظهر أن قوله: "عليه توكلت وإليه متاب" من آثار الربوبية المتفرعة عليها فإن الرب هو المالك المدبر فمحصل المعنى هو وكيلي وإليه أرجع. وقيل: إن المراد بالمتاب هو التوبة من الذنوب لما في المعنى الأول من لزوم كون "إليه متاب" تأكيدا لقوله: "عليه توكلت" وهو خلاف ظاهر. وفيه منع رجوعه إلى التأكيد ثم منع كونه خلاف الظاهر وهو ظاهر. وذكر بعضهم: أن المعنى إليه متابي ومتابكم. وفيه أنه مستلزم لحذف وتقدير لا دليل عليه ومجرد كون مرجعهم إليه في الواقع لا يوجب التقدير من غير أن يكون في الكلام ما يوجب ذلك.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله عز من قائل "كَذَٰلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـٰنِ ۚ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ" ﴿الرعد 30﴾ تبحث هذه الآيات مرّةً ثانية مسألة النبوّة، والآيات أعلاه تكشف عن قسم آخر من جدال المشركين في النبوّة وجواب القرآن عليهم فيقول الآية: كما أنّنا أرسلنا رسلا إلى الأقوام السالفة لهدايتهم: "كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ" والهدف من ذلك "لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ". في الوقت الذي "وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ" يكفرون بالله الذي عمّت رحمته كلّ مكان، وشمل فيضه المؤمن والكافر. ثمّ قل لهم: إنّ الرحمن الذي عمّ فضله هو ربّي "قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ". ثمّ يجيب أُولئك الذين يتشبثّون دائماً بالحجج الواهية فيقول: لو أنّ الجبال تحرّكت من مكانها بواسطة القرآن: "وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى". فمع ذلك لا يؤمنون به. ولكنّ كلّ هذه الأفعال بيد الله ويفعل ما يريد متى يشاء "بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا". ولكنّكم لا تطلبون الحقّ، وإذا كنتم تطلبونه فهذا المقدار من المعجزة التي صدرت من الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم كاف لإيمانكم.
|