• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : التشويه الديموغرافي وصراع الهوية: جرائم الاحتلال العثماني واستمرارية الاستبداد في العراق .
                          • الكاتب : رياض سعد .

التشويه الديموغرافي وصراع الهوية: جرائم الاحتلال العثماني واستمرارية الاستبداد في العراق

تحليل نقدي: 

مثَّل الاحتلال العثماني لبلاد الرافدين مرحلةً مفصليةً في تشكيل هوية العراق الحديثة، لكنه حمل في طياته مشروعاً استعمارياً مُمنهجاً لتفكيك النسيج الاجتماعي العراقي وإعادة هندسته وفقاً لمصالح الإمبراطورية العثمانية... ؛  فمنذ اللحظة الأولى، سعى العثمانيون إلى ترسيخ هيمنتهم عبر سياساتٍ  وتغييرات ديموغرافية وطائفية خبيثة، هدفت إلى إضعاف الأغلبية العراقية الأصيلة المتمثلة بالعشائر العربية والقبائل العراقية المترابطة، والتي شكلت تاريخياً حاجزاً أمام المشاريع الخارجية... ؛ إلا أن الخطر الأعمق تمثَّل في تحالف بعض المكونات المحلية مع المحتل تحت مبررات مذهبية أو مصلحية، مما عمَّق الانقسام وأفرز واقعاً هجيناً يخدم الأجندة العثمانية.

السياسات العثمانية : تفكيك الهوية عبر التغيير الديموغرافي 

اتبعت السلطات العثمانية إستراتيجيةً مزدوجةً لضمان السيطرة: 

1. التطهير العرقي والمذهبي : 

   - تنازلت عن الأهواز (التي كانت جزءاً من العراق) لإيران لتفكيك التوازن المذهبي، واقتطعت أراضي شمال العراق لصالح تركيا، ثم استبدلت سكانها المسيحيين الأصليين بموجاتٍ من الأكراد القادمين من خارج الحدود. 

   - تحالفت مع الحركات الوهابية لقمع الشيعة وتدنيس مقدساتهم، بينما شجعت هجرة جماعاتٍ من المماليك والعثمانيين والأعراب (البدو) لتوطينهم في مناطق الشيعة، رغم اختلافهم عرقياً ومذهبياً عن السكان الأصليين. 

 

2. خلق هوية هجينة: 

   - حوَّلت السياسة العثمانية "الدخيل" إلى "أصيل" عبر تجنيس الوافدين وتمكينهم إدارياً و وظيفيا واقتصاديا وعسكريا ، بينما جرى تهميش الأغلبية الشيعية العربية وتصويرها كتهديدٍ للدولة. 

   - استخدمت القمع الممنهج ضد انتفاضات الشيعة، بينما وظَّفت الخطاب الديني الإيراني (كمرجعيةٍ لبعض القيادات الشيعية) لدفعهم إلى الصدام مع القوى الدولية كبريطانيا دفاعا عن تركيا الطائفية الحاقدة فيما بعد ، مما أودى بحياة الآلاف منهم بينما حافظ الأتراك والإيرانيون على مصالحهم...  !!

استمرارية التشويه: من العثمانيين إلى الأنظمة اللاحقة 

لم تتوقف سياسات التغيير الديموغرافي بعد رحيل العثمانيين، بل تبنتها الأنظمة المتعاقبة كالاحتلال البريطاني ، وخصوصاً حكومات "الفئة الهجينة" التي هيمن عليها منتحلو الهوية العراقية: 

- تحالف الأنظمة مع الخارج: 

  عملت حكومات ما بعد العثمانيين (بما فيها النظام الصدامي) على تصفية الوجود الشيعي عبر التهجير الجماعي والمقابر الجماعية، بينما منحت الجنسية العراقية لـ"شذاذ الآفاق" من مواطني الدول العربية وغيرها ، كتعويضٍ ديموغرافي عن تقلص أعداد السنة ومواجهة اعداد الاغلبية الكبيرة ! 

- استهداف الرموز الوطنية: 

  جسَّد إسقاط الجنسية عن الجواهري (شاعر العراق العظيم) مقابل منحها لآخرين تبعاً للانتماء الطائفي ذروةَ الازدواجية في تعامل الدولة مع الهوية. 

الواقع المرير: أغلبية مُهمَّشة ورصيدٌ ديموغرافي مُهدَّد  :

رغم كل المخططات، بقيت الأغلبية الشيعية تشكل العمود الفقري للحراك الاجتماعي والاقتصادي في العراق، وهو ما تجلى في تعطيل الحياة تماماً عند مقاطعتهم للحياة العامة في المدن والقرى خلال المناسبات الدينية... ؛  لكن الخطر الأكبر يكمن في استمرار الهجمة المنكوسة عبر: 

- التطبيع مع التدخل الخارجي: 

  مطالبة بعض الأطراف (المرتبطة تاريخياً بالمشروع العثماني) بالتدخل التركي في الشؤون العراقية، بل وتمجيد قتلى الجيش التركي كـ"شهداء"! 

- غزو الهويات الوافدة: 

  دخول أكثر من 83 جنسية أجنبية إلى العراق بدعوة من "المجنسين" من ابناء الفئة الهجينة والطائفة السنية ايام الاحداث الطائفية والعمليات الارهابية ، مما يهدد بتحويل العراق إلى فسيفساء من الهويات المُستوردة... ؛ لاسيما بعد مطالبة البعض بتجنيس الاف اللقطاء من مجهولي الاصل بحجة ان امهاتهم عراقيات من اللاتي ذهبن للإرهابيين بمحض اراداتهن بذريعة جهاد النكاح او نصرة الاسلام ( الارهاب ) .   

الحلول الجذرية: استعادة الهوية واسترداد الأرض 

لا خلاص للعراق إلا بـ: 

1. إعادة هندسة المشهد الديموغرافي: 

   - إسقاط الجنسية عن كل من حصل عليها بشكلٍ غير شرعي منذ بداية القرن العشرين، مع تعويضهم مادياً. 

   - استعادة الأراضي العراقية المغتصبة .

2. تعزيز الوعي بالهوية الجمعية: 

   - تثقيف الأجيال الجديدة على تاريخ التشويه العثماني ومخاطر التبعية للخارج. 

3. مواجهة التطبيع مع المشاريع الاستعمارية التركية : 

   - محاكمة كل من يروج للتدخل الأجنبي أو يمجد قوى الاحتلال التاريخية. 

خلاصة: العراق ليس أرضاً فضاءً تُوزَّع على الوافدين، بل هو هويةٌ متجذرةٌ في أعماق التاريخ، ولن يُستعاد إلا بقطع الحبل السري مع إرث التشويه العثماني ومَنْ خلفه من الانظمة الهجينة والحكومات العميلة .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=202596
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 05 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 05 / 4