اما كلامنا في المستوى الثاني والمتعلّق باستنطاق مصادر التشريع حول صلاحية الدين للحياة وقدرته على تدبير وتنظيم أمور البشرية في هذه النشأة في أفضل وأروع صورها فسيكون ضمن نقاط :
الأولى : صرحت الكثير من آيات القرآن المجيد بهذه الحقيقة حتى باتت ضرورة قرآنية من يجحدها فكأنما جحد ببعض الكتاب وآمن ببعض . !! وإليك نماذج من تلك النصوص /
■ قال تعالى [ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ] النساء 59،58
فالآية الأولى خاطبت الحاكم والراعي ، والثانية خاطبت الرعية .. فتأمل
■ قال تعالى [ وَٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ] الشورى ٣٨
يتحدث هذا النص القرآني عن شكل وآلية من آليات إدارة المجتمع والدولة ..
■ قال تعالى [ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ] التوبة 60
ترسم هذه الاية بعض جوانب الانفاق العام الذي يقع على عاتق الدولة ..
■ قال تعالى [ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ] المائدة: 38
آية صريحة بمكافحة الجريمة وتطبيق لوائح العقاب ، وهو عمل دولة ..
■ قال تعالى [ ٱنفِرُواْ خِفَافٗا وَثِقَالٗا وَجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ] التوبة ٤١
آيات الجهاد ، صريحة بالدفاع العام ، وهو عمل دولة ..
■ قال تعالى [ وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡقُرَىٰٓ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوۡاْ لَفَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَرَكَٰتٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذۡنَٰهُم بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ ] الأعراف ٩٦
وكأن هذه الآية المباركة تعطينا نتيجة الايمان والالتزام بكل تلك التوجيهات القرآنية ولوازم العيش الكريم في هذه الحياة .
الثانية : السنة الشريفة
ولا بد من التذكير أنه لازال كلامنا يدور حول محورية الإيمان في حياة الإنسان وعدم اقتصار أهميته في الجانب الفردي أو الروحي أو الآخروي فقط ، وأوضحنا بأن قيام الدولة الإيمانية وإدارة شؤون المجتمع تحت مظلة الإيمان هو أعلى وأهم تجلي للإيمان في هذه الحياة وأكبر مختبر لإثبات صلاحيته وتفوقه على باقي المناهج والايدولوجيات الحياتية المطروحة ..
والسنّة الشريفة هي المصدر الثاني للتشريع ، قولاً وفعلاً وتقريرا ، والسنّة في مذهب أهل البيت تشمل النبي الأعظم وخلفاءه الائمة المعصومين عليهم السلام ..
ولقد مارس رسول الله صلى الله عليه وآله إدارة شؤون المجتمع الاسلامي بنفسه وأسس أركان الدولة في الإسلام وأصّل أهم مقوماتها ، وكذا أمير المؤمنين ومن بعده ولده الإمام الحسن عليه السلام ، ولو تيسر الأمر للائمة من بعدهم لقاموا بهذا الدور الإيماني الكبير والفرض الإسلامي العظيم .. وها نحن ننتظر دولة العدل الإلهي ، هذه الدولة التي سيملأ الله بها الأرض قسطا وعدلا ، دولة فيها الحاكم والمواطن في أعلى درجات الإيمان ..
وحسبنا بهذه السيرة دليلاً ولا بأس ببعض النصوص المؤيدة لذلك والتي تعطي للقارىء نتيجة مفادها أن العمل على تأسيس دولة صالحة ورشيدة هي من أدبيات ومرتكزات الدين بل من ضرورياته :
● قال النبي (صلى الله عليه واله) : ( والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف و لتنهن عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم ثم ليدعون خياركم فلا يستجاب لكم. والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم فلتأطرنه عليه أطرا أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض ) الميزان ج٦ ص٤٦
● وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنّه قال : ( إنّ الله عزّ وجلّ جعل الدين دولتين دولة آدم وهي دولة الله ودولة إبليس فإذا أراد الله أن يعبد علانية كانت دولة آدم وإذا أراد الله أن يعبد في السر كانت دولة إبليس والمذيع لما أراد الله ستره مارق من الدين ) شرح اصول الكافي للمازندراني ج١٥ ص١٨
● من كلمات أمير المؤمنين عليه السلام :
~ عنه (عليه السلام) : حسن السياسة قوام الرعية .
~ عنه (عليه السلام) : فضيلة الرياسة حسن السياسة .
~ عنه (عليه السلام) : من حسنت سياسته دامت رياسته .
~ عنه (عليه السلام) : من سما إلى الرياسة صبر على مضض السياسة .
~ عنه (عليه السلام) : من قصر عن السياسة صغر عن الرياسة .
~ عنه (عليه السلام) : من لم يحتمل مؤونة الناس فقد أهل قدرته لانتقالها .
يتبع ..
|