• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : بين شَفرتَيْ المَصلحةِ والشيطانِ: السِّيَاسَةُ حِينَ تَرْقُصُ عَلَى حَبْلِ الضَّرُورَةِ .
                          • الكاتب : رياض سعد .

بين شَفرتَيْ المَصلحةِ والشيطانِ: السِّيَاسَةُ حِينَ تَرْقُصُ عَلَى حَبْلِ الضَّرُورَةِ

يَحِقُّ لِلكُتَّابِ وَالإعْلَامِيِّينَ أَنْ يَتَبَنَّوْا مَوَاقِفَ أَخْلَاقِيَّةً وَإِنْسَانِيَّةً تُجَاهَ الأَحْدَاثِ وَالشَّخْصِيَّاتِ، بَلْ وَيَنْشُرُوا دَعَوَاتِ التَّقْوَى الفِكْرِيَّةِ و القيم والمثل المبدئية، وَيُطَالِبُوا بِمُقَاطَعَةِ مَنْ يَرَوْنَهُ خَارِجًا عَنِ الحَقِّ.

لَكِنَّ سَاحَةَ السِّيَاسَةِ لَيْسَتْ مِثْلَ سَاحَةِ الفِكْرِ والثقافة والاعلام ؛ فَلِكُلٍّ قَوَانِينُهُ... ؛  هُنَاكَ، حَيْثُ تَتَصَادَمُ المَصَالِحُ مَعَ المُثُلِ، تُولَدُ الضَّرُورَاتُ كَوَحْشٍ يَفْتَرِسُ كُلَّ مَا يَعْتَرِضُهُ... ؛  فَالسِّياسِيُّ يَرَى بِـ"العَيْنِ الثَّالِثَةِ" مَا تَعْجَزُ عَنْ إدْرَاكِهِ عُيُونُ المُثَقَّفِينَ؛ فَرُبَّمَا يَخْترِقُ ببَصِيرَتُهُ حُجُبَ المُسْتَحِيلِ لِيُنْقِذَ وَطَنًا مِنْ أَسْرِ الوَهْمِ. 

إِذَا اجْتَاحَتِ الأَزْمَاتُ البِلَادَ، وَأَصْبَحَتِ الشَّعَارَاتُ الشَّعْبَوِيَّةُ سُمًّا يُهَدِّدُ كِيَانَ الدَّوْلَةِ؛ يَجِبُ أَنْ تَحْكُمَ لُغَةُ "السياسة فَنِّ المُمْكِنِ" لَا لُغَةُ العَوَاطِفِ والشعارات ... ؛  فَالسِّياسَةُ لَيْسَتْ مَسرَحًا لِلْخُطَبِ البَلَاغِيَّةِ، وَلَكِنَّهَا مَيدَانٌ لِلتَّوَازُنَاتِ الدَّقِيقَةِ... ؛  لِهَذَا قَالُوا: "لِكُلِّ كَارٍ رِجَالُهُ، وَلِكُلِّ لِحْيَةٍ مِقْصُهَا"... ؛  فَمَنْ يَخْلِطُ بَيْنَ الحَقِيقَةِ المُرَّةِ وَالحُلْمِ العَذْبِ؛ يُفْقِدُ كِلَيهِمَا. 

وَلَوِ اضْطُرَّتِ الحُكُومَةُ لِاسْتِقْبَالِ إِبْلِيسَ نَفْسِهِ فِي بَغْدَادَ؛ لِدَفْعِ أَذًى أَكْبَرَ عَنِ الشَّعْبِ، فَلَا غُبارَ عَلَى ذَلِكَ!

فَالِانْحِنَاءُ لِلْعَاصِفَةِ لَيْسَ خُنُوعًا، بَلْ بَقَاءٌ... ؛  أَلَمْ يُقَلْ العقلاء ان : "الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ المَحْظُورَاتِ"؟

هَذَا مَا يَفْعَلُهُ العَاقِلُونَ حِينَ تَتَحَوَّلُ المَبَادِئُ والشعارات  إِلَى سِلَاحٍ يُدَمِّرُ مَنْ يَحْمِلُهُ. 

لِتَكُنْ سُورِيَا مِثَالًا : فَلَوِ اجْتَمَعَ المَسْؤُولُونَ العِرَاقِيُّونَ مَعَ رَئِيسِهَا الحالي ؛ لِحِمَايَةِ المَصَالِحِ العِرَاقِيَّةِ (كَأَمْنِ نَهْرِ الفُرَاتِ، أَوْ حِرَاسَةِ حُدُودٍ مُشْتَرَكَةٍ تَمْتَدُّ سِتَّمِائَةِ كِيلُومِترٍ، أَوْ إِعَادَةِ التَّبَادُلِ التِّجَارِيِّ)، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ تَزْكِيَةً لِسُلْطَةِ "الجَوْلَانِيّ" وَعُصَابَتِهِ الارهابية ، وَلَكِنَّهُ مُجَرَّدُ "مُهَلْهَلَةٍ زَمَنِيَّةٍ" حَتَّى تَنْهَارَ تِلْكَ الحُكُومَةُ وَتَخْلُفَهَا سُلْطَةٌ وَطَنِيَّةٌ تَرْفُضُ التَّطْرِف والارهاب والطائفية وتؤمن بالديمقراطية والعيش المشترك ... ؛  فَالِاجْتِمَاعُ مَعَ الظَّالِمِ لَيْسَ مُوَافَقَةً عَلَى ظُلْمِهِ، بَلْ إنْقَاذٌ لِضَحِيَّتِهِ إِلَى حِينٍ. 

لَا يُمْكِنُ لِلسِّيَاسَةِ أَنْ تَكُونَ بِيضَاءَ نَقِيَّةً كَالْوَعْظِ الدِّينِيِّ؛ فَقَدْ تَضْطَرُّ أَحْيَانًا لِـ"اتِّفَاقِياتِ الظِّلِّ" مَعَ مَنْ تَرْفُضُهُمْ قَلْبًا... ؛  وَهَذَا لَيْسَ نَقْصًا فِي الأَخْلَاقِ، بَلْ فَنٌّ مِنْ فُنُونِ البَقَاءِ... ؛  فَمَتَى مَا كَانَتِ الغَايَةُ حِمَايَةَ الوَطَنِ؛ يَجِبُ أَنْ تَخْفِقَ أَجْنِحَةُ الحِكْمَةِ فَوْقَ صَرِيرِ المَبَادِئِ والشعارات والعواطف الشعبوبة والهيجان الجماهيري . 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=202043
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 04 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 04 / 20