
يقول المحقق أحمد علي الحلي [حفظه الله]:
في تسعينيات القرن المنصرم زرت الشيخ أبي الحسن الأنواري (ت١٤٣٠هـ) وكنت أحمل معي كفني، ومن عادة الشيخ أنه إذا طرقت الباب عليه يفتحها ويقول لك من خلف الباب: أدخل تفضل، تفضل، بصوت منكسر يملؤه الخجل من التقصير، ويدخل هو داخل البيت مسرعاً، بينما أنت تدخل الحجرة التي على يمينك وتجلس، وبعد لحظات يأتيك وهو بكامل زيه الحوزوي، ويعتذر منك ويقول: يستحب التحسن للمؤمن، واعتذر عن تأخيري هذا فأنا كنت أرتدي ثيابي لاستقبالك.
وثم يجلس في طرف الباب بوضع التشهد ويطرق برأسه إلى الأرض وتأخذك هيبته ووقاره وتواضعه.
فقلت له: شيخي إذا مو زحمة عليكم أحب أنه تشهد لي على كفني ووضعت الكفن بين يديه، فما أن أخذه بين يديه بكى وانحدرت دموعه على الكفن وحوقل وأخذته الرعدة، ثم مسح دموعه بالكفن، وكتب بخطه المبارك وهو يبكي: اللهم إنا لانعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا وناولنيه.
ثم قلت شيخنا: عندي طلب ولو زحمة؟
فقال: تفضل، فقلت: أريد وكالة منك أكتب بها على الأكفان، فأطرق برأسه مليا وتحسر وصمت.
فقلت: شيخي لا أريد مزاحمتكم، ولا أحتاج الأمر، فظننت أنه انحرج مني.
فقال: لا، أنا أفكر في أنه كيف تتزاحم وتكتب عني هذه العبارة، أخاف اصير زحمة عليك.
فتعجبت من خلقه وقلت: شيخي ماكو زحمة هذه سعادتي.
ثم خرجت من الحجرة ولقيته قد صف نعالي ليكون أمام قدمي واعتذر مني، وخرجت منه وأنا أبكي لهذه الأخلاق المثالية.
هكذا يكون الموت بين أعينهم.
كتبتها وأنا في صحن المولى أمير المؤمنين عليه السلام عند قبر المرحوم السيد محسن الجلالي رحمه الله.
الرواية: عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه قال: إذا مات المؤمن فحضر جنازته أربعون رجلا من المؤمنين فقالوا: اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا، قال الله تبارك وتعالى: قد أجزت شهاداتكم وغفرت له ما علمت مما لا تعلمون.
|