في أرضٍ تصرخ من تحت التراب، يستمر الموت صامتًا على هيئة ألغام مهاجرة، بلا خرائط وبلا نهاية واضحة. رغم الاتفاقيات الدولية والجهود المضنية، لا تزال آلاف الكيلومترات في العراق محاصَرة بالخطر، فيما يتأجل الحسم حتى إشعار آخر اسمه: 2028.
تستمر المساحات الملوثة بالألغام في العراق، بخطف أرواح المارين بها أو قطع أوصالهم، على الرغم من العمل على تنظيف هذه المساحات منذ مدة طويلة إلا أن الملف ما زال بعيدا عن الحسم، بسبب قلة التخصيصات المالية وظهور مساحات ملوثة جديدة.
وفيما حددت وزارة البيئة عام 2028 للانتهاء من هذا الملف، كشفت دائرة شؤون الألغام في وزارة البيئة، اليوم الأحد، عدة عوامل تجعل عملية إزالة الألغام اكثر تعقيدا وصعوبة، مثل “هجرة الألغام” بسبب السيول وفقدان الخرائط وتحديات أخرى، مشيرة إلى بقاء حوالي الفي كيلومتر ملوثة حتى الان.
يذكر أن العراق قد أبرم ثلاث اتفاقيات بهدف التخلص من التلوث بالألغام، أولها اتفاقية أوتاوا للألغام المضادة للأفراد، والثانية اتفاقية القنابل العنقودية (CCM)، أما الثالثة هي اتفاقية خاصة بالعبوات الناسفة (CCW).
وقال مدير إعلام الدائرة مصطفى حميد بحسب الصحيفة الرسمية، إن “المساحة الملوثة بالألغام في عموم العراق تبلغ 6 آلاف كيلو متر مربع”، مشيراً إلى أن أكثر من ألفي كيلو متر بقليل هو المتبقي من المساحة الملوثة بالألغام، بجهود الدائرة والمنظمات الدولية والدول الصديقة التي استطاعت تطهير أغلب الأراضي من هذا التلوث”.
هجرة الألغام
ولفت إلى “وجود تحديات واجهت برنامج الإزالة على مستوى الإمدادات المالية وتعثرها، والحرب مع “داعش”، والسيول والانجرافات التي نجم عنها ما يعرف بـ”هجرة الألغام” وتحرك حقولها بفعل هذه الظواهر”،
مشيرا الى “طمر الذخائر الحربية بسبب الانجرافات والسيول وحركة الرمال، وما زاد الأمر تعقيدا هو فقدان الخرائط المتعلقة بحقول الألغام التي زرعت إبان الحرب على حدود محافظة البصرة، مما يمثل عقبة وتحديا كبيرين أمام أعمال الإزالة”.
وأكد مجيد، أن “نصف التلوث بالألغام موجود في محافظة البصرة، لاسيما الذخائر الحربية المطمورة في المحافظة، بعد أن كانت مسرحا للعمليات العسكرية إبان حرب الخليج الأولى عام 1980″،
مشيرا الى ان الدائرة أشرفت مؤخراً على تطهير وإزالة الألغام القريبة من المشروع الستراتيجي للبتروكيمياويات في قضاء الزبير بمحافظة البصرة، على مساحة 4500 دونم، والقريب من طريق التنمية”.
يشار الى أن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في العراق OCHA قد أشار في تقرير له نشره موقع “ريليف ويب الدولي” منتصف العام 2024 إلى “تطهير 26 مليون متر مربع في العراق من الألغام والمخلفات الحربية، مؤكدا أن تلك المساحة تمثل 20% من المساحة الكلية للأراضي الملوثة بالألغام في البلاد.
متغيرة وليست ثابتة
وكانت المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، هبة عدنان، أكدت أن “الأرقام التي تتحدث عن الألغام ومساحات التلوث بها تعتبر متغيرة وليست ثابتة وذلك بسبب اكتشاف أماكن جديدة بشكل مستمر تكون متعرضة للتلوث بالأسلحة”، عازية التقدم البطيء في هذا الملف إلى “الافتقار للدعم المالي الكبير وأيضا الآليات والفرق المختصة بشكل مستمر”.
ووفقا لتقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية في نيسان 2023، تعتبر المناطق الزراعية هي الأكثر تلوثا بين المساحات الملغومة في العراق وهو ما يهدد المزارعين ويمنع استخدامهم لها في مشاريع لكسب لقمة العيش.
كما يؤشر التقرير نسبة 20 في المئة من التلوث بالألغام قرب البنى التحتية ومشاريع الإعمار، كما أكد عدم وجود إحصائية دقيقة أو عدد إجمالي لضحايا الألغام ولكن التقديرات تشير إلى تجاوزهم 10 آلاف قتيل وقرابة 24 ألف مصاب خلال العقدين الماضيين.
ويعتبر العراق أحد أكثر الدول تلوثاً بالألغام والمخلفات الحربية وفق تقديرات الأمم المتحدة وتقارير دولية ومحلية نتيجة الحروب التي خاضها هذا البلد خلال العقود الماضية.
إذ تقدر دائرة شؤون الألغام عدد الضحايا في العراق منذ عام 2003 بأكثر من 30 ألف بين قتيل ومعاق فيما يبلغ عدد ضحايا الألغام في إقليم كردستان العراق 13521 شخص بينهم عدد من الخبراء في مجال رفع الألغام.
تنظيم داعش
وكان المسؤول في قوات البيشمركة وعضو المكتب السياسي بالاتحاد الوطني الكردستاني، محمود سنكاوي، أكد في 2022، أن تنظيم داعش زرع قنابل في العراق ستبقى تنفجر لغاية نصف قرن آخر، وذلك تعليقا على حادثة انفجار عبوات ناسفة على قوات تابعة للبيشمركة.
ورغم الجهود المحلية والدولية فإن مشكلة الألغام ما زالت قائمة في العراق وتشكل تهديدا مستمرا للمدنيين وتعيق عمليات إعادة الإعمار في المناطق الحدودية والأراضي الزراعية.

|