• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : 9 نيسان يوم سقوط الصنم الاكبر والاخطر والاحقر .
                          • الكاتب : رياض سعد .

9 نيسان يوم سقوط الصنم الاكبر والاخطر والاحقر

يُمثِّل التاسع من نيسان/أبريل 2003 محطَّةً فارقةً في التاريخ العراقي الحديث، لا بوصفه حدثاً عابراً، بل كَـمُنْعَطَفٍ جذريٍّ فصل بين عهدين: عهد القمع والاستبداد الذي تجسَّد في حكمٍ شمولي طويل، وعهدٍ جديدٍ حاول العراقيون من خلاله استعادة أنفاسهم بعد عقودٍ من الخناق. ففي هذا اليوم، لم يسقط مجرَّد تمثالٍ في ساحة الفردوس ببغداد، بل سقط رمزٌ لنسقٍ سياسيٍ كاملٍ ارتكز على ثقافة التخويف والتفرد، ليتحوَّل الحدث إلى إيذانٍ بزوال نظامٍ طالما أحاط نفسه بهالات القداسة الزائفة.

لقد تجاوزت دلالات هذا اليوم كونه لحظةَ تحريرٍ من حكم الفرد، ليكون تعبيراً عن صراعٍ مركَّبٍ بين مكوِّنات الهوية العراقية: الأصيل في مقابل الدخيل، والقيم النبيلة في مواجهة الرذائل المُستشْرية، والحق الذي يناوئ الباطل... .

إنَّ يوم 9 نيسان يومٌ لا يُشبه سائر الأيام؛ انه يوم الفصل ؛ يومٌ فَصَلَ بين الدخيل والأصيل، والرذيل والنبيل، والطالح والصالح، واللئيم والحليم , والبخيل والكريم ... ؛ يومٌ من نورٍ وعهدٍ جديد، تنفَّس فيه العراقيُّون الصُّعَداء، وذاقوا طَعمَ الكرامةِ والحريةِ والإباء.

يومُ التاسع من نيسان، بكل حمولته الدلالية المتشابكة والمعقدة، سيظلُّ يومَ الأيام، وسيبقى عام 2003 سيدَ الأعوام... وعلى الرغم من كل التحديات والمؤامرات والغُزوات والعمليات الارهابية والصولات الطائفية الاجرامية التي تعرَّض لها العراقُ والأمةُ والأغلبيَّةُ العراقيةُ بالتزامن مع سقوط الصَّنَم... ، الا إن هذه التضحيات لم تذهب سُدًى؛ ففي سبيل الحرية والوطن والديمقراطية والهُوية العراقية الأصيلة، تَهون الصعاب وتُرخص الدماء، ويُبذل الغالي والنفيس.

لم تكن التضحيات الوطنية التي قدَّمها العراقيون خلال سنوات الحُكم الاجرامي الطائفي الهجين هباءً وبلا نتيجة واقعية ، اذ تحوَّلت مع مرور السنوات إلى إرثٍ يتوارثه الاجيال والشباب في صدروهم وقلوبهم وعقولهم ... ؛ فالمشهد المزري للقوات الصدامية والاجهزة القمعية يوم السقوط ؛ الذي بدا للناس وكأنهم " فص ملح ذاب في الماء " يظهر واقع النظام البائد وقتذاك ، اذ تحوَّل إلى واقعٍ معقَّدٍ تتداخل فيه عوامل الاحتلال الخارجي مع إرث التهميش الداخلي، وصراعات الهُويَّات الفرعية والهجينة مع أحلام الدولة المدنية والاغلبية العراقية .

ومع ذلك، يبقى يوم التاسع من نيسان علامةً فارقة على مقاومة شعبٍ رفض أن يُختزل في صورة الضحية الأبدية، فانتفض ضدَّ منظومةٍ قمعيةٍ جثمت على صدر الوطن عقوداً، بدءاً من حكم بقايا العثمنة، مروراً برعايا الاستعمار البريطاني، وصولاً إلى الأنظمة الهجينة و الشمولية والطائفية التي حوَّلت العراق إلى ساحةٍ لتصفية الحسابات ونهب الثروات وقتل وتهميش الكفاءات .

سيظلُّ يومُ التاسع من نيسانَ عالقًا في ذاكرة التاريخ العراقي، وفي ضمير الأغلبيَّة الأصيلة وأحرار الأمَّة؛ فهو يومُ الخلاص من بقايا الاستعمار العثماني والبريطاني ، والتحرر من همجية المُحتلِّين الداخليين والمتجنسين ورعايا الإنجليز وذيول الأتراك والأنظمة العربية القمعية، والانعتاق من نير الطغمة الطائفية التي جثمت على صُدور العراقيين عقودًا من الزمن الأغبر... ؛ إنَّ ذكرى سقوط الصَّنَم ستظلُّ حيةً في ذاكرة الشعب، تتجلَّى في نضالاته وثوراته وانتفاضاته عبر مسيرة الكفاح الوطني الطويل، من أجل الخلاص من عهود التخلُّف وطُغيان جلاوزة الفِئة الهجينة وأعوان الطغمة المُتسلطة الطائفية والمناطقية المقيتة .

ولكن ورغم الفرح العارم الذي اجتاح الشارع العراقي آنذاك، فإن الذاكرة الجمعية تختزن اليوم تناقضاتٍ عميقةً؛ فبينما رأى فيه البعض فجرَ حريةٍ مُنتظَر، رأى آخرون بذور فوضى لم تُثمر سوى مزيدٍ من التشظّي... .

نعم لم يكُن الزمن الذي أعقب السقوط مُجرد امتدادٍ للعهد الهجين السابق وتداعياته الخطيرة ، بل شهدَ ولادةَ أسئلةٍ جديدةٍ حول ماهية الدولة المنشودة : كيف تُبنى مؤسساتٌ تحفظ الكرامةَ والعدل؟

وكيف تُوازن بين الانتماء الوطني والتنوع الثقافي؟

ورغم الإخفاقات التي طبعت مسيرة ما بعد 2003، فإنَّ الحدث ظلَّ منارةً تُذكِّر بأنَّ التضحيات، وإن تأخرت ثمارها، تبقى أساساً لأي تحوُّلٍ حقيقي.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=201741
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 04 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 04 / 19