باسم الحزن اخترتك صديقًا؛
بل صوتًا يهندم جنوني،
وضوءًا يطرد العتمات.
قال لي أحد العقلاء
:ـ إن الصوت موجة تتحرك في وسط مادي،
مثل الهواء والسوائل والغازات، ولا تنتشر في فراغ
وأنا أراه يتساقط أفلاكًا
وعوالم ،
وأمما وأنين،
ونداءات استغاثة،
وضيم حسرات ،
وأهات تجر آهات
تحدثني التواريخ عن غصن شجرة يحملها الحنين،
ليوقظني عند كل سؤال
:ــ من معك؟
من خفقات أصابعي ،
ومن لغة أثمرت بكفي جنوني كل هذا النور ،
هو صديقي حبيب بن مظاهر الأسدي،
صحابي ارتوى من مناهل النبوة ينابيع يقين ،
منهلي الجمال والكمال وقرآن في القلب هوية
هو أكبر مني بأربع سنوات لا غير ،
وها أنا أنتظر السنوات الأربع كي أرحل فيه إليه
ومعه أكون
بعضهم يكره منظر الدم وهو يرتدي الأحمر لباسًا وقميصًا
:ــ يقول الرواة إنك نزلت الكوفة وصحبت عليًا عليه السلام في جميع الحروب ؟
، وأقول لهم بين عينيه قبلة النبي أمانة يزكيها الضمير،
لهذا اتخذتك صوتًا يرمم انكساراتي ،
ومن صوتك تراتيل همس ونجوى،
صوتي يستمد من صوتك شهقته ،
الإنسان بلا طاقته الفكرية لا يستطيع أن يصلي أو يقوم،
يقول فيلسوف لا أعرفه
( الرؤية طاقة فكرية مع العمل تكون السعادة ذهن فاعل والحراك مصير)
أحتاج لكل حرف كي أضيء الفجر بدمعة أو قصيدة ،
سألت حكيمًا كيف لي أن أذهب إلى طف الحسين عليه السلام وهو يبعد عني كل هذه القرون؟
قال إن الطريق بعيد يا ولدي لا يدركه سوى نحر شهيد،
اعتلى جواد الكون واقتحم التواريخ ،
واذا بحبيب يقول لي هل عرفت الحكاية ؟
:ـ لا يا سيدي
:ـ مر النبي صلى الله عليه واله وسلم يومًا ،وإذا به يعانقني ليقبل ما بين عيني،
ناديت سيدي يا حبيب هب لي قبلة من تلك القبلات لتكون لي نجوى ونجاة،
أكمل حبيب الحكاية
:ــ سألوه ما سر اهتمامك به يا رسول الله؟
فأجاب رأيته يرفع التراب من تحت أقدام الحسين،
ويمسح به وجهه
أنا أحب حبيب،
ثم قال أخبرني جبرائيل أنه من أنصار الحسين،
عرفت حينها إن الحياة بلا حسين ليس لها طعم حياة
و الحلم هو الإنسان،
في قلب الماء يولد إنسان،
في كبد الأرض يولد إنسان،
في الشجر،
الزرع،
في ذاكرة الحنو ،
عند كل باب،
وعند كل ضوء روح
ولغة
وشبع وجوع
ومسمار ضلع ،ولهاث حطب ،ونار
(كنت أحمل علم المنايا والبلايا ،
ومن رجال شرطة الخميس المدافعين عن أمير المؤمنين عليه السلام ،)
(أي فكر بلا إنسان ،لا يصح أن يكون عنوان مصير)
وعلمني
( من الذات تبدأ منطلقات التغيير )
حين يتعرى الدمع في أحداق بكاء،
البكاء نداء،
يتعلق بأطياف النشيج،
لابد من الموت كي لا نموت،
روى لنا الرواة أن حبيب بن مظاهر الأسدي ساق الكون بابتسامة توزعت كل الجهات،
:ـ ليست هذه بساعة ضحك،
كان الجواب حكيمًا
:ـ أي موضع أحق من هذا بالسرور؟
أيها الشاعر أعد لي ما كتبت ،
الكلمات شجرة إن مر عليها ظل أو ضوء،
الكلمات ليست دمى بل هي وخزات ضمير،
وأنا عشت لوعة روح ،
ضحكت للهم وحين سال دمي عبر التواريخ سمعت رجاء العزة في داخلي نزغ ضياء ،
لهذا عشقته وبيده دفتر النصرة كي لا ينسى حرقتي،
دمي الفائر ،
عزلتي،
وهذا الجنون،...أن يرفق بي،
وكربلاء هي كل حياتي ،
كربلاء قيامتي ،
كربلاء صوتي،
أراضي...
سمائي ..،
عذرًا سيدي أنا لجوج الهوى،
ونبضات ولائي راية تعلو أرصفة الكون،
لأعد لهذا العالم خبز الفقراء
(بسم الله الرحمن الرحيم
من الحسين بن علي..،
إلى الرجل الفقيه حبيب بن مظاهر الأسدي
أما بعد فقد نزلنا كربلاء،
إن أردت نصرتنا أقدم إلينا عاجلًا)
الصوت المغروس في داخلي ينهض في كل سبيل،
انهض يا حبيب هي الأشجار تناديك،
والأنهار
والأمطار
والوصايا
والنور
والعيون،
ينهض قلبي معي لا يمكن له أن يخون،
يحدثني الجنون عن بكاء بليغ في بهجة الشعور،
ليس كل دمعة،
هي حزن،
أو خوفًا من مصير
كيف لا أنهض وأنا الذي عاهدت الله ،
أن أصبغ بياض شيبتي بدم نحري في نصرة الحسين،
وأنا أدري لا حياة لمن يفتقد الحياة
لا يعصمني جبل
لا يرويني ظل ماء
ولا تفرح روحي بعد الحسين بمواقيت صلاة
لهذا يا حبيب أعددت جنوني،
واستيقظ في روحي شوق اللقاء ،
سأعيد لك الحكاية،
في كل مرة أرى بياض الموت في عيني اليقين
(:ــ زرت سوق الحدادين فرأيته قائمًا على قدم وساق ،
جند ابن زياد يعدون العدة،
يضربون الأسنة، يسقون السهام سمًا ،
ويجلون السيوف،
يصنعون الحدوات للخيل
:ـ وعبدك هل كان معك؟
:ـ ليس في الطف عبيد ،
كلهم أحرار،
حملوا الحرية صحوة وناصروا الحق واستجابوا للنداء
( هل تعرف.... كان عندنا في الطف ،
باب ومحراب
وحزن مبصر... كما الجراح،
يستنطق الحكايات خطوات ضوء يحملها التوق )،
سرت مع مولاي الحسين حين هوى جبل،
وفاض النهر سنابل عشق،
تفيض أضرحة وسلام
:ــ لولا أعلم أني في أثرك
لقلت لك أوصني يا مسلم بن عوسجة ،
:ـ أوصني على عكازة رؤياي دونت هذه الحكاية،
يا سيدي يا حبيب حملتها حلمًا من الجمر،
أعيد معنى الحكاية التي لا تهرم،
ليس للطف باب ...كل الجهات تأخذنا إليه
:ــ أوصيك.. بهذا يا حبيب وهوى بيده إلى الحسين عليه السلام،
إن تموت دونه
:ـ أنا على يقين يا سيدي يا حبيب،
إني كنت هناك أسمع... وأرى لكن مولاي الحسين
لا يسمح للغد أن يدخل ميادين الحروب ناصرًا ،
يحرص عليه ،
لأنه ديمومة الطف في كل جيل ،
سمعتك وأنت تطلب الأذن حين رفض الحسين أن تدخل حومة القتال
:ــ أنت يا حبيب ذكرى جدي وأبي وقد أخذك المشيب،
كيف أرضى دخولك ميدان القتال
بكيت ...
حينها بكيت..
ثم بكيت حتى استجاب
علمني أبي حكمته الأخيرة قبل الرحيل ،
إن كتبت يومًا قصيدة لحبيب بن مظاهر الأسدي ،
لا تخشى عليه من الموت ...حتى لو قتلوه لا تخاف عليه
وأعلم يا بني إن الجداول لا تموت.
|