إن التمهيد لظهور الإمام المهدي (عليه السلام) يعد جزءا لا يتجزأ من الثقافة المهدوية، حيث يكلف الفرد الشيعي بمسؤوليات عديدة تساهم في تحقيق الأرضية المناسبة لظهوره المبارك. هذا التمهيد لا يكون مجرد أمنيات أو شعارات، بل هو عمل دؤوب يرتكز على أركان متعددة، منها:
١. إصلاح النفس وتزكيتها
إن الفرد الذي يتبع أيديولوجية الثقافة المهدوية يجب أن يكون نموذجا في الأخلاق والسلوك، إذ أن الإمام المهدي (عليه السلام) سيقيم دولة العدل، ولن يقبل أنصاره إلا من كانوا على مستوى عال من التقوى والإيمان. عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)قال : "من سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق، وهو منتظر". (بحار الأنوار العلامة المجلسي ج ٥٢ ص١٤٠) هذه الرواية تؤكد أن الإعداد الذاتي والتزكية النفسية أمر ضروري للمؤمن المنتظر.
٢. نشر الوعي المهدوي وتصحيح المفاهيم
التمهيد لظهور الإمام المهدي (عليه السلام) لا يقتصر على العمل الفردي فقط، بل يشمل أيضا نشر الثقافة المهدوية بين الناس. هناك العديد من المفاهيم المغلوطة التي تحتاج إلى تصحيح، مثل التصور السلبي عن الانتظار بأنه مجرد حالة من الترقب دون فعل، بينما هو في حقيقته حالة من التفاعل والإصلاح والعمل المستمر. يقول الإمام الصادق (عليه السلام): "اعرف إمامك، فإنك إن عرفته لم يضرك تقدم هذا الأمر أو تأخر" (الكافي الشيخ الكليني ج ١ ص٣٧١)
٣. تعزيز الروح الجهادية ومقاومة الظلم
إن من أهم سمات الثقافة المهدوية مقاومة الظلم وعدم الاستسلام للأنظمة الجائرة، حيث إن الإمام المهدي (عليه السلام) سيأتي ليقضي على الظلم والاستبداد، ولذلك يجب على المؤمنين أن يكونوا على استعداد لمواجهته في مختلف أشكاله. قال الإمام الحسين (عليه السلام): من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان ثم لم يغير بقول ولا فعل، كان حقيقا على الله أن يدخله مدخله . (بحار الأنوار العلامة المجلسي ج ٤٤ ص ٣٨٢) هذه الدعوة إلى مقاومة الظلم تعتبر جزءا من الإعداد الحقيقي للظهور.
٤. بناء المجتمع المهدوي
لا يمكن للفرد أن يمهد وحده، بل ينبغي أن يكون هناك عمل جماعي لبناء مجتمع قائم على القيم الإسلامية الصحيحة. هذا يشمل دعم المشاريع الخيرية ومساعدة الفقراء والمحتاجين.
تطبيق العدل في المعاملات اليومية بين الناس.
تعزيز ثقافة العمل الجماعي والتعاون، لأن الإمام المهدي (عليه السلام) سيقيم حكومة قائمة على العدل والتكافل.
قال الله تعالى في القرآن الكريم: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" (المائدة: 2). هذه الآية تدعو إلى العمل المشترك من أجل تحقيق الخير، وهو ما يتوافق مع مفهوم التمهيد لظهور الإمام (عليه السلام).
الثقافة المهدوية كعامل للاستقرار النفسي والاجتماعي
إن الإيمان بالإمام المهدي (عليه السلام) لا يمنح الفرد الشيعي فقط بعدا روحانيا، بل يعطيه حالة من الاستقرار النفسي. فالفرد الذي يؤمن بأن العدل الإلهي سيتحقق، وأن الإمام المهدي سيأتي ليملأ الأرض قسطا وعدلا، يكون أكثر قدرة على مواجهة التحديات اليومية.
١. الشعور بالأمل والتفاؤل
الفرد المنتظر لا يعيش حالة من اليأس أو الإحباط، بل يكون مليئا بالأمل بأن العدل سينتصر على الظلم في نهاية المطاف. هذا الأمل يعطي الإنسان طاقة إيجابية تدفعه للعمل الدؤوب رغم التحديات. يقول الله تعالى: "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين" (آل عمران: 139).
٢. قوة التحمل والصبر
الفرد الذي يعيش الثقافة المهدوية يتحلى بالصبر والقوة في مواجهة الابتلاءات، لأنه يعلم أن هذه الصعوبات جزء من الابتلاءات التي تسبق الظهور. قال الإمام علي ابن الحسين (عليه السلام): "الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له".( الكافي الشيخ الكليني ج ٢ ص ٨٩)
٣. تعزيز الروح الاجتماعية والتكافل
إن المؤمن الذي يتبنى الثقافة المهدوية لا يعيش في عزلة، بل يسعى إلى خدمة مجتمعه، لأن المجتمع القوي والمترابط هو الذي سيكون قادرا على استقبال الإمام المهدي عليه السلام. لذلك، نجد أن روايات أهل البيت عليهم السلام تؤكد على أهمية بناء العلاقات الاجتماعية السليمة.
خاتمة
إن الأيديولوجية المهدوية ليست مجرد فكرة دينية يتبناها الفرد الشيعي، بل هي منهج حياة يرتبط بالعقيدة، والسلوك، والمجتمع. هذه الثقافة تجعل الفرد أكثر وعيا بمسؤوليته في إصلاح نفسه ومجتمعه، وتمنحه الأمل والطاقة الإيجابية لمواجهة التحديات.
إن الانتظار الحقيقي للإمام المهدي عليه السلام ليس مجرد انتظار زمني، بل هو انتظار عملي يتطلب جهاد النفس، والتطوير الذاتي، والمشاركة الفاعلة في بناء مجتمع أكثر عدلا وتقوى. يقول الإمام الحسن بن علي المجتبى عليه السلام ما منا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم الذي يصلي خلفه روح الله عيسى بن مريم، فان الله عز وجل يخفى ولادته ويغيب شخصه لئلا يكون لاحد في عنقه بيعة إذا خرج، ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة الإماء، يطيل الله عمره في غيبته ثم يظهره بقدرته في صورة شاب ذو أربعين سنة، ذلك ليعلم أن الله على كل شئ قدير. ( بحار الأنوار العلامة المجلسي ج ٥٢ ص ٢٧٩)
بهذا، تكون الثقافة المهدوية ركنا أساسيا في تشكيل شخصية الفرد الشيعي، وتحدد مواقفه وأفعاله، وتجعل منه عنصرا مؤثرا في المجتمع، يمهد لظهور الإمام المنتظر عليه السلام ويكون مستعدا ليكون من أنصاره وأعوانه.
|