إنّ قضية الإمام المهدي (عج) ليست مسؤولية فرد أو جماعة بعينها، بل هي مشروع إلهي يشمل الرجال والنساء على حد سواء. ولأن التمهيد للظهور المبارك يتطلب بناء مجتمع واعٍ، فإن المرأة تمثّل القاعدة الأولى لهذا البناء، حيث تقوم بدور أساسي في تربية الأجيال، ونشر الوعي، والمساهمة في إصلاح المجتمع. فهل يمكن القول إن دور المرأة يفوق دور الرجل في التمهيد؟ وما هو موقعها الحقيقي في هذا المشروع الإلهي؟
المبحث الأول: المرأة في مشروع الانتظار والتمهيد
1. المرأة وبناء الجيل المهدوي
إنّ أولى وأهم مهام المرأة في زمن الغيبة هي تربية جيل يحمل قيم الإسلام الحقيقية، ويكون مهيّئًا للعيش في مجتمع قائم على العدل والاستقامة. فالأم هي المدرسة الأولى التي ينشأ فيها الطفل، وإذا صلحت، صلح المجتمع من بعدها. إن تربية الأبناء على الإيمان بالإمام المهدي (عج)، وعلى روح الانتظار الفعّال، يجعلهم عناصر ممهدة قادرة على المساهمة في نصرة الإمام عند ظهوره.
جاء في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال لامرأة سعد: هنيئا لك يا خنساء فلو لم يعطك الله شيئا إلا ابنتك أم الحسين لقد أعطاك الله خيرا كثيرا إنما مثل المرأة الصالحة في النساء كمثل الغراب الأعصم في الغربان وهو الأبيض إحدى الرجلين.(الكافي - الشيخ الكليني - ج ٥ - الصفحة ٥١٥)
وهذا يشير إلى دور المرأة في نشر الدين وترسيخه في نفوس الأجيال، لا سيما من خلال التربية الأسرية التي تشكّل الأساس في بناء الشخصية المهدوية.
2. المرأة ونشر الوعي المهدوي
إلى جانب دورها التربوي، تستطيع المرأة أن تكون مصدر إشعاع فكري وثقافي في محيطها، سواء من خلال التعليم، أو الإعلام، أو الكتابة، أو حتى الدور الاجتماعي داخل الأسرة والمجتمع. فالمرأة التي تحمل فكرًا مهدويًا وتبثه في قلوب من حولها، تساهم في بناء بيئة تُمهّد للظهور المبارك.
3. المرأة كعنصر إصلاحي في المجتمع
لا يقتصر دور المرأة على داخل الأسرة فقط، بل يمتد إلى المجتمع بأسره. فبإمكانها أن تكون مصلحة، داعية إلى الخير، ومحاربة للفساد الأخلاقي والفكري. والمرأة التي تتمسك بحجابها وعفتها، وتنشر هذه القيم في مجتمعها، تساهم في الحفاظ على الهوية الإسلامية التي تُعدّ أساسًا للمجتمع المهدوي.
المبحث الثاني: هل دور المرأة يفوق دور الرجل؟
قد يُطرح تساؤل: هل يمكن القول إن دور المرأة في زمن الغيبة يفوق دور الرجل؟ الجواب يعتمد على زاوية النظر. ففي حين أن الرجال لهم دور في السياسة، والجهاد، ونشر العلم، فإن المرأة تمتلك القدرة على التأثير العاطفي والتربوي، مما يجعلها اللبنة الأساسية في تشكيل الأفراد.
كما أن الروايات تؤكد أن هناك 50 امرأة من أنصار الإمام المهدي (عج) سيكون لهن دور أساسي في دولته، مما يعني أن للمرأة موقعًا بارزًا في هذا المشروع الإلهي، سواء في فترة الغيبة أو بعد الظهور.
المبحث الثالث: نماذج نسائية مهدوية عبر التاريخ
1. السيدة نرجس (عليها السلام)
هي النموذج الأول للمرأة المهدوية، حيث اختارها الله لتكون وعاءً طاهرًا لحفظ الإمام المهدي (عج). لقد كانت نموذجًا في الإيمان والصبر والتضحية، وتحملت الغيبة منذ ولادة الإمام، مما يجعلها قدوة لكل امرأة تسعى لأن تكون ممهدةً حقيقية.
2. السيدة زينب (عليها السلام)
حملت السيدة زينب (ع) رسالة كربلاء، وأصبحت صوت الثورة الحسينية في مواجهة الطغيان. كانت نموذجًا للمرأة التي تدافع عن الحق وتنصره، وهو بالضبط ما تحتاجه الأمة في عصر الغيبة: نساء يحملن رسالة الإصلاح بثبات وعزم.
3. نساء مهدويات عبر العصور
التاريخ الإسلامي مليء بالنساء اللواتي قدّمن دورًا عظيمًا في نشر الإسلام، والتصدي للانحرافات، وتمهيد الأرضية لمجتمعٍ أكثر صلاحًا. واليوم، كل امرأة تؤدي واجبها التربوي والفكري والاجتماعي بوعي وإخلاص، تُعتبر امتدادًا لهذه النماذج المضيئة.
المبحث الرابع: مسؤوليات المرأة المهدوية اليوم
1. تعزيز الوعي الديني والمهدوي
يجب على المرأة أن تعمل على تثقيف نفسها فكريًا ودينيًا، لتكون قادرة على نشر المعرفة الصحيحة بين النساء والأطفال، وتساهم في تصحيح المفاهيم المغلوطة عن قضية الإمام المهدي (عج).
2. بناء بيئة صالحة داخل الأسرة
الأسرة هي اللبنة الأولى في المجتمع، والمرأة تتحمل مسؤولية كبرى في جعل بيتها نموذجًا للبيت المهدوي، القائم على الحب، والتعاون، والالتزام بالقيم الإسلامية.
3. المشاركة الفعالة في المجتمع
يمكن للمرأة أن تكون فاعلة في مجتمعها، من خلال العمل الثقافي والتعليمي، والمساهمة في بناء جيل متمسك بالقيم المهدوية، سواء عبر التدريس، أو الكتابة، أو الإعلام، أو النشاط الاجتماعي.
رسالة إلى كل امرأة مهدوية
المرأة ليست مجرد عنصر مساعد في مشروع التمهيد، بل هي القاعدة الأساسية التي يقوم عليها هذا المشروع. فإن صلحت المرأة، صلح الجيل، وإن فسدت، فسدت الأمة. اليوم، كل امرأة تستطيع أن تكون مهدوية حقيقية، سواء كانت أمًا، أو معلمة، أو ناشطة في مجتمعها،لأنِك انتِ الركيزة التي يعتمد عليها المستقبل المهدوي. أنتِ التي تُعدّين الجيل القادم، وترفعين راية الانتظار الحقيقي. لا تستهيني بدورك، ولا تقللي من تأثيرك، فربّ امرأةٍ واحدة غيّرت مجرى التاريخ بإيمانها وثباتها.
الإمام المهدي (عج) بحاجة إلى نساءٍ واعيات، صابرات، مصلحات، يحملن راية الحق وينشرن الوعي، فكوني واحدةً منهن، وساهمي في بناء مجتمع مهدوي ينتظر الظهور ويعمل لأجله.
|