للنصّ القرآني الكريم، قُدرة إنتاج فاعلة للثقافة المُجتمعيّة، حتى غدا مركز الدائرة الذي يُشدّ إليه، ما أدّى إلى وُجود مقاومة شديدة تسكن الثقافة التي يُؤسسها، تُمانع من تحويل طبيعته المتعالية، إلى تأريخيّة محدودة. إذْ إنّ النصّ يشدُّ الواقع إلى الثّبات، ويقيِّده من الاسترسال في رؤية العقل الذاتيّة، ويعمل الواقع من جهته للضّغط على النصّ بأسئلته الراهنة، بوصف القرآن الكريم مصدر المعرفة الأول ،فيكون محركا للثقافة المجتمعيّة. هنا نرصدُ قُدرة النصّ على الاستجابة للواقع، من خلال الإمكانات التي يُفرزها للتعامل أساسات الطبع البشري، ما يجعله فوق كلّ ثقافة وزمن، وهي الرؤية التي تأتي لتؤكّد الحاجة المستمرة للقرآن الكريم ؛إذ يتعزز أهمّية وُجود خطابٍ أسمى من الوعي الإنساني لتنبيهه بهيمنة حكمة الله والحاجة الدائمة إليها؛ حتى يتجاوز محدودية الفهم الشخصي إلى الدلالة الأعم زمانا ومكانا مماينتجه النص القرآني نفسه. وهكذا، يضع النّص الكريم نفسه، مُهيمنًا على الفهم البشري المحدود، الذي يستمد شكله من ثقافته الاجتماعية الراهنة. وعلى إثر تلك المرجعية التي يفرضها القرآن والحاكمية المُطلقة، يبقى حضور النّص، في المسارات التأسيسية والعلاجية لحركة التأريخ البشرية، ضرورة أساسية لمُكونات المجتمع الإنساني وسبل تطوره. تلك الضرورة، حدَت بالعقل الرِّسالي إلى تنظيم حركته على وفقها، لتأسيس الدعاوى المتكررة؛ للعودة إلى حاكمية القرآن، وتأكيد أهمية آياته في معالجة القضايا المعاصرة للإنسان.

والحمد لله رب العالمين.

عمار عبد الرزاق الصغير

2024/12/1