سنة 2009 أسعدني الأخ الشيخ حسين الأكرف بزيارة إلى غرفتي (التي كانت غرفته سابقاً) ولم يكن بيننا سابق معرفة شخصية .. ولكن حنينه إلى النجف ودراستها ساقه نحو البدايات .. حيث درس في النجف وسكن في إحدى مدارسها لسنتين 1989 / 1990 قبل أن يضطر للعودة إلى البحرين.
أسعدني الجلوس معه ولمست فيه إخلاصاً وتواضعاً يستحق الإشادة .. وكان برفقته الشاعر الموفق عبد الله القرمزي.
وأكثر ما أسعده في غرفتي (غرفته) المتواضعة هو (القوري الفافون) الذي كان وما يزال رفيق درب كل طالب علم .. والملجأ الأول للراحة إذا أرهقت الذهنية وازدحمت المطالب.
ولإن كان الشاعر أحمد الصافي يسمي الشاي خمر الفقراء .. ففي الحوزة يحق لنا تسميته خمر العلماء .. وإني لأحسب أن أعداء الحوزة يجهلون الطريقة الوحيدة لضرب هذه المؤسسة العصية على التدمير .. ولو سألوني لقلت لهم (إقطعوا الشاي).
ومن أجود ما قال الشاعر أحمد الصافي في وصفها:
لئن كان غيري بالمدامة مولعاً
فقد ولعت نفسي بشاي معطرٍ (شخصياً أحبه سادة).
إذا صب في كأس الزجاج حسبته
مذاب عقيق صب في كأس جوهرِ
يغيب شعور المرء في أكؤس الطلا
ويصحو بكأس الشاي عقل المفكر
نعود إلى أخينا العزيز خادم الحسين عليه السلام الشيخ حسين الأكرف .. فقد حدثني عن ذهابه لبعض العلماء كالسيد السبزواري قدس سره .. وكيف كان يطرق أبوابهم في شدة حر الظهيرة ويسألهم بعض المسائل العقائدية والأخلاقية التي فيها النجاة .. فالشيخ بحمد الله مخلص وموفق .. وعلامات ذلك كثيرة.
ولكن مما يؤخذ عليه هو تساهله في انتقاء الشعر الأسلم من الناحية الفكرية .. فبينما تراه يحلق في اختيار قصيدة عظيمة ويبدع في أدائها (كقصيدة أيا جدنا هذا الحسين على الثرى) ..
تراه في قصيدة أخرى يعتمد أبياتاً ركيكة لا تخلو من مشكلة عقائدية .. وتجده يتساهل معها بسبب وجهة نظره السياسية التي تفتح الباب واسعاً لدخول أي مفهوم أو فعالية في القصيدة الحسينية..
في هذه المرثية المختصرة للشهيد السيد نصر الله رضوان الله عليه .. يقول شيخنا الأكرف عن لسان الشاعر مخاطباً الزهراء عليها السلام:
( يابنت الهادي .. ذا أبو هادي .. ثالث الحسنين .. لك جاءا .. ضلعك الثاني .. نصر لبنانِ .. في تلاقيك قد نال ماشاءا )
وفي قوله (ضلعك الثاني) هناك مساحة للنقاش والقبول .. فشهيدنا سيد من ذرية الزهراء .. ولا مشكلة في التعبير بأنه ضلعها كناية عن قربه منها وعنايتها به ..
فنحن في أدبياتنا العامة نخاطب بعض الصالحين ونقول جعلك الله قرة عين لإمامك .. فكونه ضلعاً أو قرة عين من الأمور المقبولة.
بعبارة أخرى .. كل وصف أدبي لا يتضمن مقايسة المعصوم بسواه .. سواء مقايسة في مقامه أو مصيبته .. فهو مقبول.
ومن هنا فقد وقع هذا البيت في إشكال المقايسة مع المعصوم في الجانبين معاً ..
فهو إن كان يقصد من (ضلعك الثاني) أن مصابنا بالشهيد كمصابنا بضلع الزهراء ومصيبتها .. فهذه المقايسة مرفوضة قطعاً .. ولا ينبغي للشيخ الأكرف ان يقبل بقراءة هذه الأبيات .. ولكن ماذا نصنع وهذا هو منهجه وقناعاته!!
والمقايسة الأخرى الأشد غلطاً وبعداً عن الصواب .. هي مقايسة مقام المعصوم بغيره .. وهي في قوله (ثالث الحسنين) وهذه سقطة وأي سقطة !!
أولاً .. ثالث الحسنين هو المحسن الشهيد عليه السلام.
وثانياً .. من المسلمات العقائدية ما ورد من قول الإمام الباقر عليه السلام مخاطباً جابر الأنصاري ( ويحك يا جابر انا من الله تعالى بمكان ومنزلة رفيعة فلولا نحن لم يخلق الله تعالى سماء ولا أرضا ولا جنة ولا نارا ولا شمسا ولا قمرا ولا جنة ولا انسا ويحك يا جابر لا يقاس بنا أحد يا جابر بنا والله أنقذكم وبنا نعشكم وبنا هداكم ونحن والله دللناكم على ربكم فقفوا عند أمرنا ونهينا...).
وعلى العموم نحن نفهم أن ثقافة التعبئة المعنوية تتطلب مثل هذا التفخيم والتعظيم للقادة وتشبيههم بالمعصوم .. لأن الأتباع يبذلون دمهم إيماناً بقرارات القادة باعتبارهم واسطة بينهم وبين المعصوم ..
وهنا تختلط المساحات لدى من كان همه الجانب التعبوي أكثر من الجانب الاعتقادي والأخروي .. متناسين قول إمامنا الصادق عليه السلام (( تمزج الحق بالباطل !! وقليل الحق يكفي من كثير الباطل )).
فأرجو من سماحة الشيخ أن يحافظ على أولوياته العقائدية .. ويمنح الساحة القدسية للمعصوم تمام الاهتمام ولا يخلطها بغيرها .. مهما كان نوع التحديات التي يواجهها المذهب ..
فبصدقنا وإخلاصنا .. وبعناية إمامنا عجل الله فرجه .. نهزم الأعداء .. لا بكثرة الأتباع.
هوبو برس: الآراء الواردة في المقالات والتقارير تعبر عن رأي كتّابها.
|