بعد أن دبَّ الهدوء في أضلاع الليل، وتراخت أوتار الحياة،
خلَت الشوارع من المارة وعمت السكينة أرجاء المدينة،
فتنامى عندي شعور الارتياح والطمأنينة،
فلا يوجد غيري، أنا وحدي من يبعث الفوضى والإزعاج.
كانت الطرقات ترفضني كونها متعبة من يوم طويل،
لم أجد فيها ذلك النشاط الذي اعتادت عليه.
تجوَّلت بمفردي وكنت سعيدًا،
أكلم الجدران، وأرمي قطع الحصى لأستمع لتلك النغمات الغريبة،
الصدى يعزف أجمل الألحان.
لم يدم الهدوء والخلوة التي ارتحت لها،
ففي لحظة... خرج لي من بين الطرقات الملتوية شيخٌ ترامت على تقاسيم وجهه قطرات الانزعاج.
فبدا لي في أول وهلة أنه من عالم آخر، وجاء لينتزع روحي.
هربت بسرعة، تاركًا خلفي كل الآمال التي رسمتها وأنا بمفردي،
ركض خلفي كأنه شاب عشريني،
وبدأ فمه يرمي أجمل العبارات والتوعد:
"سوف أكسر رأسك، وأستخرج ذلك العقل الخبيث و... و...!"
تعب وتوقف، وأنا كذلك توقفت.
خلته تركني... لكنه لم ييأس وتابع المسير.
كان غاضبًا جدًا.
وهنا بدأت التسلية من جديد،
صرت ألهو معه؛ اقتربت بحذر شديد وهربت مسرعًا.
استشاط غضبًا وأصبح يعدو خلفي... ويتوعدني... ويرمي عليَّ قطع الحصى الكبيرة.
بقينا بين كرّ وفرّ إلى أن طلعت خيوط الشمس الذهبية،
وغادر الليل الجميل سماء المدينة، فتلاشت معه أحلام الصبا.
واستيقظ النهار المفعم بالنشاط، وعاد إليه الصخب من جديد،
وتهت عن أنظار الشيخ بين المارة.
.
|