قبل ان نبدأ في تحديد الفروق بين الصحافة الورقية والالكترونية ، ومكامن التشابه بينهما ،لانهما معا من الوسائل التي تنقل المعرفة وتنشر الابداع ، نبين معنى الثقافة ؟ وما معنى الابداع وما العلاقة بينهما ؟ ولماذا يربط بينهما الكثير من الناس في المجتمع العربي الحديث ؟
لقد عرف علماء الاجتماع ، الثقافة بانها الاطلاع على المباديء الأساسية ، من كل فن من فنون العالم وعلومه ، وتكوين راي محدد فميا يجري في العالم من احداث ،والا نقف موقف المتفرج دائما ، فيما يزج بنا من امور ، نجد انفسنا حيارى حيالها ، لانحسن تعليلا صائبا عنها ، او ردودا صحيحة ، فالمثقف بالاضافة الى معرفته بتاريخ بلده ، واهم الاحداث التي حدثت للاخرين المساهمين الان ، في الحضارة العالمية ،عليه ان يعرف شيئا عن طبيعة الصراعات السياسية ، والمذاهب الاقتصادية والثروات ، التي تجعل الجيوش الكبيرة ، تتأهب للانقضاض على ما وهب الله الشعوب من خيرات ، كما عليه ايضا ان يعرف تاريخ الثورات الكبرى التي حدثت في العالم ، وما الذي يجعل الانسان احيانا ، يقف كالجبل ،مضحيا بما يملك من اجل عقيدة سامية يعتنقها ، وما الذي يبدل شجاعة ذلك الانسان نفسه ، فيحيله الى امريء خانع متردد في مجالات اخرى ، فالطبيعة الانسانية تعتبر الفيصل ، في امور شتى يعجز بعض الناس ، عن تفسيرها ، كما ان المثقف بحاجة ان يعرف شيئا ،عن تطور العلوم وعن جمال الاداب والفنون ، وان كان تعريف المثقف بهذا الشكل ، يبدو صعب التحقق للانسان الكثير المشاغل ، الذي يجد نفسه مغلوبا على امره ، مستلهكا وقته في العمل ، من اجل الحصول على رغيف الخبز ، الذي اخذ يصعب كثيرا ليس امام الطبقة الفقيرة فقط ، وانما حتى الطبقات التي كانت تعتبر من الوسطى.
فما هو الابداع ؟ هو عمليه اتقان العمل والقدرة على الخلق فيه ، وان كان الابداع على انواع كثيرة ومتشعبة ، فان الذي يهمنا من هذا الموضوع ، هو الابداع الادبي والفني، اي القدرة على كتابة الشعر والقصة والمقالة والرواية ،حسب الطرق الفنية المتفق عليها ، والاعتناء بانتقاء الالفاظ الموحية المعبرة ، بالاضافة الى الفكرة الجميلة ، ويعني بالفنون هو خلق العمل الجميل سواء كان رسما ام نحتا ام موسيقى ، والابداع وظيفته تعليمية ترقى بعواطف الانسان وتسمو بمشاعره ، فهل كل مبدع مثقف ؟ وهل المثقف يحسب من المبدعين ؟ والجواب ان المثقف ليس بالضرورة يكون مبدعا ، فكثير ما نجد مثقفا قادرا ، أن يتابع العمل الادبي والفني محسنا الحكم له او عليه ، اي ان يكون ناقدا منصفا ، لكنه ليس مبدعا ، والمبدع الكلاسيكي للقصيدة الموزونة ، قد لايملك ثقافة كبيرة ، بل انه ينظم وحي الخاطر ، لكنه بحاجة الى التدريب الكثير ، والاطلاع على التجارب الادبية الاخرى ، كي يستطيع ان يحافظ على جذوة الابداع متوهجة ، لايمكن لها ان تخبو.
وقد وجد الابداع في الصحيفة الورقية تشجيعا له ، ومداومة على نشره ، وقراء متذوقين متابعين لنتاجات مبدعهم المفضل ، حريصين على الاطلاع على ما ينشر له في امهات المطبوعات الورقية ، ولكن بعد أن وجدت المواقع الالكترونية الكثيرة ،أصبح الاديب محظوظا في الحصول ، على وسائل عديدة ومتنوعة في نشر ابداعه بين القراء ، فلم تعد الصحافة الورقية تحتكر الابداع ، وتجعل اديبا كبيرا معينا يقتصر على النشر فيها ، لانها مقروءة اكثر من غيرها ، كما ان عدد قرائها يبلغون الملايين ، واستطاعت مجلة مشهورة كالاداب البيروتية مثلا ، ان يكون لها السبق في اظهار اديب ،وتشجيعه وجعل القراء يقدمون على القراءة له
هل استطاعت المواقع الالكترنية ان تسحب البساط من تحت اقدام الصحيفة الورقية ؟ يمكننا ان نزعم ان مواقع الكترونية كبيرة ، استطاعت ان تثبت كفاءتها ،وان تقدم للقاري ء العربي ثقافة رصينة وابداعا مميزا جميلا ، قادرا على تنمية الذوق العربي ، وصقل القدرة النقدية التي يجب ان يتصف بها القراء الاذكياء ، الذين لايبحثون عن القراءة للمتعة فقط ، وانما يمتلكون القدرة على نقد ما يقومون بقراءته ، والحكم ضده او لصالحه ، المقارنة الان بين الصحافة الورقية والالكترونية قد لاتكون في صالح الورقية ، لاننا نجد في بعض الورقيات تعصبا لبعض الاقلام ، على حساب اخرى ، أثبتت قدرتها الابداعية ،في كثير من المطبوعات والاصدارات ، كما ان سرعة الانتشار بين القراء ، في العالم اجمع،وخاصة ان استطاع الابداع العربي ،ان يحصل على مترجم مبدع اصيل، يحافظ على جمال الشكل والمضمون.
المجلات الالكترونية في العالم العربي ، في تقدم مستمر ، يجعلنا نتفاءل كثيرا ، ان مستقبل اجيالنا سيكون افضل، مما عشناه نحن ، ولكن ، يجب ان تحرص هذه المجلات على الكلمة الحرة ، التي تعزز الجوانب المضيئة في حضارتنا العربية ، وان تشجع الادباء بالنشر لهم ، ونقد ابداعهم نقدا بناء ، يبين لهم ما غمض عنهم وما استطاعوا ان يحققوه من جمال ، وان تقترن الابداعات الالكترونية بالنشر الورقي ابضا ، فما زال الكثير من القراء العرب غير قادرين على القراءة النتية
صبيحة شبر
|