للنص الشرعي ( قرآن - حديث - دعاء - زيارة ) مستويات من المعاني ، بعضها ظاهر وجلي وبعضها باطن وخفي ، وبالتأكيد فإن استنطاق هذه المعاني يحتاج الى معارف وعلوم ومهارات .. وهناك قواعد وأساليب معيّنة تساعد على اكتشاف بعض تلك المعاني وليس الأمر اعتباطياً ، بل بعضها ليس متاحاً لكل أحد وإنما هي للأولياء والانبياء ، فعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) إنه قال : [ كتاب الله على أربعة أشياء العبارة والإشارة واللطائف والحقائق ، فالعبارة للعوام والإشارة للخواص واللطائف للأولياء والحقائق للأنبياء ] .
ولعل أسلوب المخالفة يعطينا أحد مستويات تلك المعاني لبعض نصوص وألفاظ زيارة المعصومين عليهم السلام ، وأقصد بأسلوب المخالفة هو عكس المعاني والمراتب والمقامات التي تُنسب الى المعصوم في الزيارة ثم بعد ذلك إلصاق هذا المعنى المُخالِف والمعكوس على أعدائهم .. فعندما نقول للمعصوم في الزيارة مثلاً : ( أشهد أنك أمرت بالقسط ودعوت إليه ) فإننا نشهد بنفس الوقت أن أعدائهم قد أمروا بالظلم والجور ودعوا إليه ..
وفي علم الأصول تسمّى هذه الطريقة في اكتشاف معاني مقابلة لمعنى المنطوق ولا ينصّ عليها بشكل مباشر وإنما يُفهم منه بالدلالة الالتزامية ب " المفهوم " .
اذن نحن في الزيارة نكون أمام نصّين أو أكثر ، منطوق ومفهوم ، وقراءتهما واحدة ومعاني ألفاظها المنقدحة في الذهن متعددة ، ويختلف هذا التعدد بالنوع والعدد بإختلاف ثقافة القارىء وتدبّره ورزقه من الله تعالى في الحصول على المعاني المخفية وراء النصّ وما بين السطور .
ومن الطرق الأخرى التي قد تساعدنا ايضاً في قراءات أخرى لنصّ الزيارة هو محاولة تطبيق بعض المصاديق التاريخية أو المعاصرة على بعض الالفاظ التي تنص عليها زيارة المعصوم في الجانب السلبي والايجابي ، وسواء كان اللفظ يدل على شخص أو صفة أو حادثة .. الخ ، فعندما نقرأ في زيارة عاشوراء ( اللهم العن بني أمية قاطبة ) فإننا نلعنهم كأسرة ونلعنهم أيضاً كفكر وطريقة ، أمثال داعش ومن لف لفهم .. وهكذا .
ثم أن هناك تصوّراً نافعاً عند قراءة النصوص الشرعية بشكل عام وله انعكاسات روحية جميلة وطيّبة على النفس وقد يساعد على اصطياد قراءات أخرى ضمنية أو التزامية أو غيرها للنص .. وهو أن نستذكر بأن هذا النص كان يقوله ويقرأه ويردده على لسانه ويتدبر معانيه الإمام أو الائمة والأولياء والعلماء والصالحين على مرّ هذه العصور .. وإذا كان النص قرآناً فإنه صادر عن الله تعالى وقد قرأه جبرائيل والنبي الأكرم صلى الله عليه وآله .. وهكذا .
فنحن اذن أمام استنطاقات لمعاني متعددة للنصّ الشرعي وأمام محاولة استسقاء لتلك البركات التي تكمن في جوانب وأعماق وتفاصيل تلك الأحرف النورانية المقدسة من خلال بعض القواعد والطرق والأساليب النافعة بهذا الخصوص .. قال تعالى ( لِنَجۡعَلَهَا لَكُمۡ تَذۡكِرَةٗ وَتَعِيَهَآ أُذُنٞ وَٰعِيَةٞ ) الحاقة ١٢
|