(أسبوع الولاية المعرفي)
يحتفي المؤمنون في الثامن عشر من ذي الحجة الحرام كُلَّ عام بعيد الغدير الأغر مع القيام بأعمال متعددة تعدُّ من خصوصياته، وعند التأمل في ذلك نرى أنَّ هناك رسالة له قد تكون جلية من جهة، وخفية من جهة أخرى ينبغي الالتفات إليها فيما يريده الغدير من المؤمنين، ومنها:
١- التأكيد على أهمية العقيدة، وأنها جزء حقيقي لا يمكن التخلي عنه في علاقة العبد بربه بأيِّ حال من الأحوال، ولا بد من تأكيدها وإعلانها والحث عليها، وعدم التواني في إظهارها، كما ورد في الآية المباركة: (يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربك).
٢- بيان عقيدة الإمامة ودورها في حفظ الشريعة المقدسة، وأنها من خلافة الله تعالى في أرضه، ويجب التمسك بها على وفق العقيدة القائمة باختيار الله -حصرًا- لحججه على العباد (إني جاعلك للناس إمامًا)، وليس لأحد شأن في هذا الاختيار، سواه عز وجل حيث يوحي إلى النبي باختياره المعهود (بلِّغ ما أنزل إليك من ربك).
٣- أهمية التأكيد على الاعتراف والإذعان لأمر الله تعالى، وتجديد ذلك العهد وأنه لا يمكن إنكاره أو نسيانه، وإظهار الحق علانية، بإقامة الحجة على الآخرين من الموالين وغيرهم، وبيان أنَّ تجديد هذا العهد والحفاظ عليه إنما هو إحياء للرسالة الإسلامية وتشريعاتها المباركة، وعدم خذلان الحق فيها، فالعقيدة بذلك يجب أنْ تكون ظاهرة لا خفاء فيها، ولا جدال، ولا رجوع عنها، وإلا فتكون النتيجة (وإنْ لم تفعل فما بلَّغت رسالته).
٤- تربية الأمة تربية عقدية قائمة على الدليل والبرهان بأحقية ذلك، مع بيان تلك المناقب العظيمة لصاحب هذا اليوم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب "عليه السلام" الذي أفنى حياته في سبيل العقيدة، وهذا ما تؤكده أهمية الحفاظ على زيارته ومعاهدتها هذا اليوم، بل ما ورد من ألفاظ زيارته الدالة على ذلك، وتعريف الناس بمقامه العظيم الذي حاول النواصب إخفاؤه وتحريفه، وبيان أنَّ منقبة يوم الغدير لا يمكن لأحد أنْ يشاركه بها مطلقًا، فهي منزلة إلهية جديدة له؛ وقد أكد الصحابة ذلك حيث (بخبخ) سيدهم عمر بن الخطاب فأعلن صراحة بيعته للإمام علي "عليه السلام" فقال: (بخٍ بخٍ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة).
٥- التأكيد على عدم خلوِّ الأرض من حجة، ولا بد أنْ يكون للناس معرفة بإمام زمانهم؛ لئلا يموتوا ميتة جاهلية كما ورد في الأثر، ويوم الغدير بكُلِّ خصوصياته قد أكد وجوب ذلك، على رغم مخافة معارضة المنافقين لذلك، ولكن الله تعاهد دينه بالنصر والعصمة والتسديد، فأخبر نبيه: (والله يعصمك من الناس)، فالبيعة للإمام يجب أنْ تبقى إلى آخر الدهر؛ لحفظ العقيدة من الجاهلية، وهي دعوة لاستذكار وتجديد العهد للإمام المهدي "عليه السلام"، والإذعان لأمر النبي به، والبخبخة لهذه البيعة بخبخة حقيقية لا زوال ولا انحراف عنها، والعهد له بتمهيد ظهوره والإعداد له، فبيعة الغدير هي بيعة للإمام والإمامة والتمسك بتعاليم الله تعالى، وهي باقية لا تزول عن حججه.
فهذا مجمل ما يريده عيد الغدير من المؤمنين، وما يمكن بيانه بإيجاز، فنرجوه تعالى أنْ نكون أهلًا لهذه الإرادة، وأنْ نعقد له البيعة في قلوبنا وأقوالنا وأفعالنا حقيقة التلبية له (لبَّيك اللهمَّ لبَّيك)، والتضحية من أجلها؛ لنكون أهلًا للقائه صلوات الله عليه عند الحوض في الآخرة.
وأما ماذا نريد نحن من عيد الغدير فسيتم بيانه في غدير قادم إنْ شاء الله وأبقانا إليه .. تحية وسلام واعتذار

خادم الثقلين
السبت ٢٢ ذو الحجة ١٤٤٥هج
٢٩ حزيران ٢٠٢٤م
|