• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مقالات في مناقب المرتضى 28. حديث المنزلة .
                          • الكاتب : حامد كماش آل حسين .

مقالات في مناقب المرتضى 28. حديث المنزلة

مقدمة:

لابد من الإشارة إننا في هذه المقالات ليس الغرض منها أضافة شيء جديد بخصوص المناقب والفضائل الخاصة بالإمام علي «عليه السلام» أو نأتي بقراءة جديدة لها، وإنما الغرض منها هو ذكر وتوضيح وأثبات تلك المناقب والفضائل ورفع بعض الشبهات عنها وكذلك رد من يحاول تفريغ تلك المناقب من خصوصيتها ومضمونها، وذلك بالاستعانة بمختلف المصادر والنقل عنها.

ومن المعلوم ان ألقاب وفضائل أمير المؤمنين علي «عليه السلام» بلغت من الكثرة والشهرة حداً لم يتمكن أعدى أعدائه من إنكارها، رغم كل الجهود التي بذلت في ذلك.

· قال الخليل بن أحمد الفراهيدي وقد سُئل عن الإمام علي «عليه السلام»: ((ماذا أقول في رجل أخفى أعداؤه فضائله حسداً، وأخفاها محبوه خوفاً، وظهر من بين ذين وذين ما ملأ الخافقين)).(1)

· وقال احمد بن حنبل عن الإمام علي «عليه السلام»: ((لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما جاء في علي)).(2)

ونتيجة لعدم إمكانية إخفاء هذه الفضائل حاولوا أن يتقاسموها، وينحلوها الى الآخرين، حتى لا تكون خصوصية للإمام علي «عليه السلام»، وهذا دليل على أن كل فضيلة لوحدها تمثل مقاماً رفيعاً، ورغم كل هذه المحاولات بقي الإمام علي «عليه السلام» صاحب الخصوصيات التي لم يشاركه فيها أحد، وقد تكلمنا في مقالات سابقة عن:

1. لقب «أمير المؤمنين»

2. لقب «قائد الغر المحجلين».

3. لقب «يعسوب الدين».

4. لقب «أبو تراب».

5. لقب «إمام المتقين».

6. منقبة «وليد الكعبة».

7. لقب ومنقبة وصفه بـــ«السيد».

8. منقبة «قسيم الجنة والنار».

9. منقبة «أول من أسلم».

10. لقب «الصديق».

11. لقب «الفاروق».

12. لقب «سيف الله المسلول».

13. لقب «ساقي الحوض».

14. لقب «ذي النورين».

15. لقب «باب مدينة العلم».

16. لقب «صاحب بيعة الغدير».

17. لقب «حامل لواء الحمد».

18. منقبة «علي مع الحق والحق مع علي».

19. منقبة «ان حب الإمام علي إيمان وبغضه نفاق».

20. لقب «سيد الثقلين»:

21. منقبة «إن الإمام علي بمنزلة الكعبة يؤتى ولا يأتي».

22. منقبة «المبيت على فراش النبي ليلة الهجرة».

23. منقبة «هجرة أمير المؤمنين علانية».

24. منقبة «حديث المؤاخاة».

25. منقبة «حديث الراية».

26. منقبة أنه «قاتل المشركين».

27. منقبة «رجحان ايمان الإمام علي على السموات السبع»

واليوم نتكلم عن منقبة «حديث المنزلة»:

تمهيد:

حديث المنزلة:

حديث المنزلة من الأحاديث الدالة على إمامة الإمام علي «عليه السلام» وذلك لأن هارون كان وزيراً لموسى وشريكه وأخاه، وكان معصوماً وأفضل الناس في عصره وأتقاهم، وكان خليفته في غيبته وقد أعطى رسول الله «صلى الله عليه وآله» هذه المنازل كلها للإمام علي «عليه السلام»، ومنها الإمامة العامة والحكومة المطلقة، ولم يستثن منها إلا النبوة.

وبما أن الإمام علي «عليه السلام» بقي بعد النبي «صلى الله عليه وآله» كان خليفته، وتُنفى عنه صفة النبوة فقط.

وأما أخوته للنبي «صلى الله عليه وآله» فثابتة للإمام علي «عليه السلام» بحديث المؤاخاة المذكور في صحاح المسلمين أجمعين، لذلك لم يستثن النبي «صلى الله عليه وآله» سوى النبوة بعده.

وقد ورد هذا الحديث بعدة طرق وفي أصح الصحاح(3) عند أهل السنة بحيث يصعب معها الطعن في الحديث ولكن رغم ذلك لجأ بعضهم إلى محاولة صرفه عن دلالته وإفراغه من محتواه، وقد جهل هؤلاء أو تجاهلوا أن رد هذا الحديث بعد ثبوته ومحاولة صرفه عن معناه، إنما هو رد على رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»، والراد عليه «صلى الله عليه وآله وسلم» راد على الله سبحانه.

ومن المؤكد أن صرف الحديث عن معناه يعد من أبشع أنواع التحريف وأقبحها، وهو تطاول على شخص رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»، وذلك بتفسير حديثه «صلى الله عليه وآله وسلم» على وفق الأهواء والأمزجة، حيث نلاحظ محاولات جاهدة، وتفسيرات عجيبة وغريبة، كلها تحاول وبشتى الوسائل أن تصرف دلالة هذا الحديث، وتفرغه من محتواه، وما ذاك إلا لأنه يهدم مذاهبهم ويتعارض مع افكارهم، وكذلك لحسد انطوت عليه نفوس أولئك الكتاب، قال تعالى: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله).(4)

ويبدو أن ذلك يعود لسببين:

- أحدهما: تواتر الحديث واشتهاره بين الفريقين لحد لا يمكن معه إنكار صدوره.

- ثانيهما: دلالته الواضحة على ولاية الإمام عـلي «عليه السلام»، وخلافته للرسول الأعـظم «صلى الله عليه وآله وسلم»، عـنـد غـيابه في حياته، وبعـد وفاته.

موارد صدور الحديث:

سنذكر هنا موارد صدور حديث المنزلة العديدة(5)، منها:

1. غزوة تبوك (غزوة العسرة):

إقترن حديث المنزلة بهذه الغزوة حتى لا نكاد نفتح كتاباً من كتب التأريخ، أو الحديث، أو التراجم، إلا ونرى الحديث مروياً في هذه المناسبة، مما يوهم أن الحديث مختص بهذا الحدث لا غير، بينما يثبت البحث والتنقيب ما يخالف ذلك، حيث نقل المحدثون روايات أخرى للحديث في مناسبات متعددة، قبل غزوة تبوك أو بعدها.

وقد روي: (... عن أبي رافع: أن معاوية عندما روى له الحديث سعد بن أبي وقاص، فأنكر ذلك، وقال: من سمع هذا معك.

فقال سعد: سمعتهُ أمّ سلمة زوج النبي «صلى الله عليه وآله».

فقال «معاوية»: قوموا بنا إليها، فقمنا جميعاً، ودخلنا عليها.

فقال لها سعد: يا أم المؤمنين إني ذكرت لمعاوية أن رسول الله قال لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، فأنكر ذلك «معاوية»، وقال: من سمعه معك، فذكرتكِ، فهل سمعت ذلك من رسول الله «صلّى الله عليه وآله وسلّم».

فقالت أمّ سلمة: أما مرة واحدة، فلا، ولكن سمعته مرارًا... الرواية).(6)

ولعلّ السبب في اقتران الحديث بغزوة تبوك يعود إلى الأمور الآتية:

‌أ. إن كثرة الروايات في هذه المناسبة يعود إلى صدور الحديث في مناسبة هامة شهدها عـدد غـفير من الصحابة، سواء منهم من خرج لغرض الجهاد، أو لغرض التوديع، ولما كان الحدث ملفتاً للنظر لما له من أثر خطير، كثر نقله، والتحديث به.

‌ب. روى سعد بن أبي وقاص هذا الحديث في مناسبات عديدة، ورواه عنه عدد كبير من التابعين، ومن بين تلك الروايات ما صدر في حديث شهير، إذ طلب منه معاوية أن يصعـد المنبر، ويلعـن عـلياً «عليه السلام» أمام الملأ وكان ذلك في المدينة وقد اجتمع الناس عند معاوية، فامتنع سعد متعللاً بأحاديث رواها عن النبي «صلّى الله عليه وآله وسلّم»، منها حديث المنزلة:

روى عامر بن سعد، عن أبيه، قال: أمر معاوية سعداً، فقال: ما يمنعك أن تسب أبا تراب.

فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله «صلى الله عليه وآله» فلن أسبه، فلأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم، سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول وقد خلّفه في بعض مغازيه.

فقال لـه علي: يا رسول الله، تخلفني مع النساء والصبيان.

فقال لـه رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي ... الحديث).(7)

‌ج. من غـير المستبعـد أن بعض المصنفين تعمد الاقتصار عـلى روايـة الحـديث بـهـذه المناسبة دون غـيرها، فلم يخـرج روايات الحـديث التي جاءت في مناسـبات أخـرى للإيهام بأن الحــديث نص في الإستخلاف في غزوة تبوك دون غـيرها لما يعـنيه الحـديث من إرادة الخلافة بوضوح لابس فيه.

2. دعـوة العشيرة:

(... عن أبي رافع، قال: قال رسول الله «صلّى الله عليه وآله» «في حديث طويل جاء فيه»: ... إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، وأنتم عشيرتي ورهطي، وإن الله لم يبعث نبياً إلا جعـل له من أهله: أخاً، ووزيراً، ووارثاً، ووصياً، وخليفة في أهله، فأيكم يقـوم فـيبايعـني عـلى أنه: أخي، ووزيري، ووصيي، ويكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي، فسكت القوم، فقال: ليقومن قائمكم أو ليكونن في غـيركم، ثم لتندمن، ثم أعاد الكلام ثلاث مرات، فقام علي، فبايعه، وأجابه).(8)

3. المؤاخـاة الأولى بـين المسلمين (المهاجرين):

روى زيد بن أبي أوفى «في حديث طويل وصف فيه المؤاخاة، وأنه «صلّى الله عليه وآله وسلّم»: آخى بين أبي بكر وعـمر، وبين عـثمان وعـبد الرحمن بن عـوف، وبين طلحة والزبير، وبين أبي الدرداء عـويمر بن زيد وسلمان الفارسي، وترك علياً لم يواخ بينه وبين أحد جاء في الحديث ما نصّه»:

(فقال علي: يا رسول الله، لقـد ذهـب روحي، وانقـطع ظهري، حين رأيتـك فعـلت هذا بأصحابك ما فعـلت غيري، فإن كان هذا من سخط عـلي، فلك العتبى والكرامة، فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: والّذي بعـثني بالحق ما أخرتك إلاّ لنفسي، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى غـير أنه لا نبي بعدي، وأنت أخي، ووارثي ... الحديث).(9)

4. المؤاخاة الثانية بين المسلمين (المهاجرين والأنصار):

- روي عن ابن عباس، قال: (لما آخى النبي «صلى الله عليه وآله» بين أصحابه، وبين المهاجرين والأنصار، فلم يواخ بين عـلي بن أبي طالب وبين أحدٍ منهم، خرج علي مغضباً، حتى أتى جدولاً من الأرض، فتوسد ذراعه، فتسفي عـليه الريح، فـطلبه النبي «صلى الله عليه وآله» حتى وجده، فوكزه برجله، فقال لـه: قم، فما صلحت إلا أن تكون أبا تراب، أغـضبت عـلي حـين آخـيت بين المهاجرين والأنـصار، ولم أؤاخ بينك وبين أحدٍ منهم، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي ... الحديث).(10)

- وروي عـن محدوج بن زيد الذهلي، أن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» لما آخى بـيـن المسلمين، أخـذ بيد عـلي فـوضعها عـلى صدره، ثم قال: ( ياعلي أنت أخي، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ... الحديث).(11)

5. و6 : رواية أسماء بنت عـميس:

في مولد الحـسن «عليه السلام»، وفي مولد الحسين «عليه السلام»:

قالت اسماء في حديث روته عن النبي «صلّى الله عليه وآله وسلّم» حول مولديهما جاء فيه:

( ثمّ قال النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» لعلي: أي شيء سميت ابني، قال: ما كنت لأسبقك بذلك، فقال: ولا أنا سابق ربي، فهبط جـبريل «عليه السلام»، فـقال: يا محـمد، إن ربـّك يـقـرئـك السلام، ويقول لك: علي منك بمنزلة هارون من موسى لكن لا نبي بعـدك، فس ابنك هـذا باسم ولـد هـارون، فـقـال: وما كان اسم ابن هارون يا جبريل، قال: شبر، فقال «صلى الله عليه وآله وسلم» : إن لساني عربي، فقال: سمِّه الحسن ففعـل «صلى الله عليه وآله وسلم».

فلما كان بعد حول ولد الحسين، فجاء نبي الله «صلى الله عليه وآله وسلم» «وذكرت مثل الأول، وساقت قصة التسمية مثل الأول»، وأن جـبـريل «عليه السلام» أمـره أن يسميه بأسم ولـد هـارون شبير، فقال النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» مثل الأول، فقال: سمّه حسيناً).(12)

ومن الواضح أن هـذا الحـديـث في مناسـبـتـيه من الأحاديث القدسية الّتي نزل بها الـوحي على النبي.

7. رواية الإمام علي «عليه السلام»:

خطب يوم صفين خطبة قال فيها: (والذي نفسي بيده لنظر إلي النبي «صلى الله عليه وآله» أضرب بين يديه بسيفي هذا، فقال: لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ علي، فقال لي: يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى).(13)

وهذا الحديث كما يفهم من الرواية صدر في واقعة اشتركا فيها معاً، وعلي «عليه السلام» يقاتل إلى جانب رسول الله «صلى الله عليه وآله» ويدافع عنه ولاقتران هذا الحديث بحديث: (لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلا علي)، فمن المرجح أن تكون الواقعة الّتي صدر الحديث فيها: واقعة أحد في السنة 3هـ.

8. يوم فتح خيبر:

- روي عن الإمام علي «عليه السلام»، قال: قال رسول الله «صلى الله عـليه وآله» يوم فتحت خيبر: (لولا أن يقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم، لقلت اليوم فيك مقالاً لا تمر على ملأ من المسلمين إلا أخـذوا من تراب رجـليك، وفـضل طهورك ليستشفوا به ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك ترثني وأرثك وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه لا نبي بعدي ...).(14)

- وعن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: لما قدم علي على رسول الله «صلّى الله عليه وآله» بفتح خيبر، وساق الحديث بنفس النص السابق.(15)

9. في عمرة رسول الله «صلى الله عليه وآله»:

عن الإمام علي «عليه السلام»، قال: (لما صدرنا من مكة إذا ابنة حمزة تنادي: يا عم، يا عم، فتناولها علي «عليه السلام»، وأخذها، فقال لصاحبته: دونك ابنة عمك، فحملتها.

فاختصم فيها: علي، وزيد، وجعفر.

فقال علي: أنا آخذها، وهي بنت عمي.

وقال جعفر: ابنة عمي، وخالتها تحتي.

وقال زيد: ابنة أخي.

فقضى رسول الله «صلى الله عليه وآله» لخالتها، وقال: الخالة بمنزلة الأم، ثم قال لعلي: أنت مني بمنزلة هارون وأنا منك، وقال لجعفر: أشبهت خلقي وخلقي، وقال لزيد: يا زيد أنت أخونا ومولانا(16)، وفي رواية عبد الله بن جعفر للحديث: (وأما أنت ياعلي فأنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة).(17)

10. المنع من الرقود في مسجد النبي:

عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: ( جاءنا رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» ونحن مضطجعون في المسجد، وفي يده عسيب رطب، فـضربنا، وقال: أترقـدون في المسجد، إنه لا يرقـد فـيه أحد، فأجـفـلنا، وأجـفـل معـنا عـلي بن أبي طالب، فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: يا عـلي إنّه يحل لك في المسجد ما يحـل لي، يا عـلي، ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة).(18)

11. حديث الرسول مع أم سلمة:

عن عبد الله بن عباس، عن النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» أنه قال لأم سلمة: (يا أم سلمة، إن علياً لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي).(19)

12. رواية أسماء بنت عميس:

أنّها سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» يقول لعلي: (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي).(20)

13. رواية أنس:

أن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»، قال: ( ياعلي أنت منّي، وأنا مـنـك، وأنـت مني بمـنـزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا يوحى إليك).(21)

14. رواية عمر بن الخطاب:

عن عبد الله بن عباس، قال: سمعت عمر بن الخطّاب وعنده جماعة فتذاكروا السابقين إلى الإسلام، فقال عـمر: أما عـلي، فـسمعـت رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» يـقـول فـيـه ثلاث خصال لوددت أن لي واحدة منهن، فكان أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، كنت: أنا، وأبو عبيدة، وأبو بكر، وجماعة من الصحابة، إذ ضرب النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» بيده على منكب علي، فقال له: ( يا علي أنت أول المؤمنين إيماناً، وأول المسلمين إسلاماً، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى).(22)

15. رواية عقيل بن أبي طالب:

قال: نازعت علياً، وجعفر بن أبي طالب في شيء، فقلت: والله ما أنتما بأحب إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» مني، إن قرابتنا لواحدة، وإن أبانا لواحد، وإن أمنا لواحدة، فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: (أنا أحب أسامة بن زيد، قلت: إني ليس عن أسامة أسألك، إنما أسألك عن نفسي، فقال: يا عقيل والله إني لأحبك لخصلتين: لقرابتك، ولحب أبي طالب إيّاك وكان أحبهم إلى أبي طالب، وأما أنت يا جعـفر، فإن خلقـك يشبه خلقي، وأنت يا عـلي، فأنت مني بمنزلة هـارون من مـوسى غـير أنه لا نبي بعدي).(23)

16. ما ورد حول قوله تعالى:(عمّ يتساءلون):

عن الإمام عـلي «عليه السلام»، قال: أقبل صخر بن حرب، حتى جـلس إلى رسول الله، فقال: الأمر بعـدك لمن، قال: لمن هو منّي بمنزلة هارون من موسى، فأنزل الله: «عـم يتساءلون»(24) يعني أهل مكة عن خلافة علي «عن النبأ العظيم الّذي هم فيه مختلفون»(25) فمنهم المصدق، ومنهم المكذب بولايته «كلاّ سيعلمون»(26) وهـو رد عليهم، سيعرفون خلافته أنها حق إذ يسألون عـنها في قبورهم، فلا يبقى ميت في شرق، ولا غرب، ولا بر، ولا بحر، إلاّ ومنكر ونكير يسألانه، يقولان للميت: من ربك، ومن نبيك، ومن إمامك).(27)

17. المنع من المبيت جنبا في المسجد:

عن أبي رافع، قال: إنّ رسول الله «صلّى الله عليه وآله» خطب الناس، فقال: ( يا أيّها الناس، إنّ الله أمر موسى وهارون أن يبنيا لقومهما بمصر بيوتاً، وأمرهما أن لا يـبيت في مسجـدهما جـنب، ولا يـقـرب فـيه النساء إلاّ هارون وذريته، وإنّ علياً منّي بمنزلة هارون من موسى، فلا يحـل لأحـد أن يقـرب النساء في مسجـدي، ولا يبيت فيه جنب إلاّ علي وذريته، فمن ساءه ذلك فهاهنا، وضرب بيده نحو الشام)،(28) ورواه حذيفة بن أسيد الغفاري.(29)

18. رواية الإمام الباقر «عليه السلام»:

قال: (بعث رسول الله «صلّى الله عليه وآله» خالد بن الوليد إلى حي يقال لهم: بنو المصطلق من بني خزيمة، وكان بينهم وبين بني مخزوم إحنة في الجاهلية، وكانوا قد أطاعوا رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»، وأخذوا منه كتاباً لسيرته عليهم، «وساق قصة غدر خالد بهم، وقدومهم بكتابهم على رسول الله «صلّى الله عليه وآله وسلّم»، فأعلمهم أنّه بريء إلى الله ممّا عمله خالد معهم، وأرسل الإمام علياً «عليه السلام» ليتلافى ما صنعه خالد، فذهب إليهم منفذاً أمره ثم عاد إليه».

فلما رجع إلى النبي «صلّى الله عليه وآله»، قال: ياعلي أخبرني بما صنعت، فقال: يا رسول الله، عمدت، فأعطيت لكل دم دية، ولكل جنين غرّة، ولكل مال مالاً، وفضلت معي فضلة، فأعطيتهم لميلغة كلابهم، وحبلة رعاتهم، وفضلت معي فضلة، فأعطيتهم لروعة نسائهم وفزع صبيانهم، وفضلت معي فضلة، فأعطيتهم لما يعلمون ومالا يعلمون، وفضلت معي فضلة، فأعطيتهم ليرضوا عنك يا رسول الله، فقال «صلّى الله عليه وآله»: أعطيتهم ليرضوا عني، رضي الله عنك، أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي).(30)

19. رواية أخرى لأنس بن مالك:

قال: بينا أنا عند رسول الله «صلّى الله عليه وآله» إذ قال: الآن يدخـل سيد المسلمين، وأمير المؤمنين، وخـير الوصيين، وأولى الناس بالنبيين، إذ طلع علي بن أبي طالب «عليه السلام»، فأخذ رسول الله «صلى الله عليه وآله» يمسح العرق من وجهه، ويمسح به وجه علي بن أبي طالب «عليه السلام» ويمسح العرق من وجه علي بن أبي طالب «عليه السلام» ويمسح به وجهه.

فقال لـه علي «عليه السلام»: يا رسول الله، نزل في شيء، قال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي، أنت أخي، ووزيري، وخير من أخلف بعدي، تقضي ديني، وتنجز وعدي، وتبين لهم ما اختلفوا فيه من بعدي، وتعلمهم من تأويل القرآن ما لم يعلموا، وتجاهدهم على التأويل، كما جاهد تهم على التنزيل).(31)

20. في حجة الوداع:

عن عمر، وسلمة، ابنا أم سلمة، ربيبا رسول الله «صلّى الله عليه وآله»، أنهما سمعا رسول الله «صلّى الله عليه وآله» يقول في حجته حجة الوداع: (علي يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظالمين، علي أخي ومولى المؤمنين من بعدي وهو مني بمنزلة هارون من موسى ألا إنّ الله تعالى ختم النبوة بي فلا نبي بعدي، وهو الخليفة في الأهـل والمؤمنين بعدي).(32)

21. حديث سلمان الفارسي:

قال سليم بن قيس: سمعت سلمان الفارسي يقول: (كنت جالساً بين يدي النبي في مرضه الـّذي قـبض فيه، فدخلت فاطمة «عـليها السلام» فلما رأت ما برسول الله «صلّى الله عليه وآله» ... (إلى أن قال):

  • أقبل النبي على علي «عليه السلام»، فقال: يا علي إنك ستلقى من قريش شدة من تظاهرهم عليك، وظلمهم لك، فإن لم تجد أعوانا فاصبر، وكف يدك ولا تلقِ بيدك إلى التهلكة، فإنك منّي بمنزلة هارون من موسى ولك بهارون أسوة حسنة إنه قال لأخيه موسى:«إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني»(33).(34)

أهم منازل هارون:

أن منازل هارون «عليه السلام» من موسى «عليه السلام» كثيرة ومتعددة وجامعة لعناوين معلومة يعرفها المتتبعون ومن تلك المنازل:

1. إن هارون «عليه السلام» كان وزيراً لموسى «عليه السلام»، فكذلك الإمام علي «عليه السلام» وزير رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم».

2. إن هارون «عليه السلام» كان شريكاً لموسى «عليه السلام» في أمره، فكذلك الإمام علي «عليه السلام» شريك رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» في أمره على الإمامة، لا النبوة المستثناة من عموم المنازل في الحديث.

3. إن هارون «عليه السلام» كان ثاني موسى «عليه السلام» في قومه، فكذلك الإمام علي «عليه السلام» ثاني رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» في أمته.

4. إن هارون «عليه السلام» كان أخاً لموسى «عليه السلام»، فكذلك الإمام علي «عليه السلام» كان أخاً لرسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» بدليل حديث المؤاخاة المتواتر نقله بين الفريقين، وعدم استثناء النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» من حديثه إلا النبوة.

5. إن هارون «عليه السلام» كان أفضل قوم موسى «عليه السلام» عند الله تعالى، وعند نبيه موسى «عليه السلام»، فكذلك الإمام علي «عليه السلام» أفضل أمة النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» عند الله تعالى وعند رسوله محمد «صلى الله عليه وآله وسلم».

6. إن هارون «عليه السلام» كان هو القائم مقام موسى «عليه السلام» في غيبته مطلقاً، فكذلك الإمام علي «عليه السلام» هو الذي يقوم مقام النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» في غيبته مطلقاً، وقد جاء التنصيص عليه جلياً، واضحاً، لا يرتاب فيه اثنان من أهل الإيمان، بقول رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: «لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي».(35)

7. إن هارون «عليه السلام» كان أعلم قوم موسى «عليه السلام»، فكذلك الإمام علي «عليه السلام» أعلم أمة رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»، وقد صرح النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» بذلك فقال: «أعلم أمتي من بعدي الإمام علي بن أبي طالب».(36)

8. إن هارون «عليه السلام» كان واجب الطاعة على يوشع بن نون وصي موسى «عليه السلام»، وغيره من أمته، فكذلك الإمام علي «عليه السلام» واجب الطاعة على الحكام أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم من أمة النبي «صلى الله عليه وآله وسلم».

9. إن هارون «عليه السلام» كان أحب الناس إلى الله تعالى وإلى كليمه موسى «عليه السلام»، فكذلك الإمام علي «عليه السلام» أحب الناس إلى الله تعالى وإلى رسوله محمد «صلى الله عليه وآله وسلم».

10. إن الله تعالى قد شد أزر نبيه موسى «عليه السلام» بأخيه هارون «عليه السلام»، فكذلك شد أزر نبيه محمد «صلى الله عليه وآله وسلم» بأخيه الإمام علي«عليه السلام».

11. إن هارون «عليه السلام» كان معصوماً من الخطأ، والنسيان، والزلل، والعصيان، فكذلك الإمام علي «عليه السلام» يكون معصوماً من الخطأ، والنسيان، والزلل، والعصيان.

فهذه منازل هارون «عليه السلام» من موسى «عليه السلام»، وقد أعطى رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» كلها للإمام علي «عليه السلام» وحده، وخصه بها دون غيره من أصحابه.

دلالات حديث المنزلة:

لقد اشتق رسول الله «صلى الله عليه وآله» حديث المنزلة من القرآن الكريم، وقام «صلى الله عليه وآله» بعقد مقارنة بين موسى وهارون من جهة، وبينه «صلى الله عليه وآله» وبين أمير المؤمنين «عليه السلام» من جهة ثانية، حيث قال «صلى الله عليه وآله»: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى).

وعند عقد هذه المقارنة نجد هناك دلالات عديدة وهامة نستكشف من خلالها عظمة ومنزلة الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام»، وهي كما يأتي:

1. علي «عليه السلام» يسمع ويرى ما يسمعه النبي «صلى الله عليه وآله» ويراه:

- قال الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام»: (ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه «صلى الله عليه وآله وسلم» فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنة، فقال: هذا الشيطان قد أيس من عبادته إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي).(37)

- ولقد قال الله سبحانه: (لقد رأى من آيات ربه الكبرى).(38)

وبضم حديث الإمام علي «عليه السلام» إلى الآية الكريمة تتضح معان جليلة ومقامات شريفة للإمام.

ويقول الإمام علي «عليه السلام»:

(وقد علمتم موضعي من رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد، يضمني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل، ولقد قرن الله به «صلى الله عليه وآله»، من لدن أن كان فطيماً، أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره، ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه، ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله «صلى الله عليه وآله» وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة، ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه «صلى الله عليه وآله» فقلت: يا رسول الله، ما هذه الرنة، فقال: هذا الشيطان قد أيس من عبادته، إنك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلا أنك لست بنبي، ولكنك لوزير، وإنك لعلى خير).(39)

2. دلالة الأخوة:

قال تعالى: (وقال موسى لأخيه هارون).(40)

فحينما يقول رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»:(أنت مني بمنزلة هارون من موسى)، فمعنى ذلك: كما كان هارون أخاً لموسى فأنت أخي يا علي.

والدليل على هذا المدعى قوله «صلى الله عليه وآله وسلم»: (يا علي أنت أخي في الدنيا والآخرة)(41) ولقد قرن «صلى الله عليه وآله» الكلام بالفعل، حينما قام «صلى الله عليه وآله» بإنزال الكلام إلى الواقع، حيث آخى بين المهاجرين والأنصار وادخر علياً «عليه السلام» لنفسه «صلى الله عليه وآله» فقد روي: (... عن عبد الله بن عمر، قال: آخى رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» بين أصحابه ولم يذكر الإمام علي «عليه السلام»، فقام وعيناه تهملان، فقال: يا رسول الله، ما لي تركتني بلا أخ، فقال له رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»، لنفسي تركتك، أنت أخي في الدنيا والآخرة).(42)

أيضاً جاء في بيانات الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» بأنه أخ لرسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»، وذلك في يوم السقيفة حينما امتنع عن البيعة، حيث قال «عليه السلام»: (يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني).

وأتي بالإمام علي «عليه السلام» إلى السقيفة إلى مجلس أبي بكر، فقال له عمر: بايع، قال: فإن لم أفعل فمه، قال: إذا والله نضرب عنقك، قال علي«عليه السلام»: إذا والله أكون عبد الله وأخاً رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» المقتول، فقال عمر: أما عبد الله المقتول فنعم، وأما أخا رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» فلا).(43)

3. دلالة الشراكة في الأمر:

قال تعالى: (وأشركه في أمري)(44)

فالإمام علي «عليه السلام» هو شريك النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» في دعوته ورسالته منذ اليوم الأول، ومنذ حديث الدار أو حديث الإنذار، حيث قال لهم المصطفى «صلى الله عليه وآله وسلم»: (أيكم يؤازرني على أن يكون أخي وخليفتي من بعدي ...)

والخليفة هو الشريك الذي يشارك من استخلفه في مهام عمله، وقد شارك الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالتبليغ، فحينما أرسل رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» أبا بكر بسورة براءة، نزل عليه «صلى الله عليه وآله وسلم» جبرائيل «عليه السلام» وقال: يا محمد إن الله يقول لك: إنه لا يبلغ عنك إلا أنت أو رجل منك، فبعث رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» عند ذلك الإمام علي «عليه السلام»، فلحق أبا بكر وأخذ الصحيفة من يده ومضى بها إلى مكة.(45)

أما في الغزوات والمعارك، فكان الإمام علي «عليه السلام» صاحب راية رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»، ووزير حربه، والتاريخ شاهد ناطق على ما قدمه الإمام «عليه السلام» في كل تلك الغزوات، وحسبنا قول المصطفى «صلى الله عليه وآله وسلم»: ضربة علي يوم الخندق «تعدل» وفي رواية «أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة)(46)، يقول العاملي في الانتصار: فهل كانت أهمية تلك الضربة لقوتها يا ترى، أم لأنها كانت مما قام به الدين واستقام.(47)

وأي فضيلة أعظم من أن يكون الإمام «عليه السلام» شريكاً للرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله وسلم» في كل شؤونه، يشاركه همومه وأحزانه، حله وترحاله، آماله وتطلعاته.

4. دلالة الوزارة:

قال تعالى: (واجعل لي وزيراً من أهلي).(48)

الوزير في اللغة: جمعه وزراء وأوزار: من يعينه الملك أو صاحب السلطة العليا في البلاد ليتولى شؤون الدولة فيستعين برأيه وتدبيره.(49)

والرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله»، استوزر الإمام علي «عليه السلام» منذ بزوغ فجر الدعوة الإسلامية حيث قال «صلى الله عليه وآله»: (فأيكم يقوم فيبايعني على أنه أخي ووزيري ووصي ..».

فسكت القوم، فقال: ليقومن قائمكم أو ليكونن في غيركم ثم لتندمن، ثم أعاد الكلام ثلاث مرات فقام علي فبايعه وأجابه).(50)

فالذي أجاب هو الإمام علي «عليه السلام» وحده، فيكون هو الوزير بلا منازع، وشؤون الوزارة هي أن يتولى المستوزر إدارة شؤون الدولة، ويمارس نفس صلاحيات صاحب السلطة في حال غيابه.

5. دلالة شد الأزر وتقوية جانب الرسول «صلى الله عليه وآله»:

قال تعالى: (اشدد به أزري).(51)

ولقد آزر الإمام «عليه السلام» الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله وسلم»، وكان له كالدرع الواقي بمهجته، يكفيه المهمات، ويصد عنه الأعداء، ويكشف عنه الكتائب إذا اعصوصبت عليه «صلى الله عليه وآله وسلم»، حتى باهى الله سبحانه به ملائكته يوم أحد، ومضمون تلك الرواية من المشهورات بين الخاصة والعامة، قال ابن أبي الحديد:

(وروى أبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد اللغوي، غلام ثعلب، ورواه أيضا محمد بن حبيب في أماليه، أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لما فر معظم أصحابه عنه يوم أحد، كثرت عليه كتائب المشركين، وقصدته كتيبة من بنى كنانة، ثم من بنى عبد مناة بن كنانة، فيها بنو سفيان بن عويف، وهم خالد بن سفيان، وأبو الشعثاء بن سفيان، وأبو الحمراء بن سفيان، وغراب بن سفيان، فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: يا علي اكفني هذه الكتيبة، فحمل عليها وإنها لتقارب خمسين فارساً، وهو «عليه السلام» راجل، فما زال يضربها بالسيف حتى تتفرق عنه ثم تجتمع عليه، هكذا مراراً حتى قتل بني سفيان بن عويف الأربعة، وتمام العشرة منها، ممن لا يعرف بأسمائهم، فقال جبرئيل «عليه السلام» لرسول الله «صلى الله عليه وآله»، يا محمد، إن هذه المواساة، لقد عجبت الملائكة من مواساة هذا الفتى فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» وما يمنعه وهو منى وأنا منه فقال جبرائيل «عليه السلام» وأنا منكما، قال: وسمع ذلك اليوم صوت من قبل السماء، لا يرى شخص الصارخ به، ينادى مراراً: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي، فسئل رسول الله «صلى الله عليه وآله» عنه، فقال هذا جبرائيل.

قلت وقد روى هذا الخبر جماعة من المحدثين وهو من الاخبار المشهورة، ووقفت عليه في بعض نسخ مغازي محمد بن إسحاق، ورأيت بعضها خالياً عنه، وسألت شيخي عبد الوهاب بن سكينة عن هذا الخبر، فقال: خبر صحيح، فقلت: فما بال الصحاح لم تشتمل عليه قال: أو كلما كان صحيحاً تشتمل عليه كتب الصحاح كم قد أهمل جامعوا الصحاح من الأخبار الصحيحة).(52)

6. دلالة الخلافة:

قال تعالى: (وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي).(53)

أحد الأمور التي تثبت للإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» بواسطة حديث المنزلة هي الخلافة، حيث يقول نبي الله موسى لأخيه هارون (اخلفني في قومي) أي كن خليفتي عليهم، ولقد أكد الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله وسلم» هذا المعنى بقوله «صلى الله عليه وآله وسلم» للإمام علي «عليه السلام»: (أنت أخي وخليفتي على أهلي وقاضي ديني ومنجز عداتي).(54)

إذن، يثبت من خلال ما مر أن أمير المؤمنين «عليه السلام» له جميع مقامات هارون باستثناء النبوة، فهو خليفة النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» في غيابه، سواء أكان ذلك الغياب في حياته، أو بعد رحيله.

الأحاديث والروايات:

لقد ذكرنا في فقرة موارد صدور حديث المنزلة جملة كبيرة من الأحاديث التي صدور حديث المنزلة مما يعنينا عن ذكر أحاديث، ولكننا هنا سوف نذكر الحديث كما روي في كتاب صحيح البخاري ومسلم ومعلوم مكانة الصحيحين عند أهل السنة وقطعية ما ورد فيهم.. فنقول:

1. حديث المنزلة في صحيح البخاري:

- (حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن سعد قال: سمعت إبراهيم بن سعد عن أبيه «أي سعد بن أبي وقاص» قال: قال النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» لعلي: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى»).(55)

- (حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن شعبة، عن الحكم، عن مصعب «مصعب بن سعد بن أبي وقاص» عن أبيه: إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» خرج إلى تبوك فاستخلف علياً فقال: أتكلفني بالصبيان والنساء قال:ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي).(56)

2. حديث المنزلة في صحيح مسلم:

- (عن سعيد بن المسيب، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: قال رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» لعلي: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي».

قال سعيد: فأحببت أن أشافه بها سعداً، فلقيت سعداً فحدثته بما حدثني به عامر فقال: أنا سمعته، قلت: أنت سمعته؟ قال: فوضع إصبعيه على أذنيه فقال: نعم، وإلا أستكتا).(57)

- (عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: أمر معاوية سعداً، فقال: ما منعك أن تسب أبا التراب، فقال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله فلن أسبه... الخ).(58)

شبهات وردود:

نص الشبهة:

ذكر ابن تيمية شبهة واهية، حيث يقول:

(النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» إنما شبه علياً بهارون في أصل الاستخلاف لا في كماله).(59)

يقصد ابن تيمية: بأنه استخلاف صوري فقط، لا واقع له، لأن الاستخلاف حسب زعمه يكون بعد الموت، لا حال الحياة فقط.

الجواب:

اعتاد ابن تيمية على تتبع فضائل الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» وإنكارها، وهذا واضح لكل من قرأ كتابات ابن تيمية ومؤلفاته، حيث أنكر كثيراً من الأحاديث التي صححها المسلمون، وحاول وبكل عناد وجاهلية محو تلك الفضائل والتقليل من أهميتها وعظمها، فقد أنكر الأحاديث الواضحات وشكك بالمسلمات.(60)

فقد ذهب هذا الناصبي مذهباً بعيداً حينما أنكر حديثاً تسالم عليه المسلمون، وهو حديث المؤاخاة، حيث يقول: (أما حديث المؤاخاة فباطل موضوع فإن النبي «صلى الله عليه وآله»لم يؤاخ أحدا).(61)

فلا غرابة بعد ذلك، حينما يحاول جاهداً، في محو كل فضيلة وصرفها عن معناها، ولا غرابة حينما يحاول يائساً عاجزاً في صرف حديث المنزلة عن معناه ومدلوله.

وللرد على هذه الشبهة الواهية:

1. الملاحظ ان ابن تيمية يحكم وبضرس قاطع بما أراده رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»، وهنا لابد من مساءلة ابن تيمية:

من أين له هذا القطع والجزم بمراد رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»، أفهل أخبرك النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» به، حتى تقطع بمراد حديثه «صلى الله عليه وآله وسلم» ومؤداه، أم اطلعت على الغيب، أم هو تقول واستنتاج أملاه الزيغ والهوى.

2. إن إنكار ابن تيمية للواضحات والمسلمات التي أثبتها المسلمون يجعل هذا الرجل في موضع الشك والريبة ولا قيمة لكلامه في ميزان البحث العلمي، حيث أن علماء المذاهب الإسلامية ومنذ أن أعلن ابن تيمية آراءه، وقفوا أمام انحرافه، وكتبوا مئات الكتب في الرد عليه، وعلى آرائه المخالفة لإجماع المسلمين، والمخالفة للكتاب والسنة الصريحة.

ومن النماذج المسلمة والتي أنكرها ابن تيمية، والتي يتضح منها أنه لا قيمة لإنكاره حديث المنزلة:

1. قال ابن تيمية عن حديث الطير: من المكذوبات الموضوعات.(62)

2. تكذيبه لحديث: (علي مع الحق والحق مع علي)، وادعاؤه أن أحداً لم يروه.(63)

3. قول ابن تيمية عن حديث: (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث.(64)

نلاحظ أن هذه الأحاديث والوقائع التي أنكرها ابن تيمية، قد أثبتها علماء أهل السنة في صحاحهم وسننهم ومسانيدهم، وابن تيمية يخطئ الجميع ويدعي عدم وجودها، فثبت من خلال ذلك أن لا قيمة علمية ولا وزن لكلام هذا الشخص.

النتيجة التي نصل لها: ان ابن تيمية أعماه بغضه فأخذ يتعامى ما هو موجود في مصادر المسلمين من أحاديث ناطقة بفضل أمير المؤمنين «عليه السلام».

الشواهد الشعرية:

1. ابو تمام الطائي:

أخوه إذا عــــد الفخـار وصهره ...

فلا مثله أخ ولا مثله صهر

  • بــــه أزر النــــبي محمد ...

كما شد من موسى بهارونه الإزر

2. ابو أسماعيل العلوي:

جعلتك منـي يا عـلي بمنـــزل ...

كهارون من موسى النجيب المكلم

3. شمس الدين المالكي:

وإنــــك منـــــي خاليا مــن نبوة ...

كهارون من موسى وحسبك فاحمد

4. الحماني الأفوه:

وأنزله منه عــلى رغمة العـدى ...

كهارون من موسى على قدم الدهر

فمن كان في أصحاب موسى وقومه ...

كهارون لا زلتم على ظلل الكفر

5. القاضي التنوخي:

  • لهم: مــــن كنت مولاه منكم ...

فهـــــذا أخي مـــــــولاه بعدي وصاحبي

أطيعـــــوه طـــــرا فهـــو مني بمنزل ...

كهارون مــــن موسى الكليم المخاطب

6. الناشيء الصغير:

ألم ترض إنا على رغمهـم ...

كموسى وهارون إذ وافقـوكـــا

ولو كـان بعدي نبي كما ...

جـعـلت الخليفة كنت الشريكـا

ولكنـنى خاتم المرسليــــن ...

وأنـــــت الخـليفة إن طاوعـكـا

وختاماً:

نسأل الله سبحانه وتعالى ان يثبتنا على ولاية محمد وآل محمد وان يوفنا للسير على نهجهم وان يرزقنا في الدنيا زيارتهم وفي الآخرة شفاعتهم، ... وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين.

 

الهوامش:

(1). تنقيح المقال ج1 ص403، سيرة الأئمة الاثني عشر لهاشم الحسني ج1ص145 ، الإمامة في ضوء الكتاب والسنة لمهدي السماوي ص229 ، وفي الكنى والألقاب للقمي ج2 ص349 نسبه للشافعي ، وفي المناقب للخوارزمي ص8: عن بعض الفضلاء ولم يسميه.

(2). فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي للمغربي ص20، الصواعق المحرقة لأبن حجر ص118، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص149، الرياض النضرة لمحب الدين الطبري ج2 ص282.

(3). ورد في صحيح البخاري ج4 ص208 ، صحيح مسلم ج4 ص1870حديث 2404، صحيح الترمذي ج ص، مسند أحمد ج3 ص32، شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج1ص149، مناقب الخوارزمي ص151.

(4). سورة النساء: الآية /54.

(5). راجع موارد صدور الحديث في كتاب حديث المنزلة للسيد عبد المطلب الموسوي الخرسان ص41.

(6). مناقب أمير المؤمنين ج1 ص508.

(7). تاريخ دمشق ج42 ص111، البداية والنهاية ج7 ص376، شواهد التنزيل ج2 ص35.

(8). الغدير ج2 ص283.

(9). تاريخ مدينة دمشق ج21 ص415 ، كنز العمال ج9 ص167، فتح الملك العلي ص48 ، الدر المنثور ج4 ص371.

(10). المعجم الأوسط ج8 ص40 ، المعجم الكبير ج11 ص63 ، المناقب ص39 ، مجمع الزوائد ج9 ص111.

(11). تاريخ مدينة دمشق ج42 ص39 ، المناقب ص60 .

(12). ذخائر العقبى ص120 ، نظم درر السمطين ص194 .

(13). وقعة صفين ص315.

(14). كفاية الطالب ص264، المناقب للخوارزمي ص129.

(15). مناقب أمير المؤمنين ج1 ص459.

(16). خصائص أمير المؤمنين ص88.

(17). تاريخ مدينة دمشق ج42ص170 , كنز العمال ج6 ص188.

(18). تاريخ مدينة دمشق ج42 ص53 ، المناقب للخوارزمي ص60 ، كفاية الطالب ص283.

(19). تاريخ مدينة دمشق ج42 ص169 ، كنز العمال ج11 ص607 ، المعجم الكبير ج12 ص15 .

(20). مسند أحمد ج6 ص369 ، المعجم الكبير ج12 ص24، تاريخ مدينة دمشق ج42 ص182.

(21). تاريخ مدينة دمشق ج42 ص179.

(22). تاريخ مدينة دمشق ج42 ص167 ، كنز العمال ج13 ص122 ، المناقب ص69 ، ذخائر الغقبى ص58.

(23). تاريخ مدينة دمشق ج7 ص54 ، كنز العمال ج6 ص188 .

(24). سورة النبأ: الآية / 1.

(25). سورة النبأ: الآيات / ( 2 - 3).

(26). سورة النبأ: الآية / 4.

(27). شواهد التنزيل ج2 ص418.

(28). علل الشرايع ج1 ص201، وسائل الشيعة ج2 ص208.

(29). علل الشرايع ج1 ص202، وسائل الشيعة ج2 ص208.

(30). علل الشرايع ج2 ص474، الأمالي للصدوق ص238.

(31). اليقين ص138

(32). الأمالي للشيخ الطوسي ص521.

(33). سورة الأعراف: الآية / 150.

(34). كتاب سليم بن قيس ص132.

(35). مسند أحمد بن حنبل ج1 ص٣٣٠.

(36). منتخب كنز العمال للمتقي الهندي بهامش مسند أحمد بن حنبل ج5 ص31.

(37). نهج البلاغة للإمام علي «عليه السلام» جمع الشريف الرضي ج2 ص157.

(38). سورة النجم: الآية / 18.

(39). نهج البلاغة للإمام علي «عليه السلام» جمع الشريف الرضي ج2 ص157.

(40). سورة الأعراف: الآية /142.

(41). الخصال، الشيخ الصدوق ص429.

(42). شرح الأخبار، القاضي النعمان المغربي ج1 ص191.

(43). الاختصاص، الشيخ المفيد ص186.

(44). سورة طه: الآية/ 32.

(45). معاني الأخبار، الشيخ الصدوق ص298.

(46). الانتصار، العاملي ج6 ص238.

(47). نفس المصدر: الانتصار، العاملي ج6 ص238.

(48). سورة طه: الآية /29.

(49). المنجد في اللغة، لويس معلوف ص898، مادة (وزر).

(50). الكشف والبيان، الثعلبي ص163. نقلا عن الغدير ج2 ص283.

(51). سورة طه: الآية /31.

(52). شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص250.

(53). سورة الأعراف: الآية /142.

(54). شرح إحقاق الحق، السيد المرعشي ج15 ص151.

(55). صحيح البخاري ج5 ص24.

(56). صحيح البخاري ج6 ص3.

(57). صحيح مسلم ج4 ص1870.

(58). صحيح مسلم ج4 ص1871.

(59). المنتقى من منهاج الاعتدال، محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي ص212.

(60). منهاج السنة، ابن تيمية ج5 ص17.

(61). منهاج السنة ج4 ص32.

(62). منهاج السنة ج7 ص371 .

(63). منهاج السنة ج4 ص238 .

(64). منهاج السنة ج7 ص55.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=194497
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2024 / 06 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15