كل حلقة من هذه السلسلة تنشر في أحد المواقع.
عن تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: قوله سبحانه "من كل فاكهة زوجان" (الرحمن 58) أي صنفان: صنف معروف، وصنف غريب أو متشاكلان كالرطب واليابس لا يقصر رطبه عن يابسه في الفضل والطيب. وقوله "ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين" (الرعد 3) أي خلق فيها من جميع أنواعها زوجين: أسود وأبيض، وحلوا وحامضا، ورطبا ويابسا، وما أشبه ذلك من الأصناف المختلفة. جاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله سبحانه "وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ" ﴿النجم 45﴾ يتكون الجنين ذكرا أو أنثى، فمن الذي أوجد الاستعداد في الجسم لهذه النطفة؟ ومن الذي أوجد فيها ملايين الخلايا الحية ؟ وهل يستطيع العلماء أن يصنعوا خلية واحدة يتكون منها ذكر أو أنثى ؟ بل هل يستطيعون أن يميزوا بين الخلية التي يتكون منها الذكر والتي تتكون منها الأنثى؟ وإذا استندت النطفة إلى أسباب طبيعية فإن هذه الأسباب تنتهي إلى السبب الأول الذي أوجد الطبيعة "وأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرى" (النجم 47). ضمير عليه يعود إلى اللَّه تعالى، والمعنى ان البعث حتم لا بد منه "وأَنَّهُ هُو أَغْنى وأَقْنى" (النجم 48). انه سبحانه كفى بعض عباده وأغناه عن الحاجة إلى غيره، وأعطى البعض الآخر ما يقتني ويدخر زيادة على ما يكفيه أي هيأ له أسباب الغنى والقنية . وقال أحد العارفين: من ذاق طعم الغنى عن الناس فقد حصل على نصيب وافر من الغنى، وان في ذلك لشرفا عظيما . قوله عز من قائل "فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ" ﴿الرحمن 52﴾ للفاكهة الواحدة نوعان كالعنب والزبيب، والتمر والرطب، والتفاح السكري وغيره.
جاء في كتاب تفسير التبيان للشيخ الطوسي: قوله عز وعلا "فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ ۙ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ ۖ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۖ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ" ﴿المؤمنون 27﴾ أخبر الله تعالى أنه لما جاء أمره باهلاك قوم نوح عليه السلام لاستحقاقهم ذلك بالكفر، وفار التنور يعني خروج الماء من موضع لم يعهد خروجه منه علامة لنوح عليه السلام وهو تنور الخبز - في قول ابن عباس والحسن ومجاهد وقيل: هو تنور آدم عليه السلام ويقال: فار إذا ارتفع ما فيه، كما يفور القدر بالغليان، فار يفور فورا وفؤرا. وقال ابن عباس: فار إذا نبع. ومعنى "فأسلك فيها" احمل فيها وادخل إلى السفينة "من كل زوجين اثنين" أي من كل زوجين، من الحيوان. اثنين: ذكرا وانثى. والزوج واحد له قرين من جنسه وقوله "قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين" (هود 40) إخبار منه تعالى أنه أمر نوحا أن يحمل معه في سفينته من كل جنس زوجين: والزوج واحد له شكل إلا أنه قد كثر على الرجل الذي له امرأة: قال الحسن: في قوله "من كل شئ خلقنا زوجين" (الذاريات 49) فالسماء زوج، والارض زوج والشتاء زوج، والصيف زوج، والليل زوج، والنهار زوج، حتى يصير الامر إلى الله الفرد الذي لا يشبهه شئ. قوله سبحانه "وجعل فيها من جميع الثمرات زوجين" (الرعد 3) أي ضربين. قال الحسن يعني لونين من كل ماخلق من البنات. والزوج يكون واحدا ويكون اثنين، وههنا واحد. وقريش تقول: للانثى زوج وللذكر زوج قال الله تعالى "اسكن انت وزوجك الجنة"(البقرة 35) (الاعراف 19) لادم.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله سبحانه "وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ" ﴿النجم 45﴾ هذه الآيات الأربع وما قبلها في الحقيقة هي بيان جامع وتوضيح طريف لمسألة إنتهاء الاُمور إليه وتدبيره وربوبيته، لأنّها تقول: إنّ موتكم وحياتكم بيده وإستمرار النسل عن طريق الزوجين بيده، وكلّ ما يحدث في الحياة فبأمره، فهو يضحك، وهو يبكي، وهو يميت، وهو يحيي، وهكذا فإنّ أساس الحياة والمعوّل عليه من البداية حتّى النهاية هو ذاته المقدّسة. صنع نوح عليه السّلام السفينة بشكل يناسب غايته في صنعها، و لتكون في غاية الكمال ثمّ تواصل الآية بأنّه إذا جاء أمر اللّه، و علامة ذلك فوران الماء في التنور، فاعلم أنّه قد اقترب وقت الطوفان، فاختر من كلّ نوع من الحيوانات زوجا (ذكر و أنثى) و اصعد به إلى السفينة: "فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَ أَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ" (المؤمنون 27) إشارة إلى زوج نوح عليه السّلام و أحد أبنائه. فكان أن تصوّر نوح أن قوله تعالى: "إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ" (المؤمنون 27) خاص بزوجته المشركة التي لم تؤمن به دون ابنه كنعان، و لذلك خاطب نوح ربّ العزّة بهذا الكلام. و ما يراه بعض المفسّرين من أن كنعان لم يكن ابن نوح حقيقة، أو أنّه كان ابنا غير شرعي، أو أنّه ابن شرعي من زوجته عن رجل آخر، بعيد عن الصواب لأنّ قوله: "إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ" (هود 46) في الواقع علة لقوله: "إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ" (هود 46) أي إنّما نقول لك إنّه ليس من أهلك فلأنّه انفصل عنك بعمله و إن كان الرباط النسبي لا يزال قائما. قوله عز من قائل "فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ" ﴿الرحمن 52﴾ يشاهد مثيله في الدنيا، والآخر لا نظير له في هذا العالم أبداً. كما فسّرها البعض أنّهما نوعان من الفاكهة صيفي وشتوي، أو يابس وطري، أو صغير وكبير، إلاّ أنّه لا يوجد دليل واضح على أي من هذه الآراء. إلاّ أنّ من المسلّم به، أنّ الفاكهة الموجودة في الجنّة متنوّعة ومختلفة تماماً عن فواكه الدنيا ولا يقاس طعم فواكه الجنّة بطعم فواكه الدنيا ومذاقها. قوله عز وجل "فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ" ﴿القيامة 39﴾ أليس من يخلق النطفة الصغيرة القذرة في ظلمة رحم الأم ويجعله خلقاً جديداً كلّ يوم، ويلبسهُ من الحياة لباساً جديداً ويهبهُ شكلاً مستحدثاً ليكون بعد ذلك إنساناً كاملاً ذكراً أو أُنثى ثم يولد من اُمّه، بقادر على إعادته.
وعن کتاب من هدى القرآن للسيد محمد تقي المدرسي: قوله تعالى "فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ" (الرحمن 52) فليس ثمة فاكهة إلا وهي موجودة، والفاكهة بالإضافة إلى فائدتها المادية للجسم، فهي لها نكهة ولذة خاصة يجدها الإنسان في منظرها على المائدة أو في الشجرة، حيث الأشكال والألوان البديعة، وفي روائحها الطيبة ومذاقها اللذيذ، ولعل اسمها مشتق من الفاكهة والتفكه وهو حديث ذوي الأنس والسرور. و السؤال: ما معنى زَوْجَانِ؟. قيل: من كل نوع صنفان، أحدهما يشبه الذي في الدنيا، والآخر يختلف عنه في حجمه ومذاقه وألوانه، مما يختص بالآخرة وهو الأفضل، قال تعالى "وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً" (البقرة 25)، وقد يكون المعنى من الزوجين: أي أن ما في الجنة الأولى موجود في الثانية، فيكون المقصود المقابلة، أو يكون المعنى: نوعين من الفاكهة الواحدة، ويحتمل معنى التكامل، بحيث تجد لكل فاكهة أخرى تكملها شكلا وفائدة، وكما نعيم الجنة يكمل بعضه بعضا، كذلك عذاب النار، فجهنم يكملها الحميم الآني. وهذا النعيم لا يحصل عليه إلا من عرف الرحمن، وقدره حق قدره، فصدق آلاءه، وخاف مقامه.
|