مقدمة:
لابد من الإشارة إننا في هذه المقالات ليس الغرض منها أضافة شيء جديد بخصوص المناقب والفضائل الخاصة بالإمام علي «عليه السلام» أو نأتي بقراءة جديدة لها، وإنما الغرض منها هو ذكر وتوضيح وأثبات تلك المناقب والفضائل ورفع بعض الشبهات عنها وكذلك رد من يحاول تفريغ تلك المناقب من خصوصيتها ومضمونها، وذلك بالاستعانة بمختلف المصادر والنقل عنها.
ومن المعلوم ان ألقاب وفضائل أمير المؤمنين علي «عليه السلام» بلغت من الكثرة والشهرة حداً لم يتمكن أعدى أعدائه من إنكارها، رغم كل الجهود التي بذلت في ذلك.
- قال الخليل بن أحمد الفراهيدي وقد سُئل عن الإمام علي «عليه السلام»: ((ماذا أقول في رجل أخفى أعداؤه فضائله حسداً، وأخفاها محبوه خوفاً، وظهر من بين ذين وذين ما ملأ الخافقين)).(1)
- وقال احمد بن حنبل عن الإمام علي «عليه السلام»: ((لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما جاء في علي)).(2)
ونتيجة لعدم إمكانية إخفاء هذه الفضائل حاولوا أن يتقاسموها، وينحلوها الى الآخرين، حتى لا تكون خصوصية للإمام علي «عليه السلام»، وهذا دليل على أن كل فضيلة لوحدها تمثل مقاماً رفيعاً، ورغم كل هذه المحاولات بقي الإمام علي «عليه السلام» صاحب الخصوصيات التي لم يشاركه فيها أحد، وقد تكلمنا في مقالات سابقة عن:
1. لقب «أمير المؤمنين».
2. لقب «قائد الغر المحجلين».
3. لقب «يعسوب الدين».
4. لقب «أبو تراب».
5. لقب «إمام المتقين».
6. منقبة «وليد الكعبة».
7. لقب ومنقبة وصفه بـــ«السيد».
8. منقبة «قسيم الجنة والنار».
9. منقبة «أول من أسلم».
10. لقب «الصديق».
11. لقب «الفاروق».
12. لقب «سيف الله المسلول».
13. لقب «ساقي الحوض».
14. لقب «ذي النورين».
15. لقب «باب مدينة العلم».
16. لقب «صاحب بيعة الغدير».
17. لقب «حامل لواء الحمد».
18. منقبة «علي مع الحق والحق مع علي».
19. منقبة «ان حب الإمام علي إيمان وبغضه نفاق».
20. لقب «سيد الثقلين»:
21. منقبة «إن الإمام علي بمنزلة الكعبة يؤتى ولا يأتي».
22. منقبة «المبيت على فراش النبي ليلة الهجرة».
واليوم نتكلم عن منقبة «هجرة أمير المؤمنين علانية»:
تمهيد:
من الأحداث التاريخية الهامة، والتي تعتبر أهم سمة ميزت طور البدء في بناء المجتمع والدولة الإسلامية، هجرة رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» من مكة الى يثرب والتي عرفت بعد ذلك بــــــ«المدينة المنورة»، ومبيت ابن عمه الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» على فراشه ومن ثم هجرته بالفواطم والمستضعفين بعد ارجاع أمانات قريش التي كانت مودعة عند رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» حيث عرف بالصادق الامين قبل الدعوة بالرسالة الاسلامية.
وقد تميزت هجرة أمير المؤمنين «عليه السلام» من بين جميع الصحابة بانها هجرة علانية، ولم تكن هجرة سرية أو تخفياً كما فعل بقية الصحابة ،وبذلك يعتبر الإمام علي «عليه السلام» هو الوحيد الذي هاجر علانية، كما سوف نذكر ذلك لاحقاً.
وقد سبق الإمام علي «عليه السلام» الصحابة إلى الهجرة وكان أكثرهم هجرة، فإنه هاجر مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» مراراً في صدر الإسلام عندما كان عدد المسلمين قليل في مكة، واهم هجراته هي:
1. الهجرة إلى الشعب:
أي شعب أبي طالب وكان المهاجرون إليه من بني هاشم، والإمام علي «عليه السلام» منهم.
2. الهجرة إلى الطائف:
بعد وفاة مؤمن قريش وشيخ الصحابة أبي طالب «عليه السلام» وخديجة الكبرى «عليها السلام» هاجر الى الطائف وذلك قبل الهجرة إلى المدينة، وكان المهاجرون إليها رسول الله «صلى الله عليه وآله» والإمام علي «عليه السلام»، وزيد بن حارثه، وأقاموا فيها عشرة أيام، وقيل: أقاموا شهراً، فدعاهم رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى الإسلام، فلم يستجيبوا اهل الطائف ثم رجعوا إلى مكة.
3. الهجرة إلى المدينة:
وهي الهجرة الأهم، وصارت هذه الهجرة مبدأ تاريخ الإسلام، ومنشأ قدرته، وتشكيل حكومته الحقة، وكان الإمام علي «عليه السلام»، قد نام في فراش النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» ليلة المبيت ونزلت في شانه: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤف بالعباد).(3)
روى الجويني والخوارزمي والحاكم والحافظ الحسكاني بالاسناد عن حكيم بن جبير، عن علي بن الحسين «عليه السلام»، أنه قال:
(أول من شرى نفسه ابتغاء رضوان الله هو علي بن أبي طالب «عليه السلام» ...).(4)
وبعد اتمام مهمة الإمام علي «عليه السلام» في مكة، هاجر ماشياً مع الفواطم بعد أن أدى ديون رسول الله «صلى الله عليه وآله» وأماناته بمكة وعمل بعهوده، وتوقف رسول الله «صلى الله عليه وآله» في مسجد قبا حتى لحق به الإمام علي «عليه السلام»، ثم دخل رسول الله «صلى الله عليه وآله» المدينة مع الإمام علي «عليه السلام».
وكان الإمام علي «عليه السلام» من أفضل مصاديق آيات الهجرة في القرآن، كقوله سبحانه وتعالى:
- (إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم).(5)
- (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب).(6)
- (والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون).(7)
في رحاب الهجرة:
قبل ذكر حديث هجرة الإمام علي «عليه السلام» علينا المرور على قصة هجرة رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» من مكة الى المدينة لنكون على بينة بقصة الهجرة أجمالاً وصولاً الى كيفية هجرة أمير المؤمنين الإمام علي «عليه السلام»، حيث كان لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» في الهجرة ثلاث مهمات عظيمة:
- المهمة الأولى:
هي القيام بدور التمويه على قريش حتى يتم تعطيلها بضع ساعات، فلا تلاحق رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» فور خروجه من مكة، وكان هذا عن طريق مبيت الإمام علي «عليه السلام» في فراش رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»، وتغطيته ببردته، بحيث إذا نظر الكفار من شق الباب حسبوا أنه رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» وأنه ما زال نائماً، فينتظرون خروجه في الصباح، فيمر وقت يتيح لرسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» الوصول إلى غار ثور دون مراقبة.
وكانت هذه المهمة هي تضحية كبيرة من الإمام علي «عليه السلام» لأن الكفار سيكونون في حالة عصبية ثائرة عندما يكتشفون الخدعة في الصباح، وقد يتهورون ويفعلون مع الإمام علي «عليه السلام» ما كانوا سيفعلونه مع رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم».
- المهمة الثانية:
هي مهمة رد الودائع التي كانت عند رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» إلى أهل مكة، وهي مهمة خطيرة، حيث إن هذه الودائع الثمينة أمانة في حوزة رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» يريد قضاءها على الوجه الأكمل، وقريش تطلبه حياً أو ميتاً فهي خطيرة وهلكة محققة لغياب كل المسلمين تقريباً، واجتماع كل المشركين على بني هاشم.
- المهمة الثالثة:
بعد اكمال المهمتين السابقين كان على الإمام علي «عليه السلام» مهمة ثالثة لا تقل خطورة عن سابقتها والهجرة بالفواطم وضعفاء المؤمنين وكان المتوقع هو خروج الإمام علي «عليه السلام» بهم سراً وخفية نظراً لكونه وحيداً ومعه النساء من الفواطم والضعفاء الذين لا يغنون وقت الحرب وكونه محاطاً بالمشركين وهم يطلبون كل مسلم ولكن الإمام علي «عليه السلام» خرج علانية وجهراً وامام اعين المشركين ... ولنترك الحديث الى حينه.
وبعد قيام الإمام علي «عليه السلام» باداء المهمتين الأوليين بكل تفاني واخلاص وبموقف بطولي وبفدائية لا تصدر الا من قبل الإمام علي «عليه السلام»، انطلق في تنفيذ المهمة الثالثة وهي الهجرة بالفواطم وضعفاء المؤمنين ... لنستمع الى حديث الهجرة كما تذكره المصادر.
مع حديث الهجرة:(8)
اجتمعت قريش في دار الندوة واتفقوا على أن يقتلوا رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»، فاختاروا عشرة أو خمسة عشر رجلاً من كل قبيلة من قريش «وكانوا عشر أو خمس عشرة قبيلة أو أكثر» ليبِيتوا(9) النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» بضربة واحدة من سيوفهم.
فأخبر الله تعالى نبيه بمكرهم فأخبر النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» الامام علي «عليه السلام» بمكر قريش وأمره أن يتغشى ببرده الحضرمي(10) وينام في فراشه.
- فقال الامام علي «عليه السلام»: أو تسلم بمبيتي هناك يا نبي الله.
- قال: نعم.
فتبسم الامام علي «عليه السلام» ضاحكاً وأهوى إلى الأرض ساجدً شكراً لله، فنام على فراشه، واشتمل ببرده الحضرمي وخرج النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» في فحمة العشاء والرصد قد أطافوا بداره ينتظرون وهو يقرأ (وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون)(11) وذهب النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» إلى الغار.
وقالوا: إن أبا بكر جاء وأمير المؤمنين «عليه السلام» نائم(12) فخاطبه وهو يحسبه نبي الله، فقال له الإمام علي «عليه السلام»: إن نبي الله انطلق نحو بئر ميمونة(13) فأدركه(14).
قالوا: وجعل المشركون يرمون الامام علي «عليه السلام» بالحجارة كما كانوا يرمون رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» وهو يتضور(15) وقد لف رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح، فهجموا عليه.
فلما بصر بهم الامام علي «عليه السلام» قد انتضوا السيوف وأقبلوا عليه يقدمهم خالد بن الوليد وثب له الامام علي «عليه السلام» فختله(16) وهمز(17) يده فجعل خالد يقمص(18) قماص البكر(19) ويرغو(20) رغاء الجمل وأخذ من يده السيف وشد عليهم بسيف خالد، فأجفلوا أمامه إجفال النعم إلى خارج الدار وتبَصروه، فإذا هو علي «عليه السلام»:
- قالوا: وإنك لعلي.
- قال: أنا علي.
- قالوا: فإنا لم نردك، فما فعل صاحبك.
- قال: لا علم لي به.(21)
فأسرعوا إلى قومهم فأخبروهم، فهبت قريش لتدارك الأمر قبل فوات الأوان وأذكوا العيون، وركبوا في طلب النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» وكان في الغار وواصلوا اقتفاء أثره إلى قرب باب الغار فوجدوا العنكبوت قد نسجت على بابه وباضت في مدخله حمامة وحشية، وغطته أغصان شجرة(22) فرجعوا عنه.
وأمهل أمير المؤمنين «عليه السلام» إلى الليلة التالية، فانطلق ليلاً هو وهند بن أبي هالة حتى دخلا الغار على رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»، فأمر الرسول الأعظم هنداً أن يبتاع له ولصاحبه بعيرين.
- فقال أبو بكر: قد كنت أعددت لي ولك يا نبي الله راحلتين، ترتحلهما إلى يثرب.
- فقال: إني لا آخذهما، ولا أحدهما إلا بالثمن.
- قال: فهي لك بذلك.
فأمر علياً «عليه السلام» فأقبضه الثمن.(23)
ثم أوصاه «صلى الله عليه وآله وسلم» بحفظ ذمته، وأداء أماناته وكانت قريش ومن يقدم مكة من العرب في الموسم يستودعون النبي «صلى الله عليه وآله وسلم»، ويستحفظونه أموالهم وأمتعتهم وأمره أن ينادي صارخاً بالأبطح غدوة وعشياً: من كان له قبل محمد أمانة فليأت، فلنؤد إليه أمانته.
وقال «صلى الله عليه وآله» للإمام علي «عليه السلام» آنئذٍ، أي بعد أن ذهب الطلب عنه «صلى الله عليه وآله»: إنهم لن يصلوا من الآن إليك يا علي بأمر تكرهه، حتى تقدم علي، فأد أمانتي على أعين الناس ظاهراً، ثم إني مستخلفك على فاطمة ابنتي، ومستخلف ربي عليكما، ومستحفظه فيكما.(24)
فأمر رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» الامام علي «عليه السلام» أن يبتاع رواحل له وللفواطم(25)، ومن أزمع الهجرة من بني هاشم.(26)
وقال أمير المؤمنين «عليه السلام» يذكر مبيته على الفراش، ومقام رسول الله «صلى الله عليه وآله»:
وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى
... ومن طاف بالبيت العتيق وبالحــجْرِ
محمد لما خــاف أن يمكــــــــــــــــــروا به
... فوقّاه ربي ذو الجـــــــــــــلال من المــــكر
وبت أراعيهم متى يأســرونني
... وقد وطنت نفسي على القتل والأسر
وبات رســـــــــــول الله في الغــــــــــــــــــــار آمناً
... هناك وفي حفــظ الإله وفي ســــــــــــتر
أقـــــــــام ثلاثاً ثم زمـــت قلائص قلائص
... يفرين الحـــصا أيما يفــــري(27)
واستمر رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» في هجرته المباركة حتى قرب من المدينة، فنزل بادئ ذي بدء في قباء(28)، في بيت عمرو بن عوف، فأراده أبو بكر على دخول المدينة، وألاصه(29) فأبى، وقال: ما أنا بداخلها حتى يقدم ابن أمي وأخي، وابنتي، يعني علياً وفاطمة «عليهم السلام».(30)
فلما أمسى فارقه أبو بكر ودخل المدينة ونزل على بعض الأنصار وبقي رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» بقباء، نازلا على كلثوم بن الهدم، ثم كتب رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» إلى أخيه علي «عليه السلام» كتاباً يأمره بالمسير إليه، وقلة التلوم(31)، وأرسل الكتاب مع أبي واقد الليثي.
- قصة هجرة أمير المؤمنين:
عندما هاجر رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» ووصل المدينة نزل في بني عمرو بن عوف بقباء، فأراده أبو بكر على دخوله المدينة، فقال: فما أنا بداخلها حتى يقدم ابن أمي وأخي وابنتي، علياً وفاطمة «عليهم السلام».
قال أبو عبيدة: قال أبي وابن أبي رافع:
ثم كتب رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» إلى علي ابن أبي طالب «عليه السلام» كتاباً يأمره فيه بالمسير إليه وقلة التلوم وكان الرسول إليه أبا واقد الليثي، فلما أتاه كتاب رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» تهيأ للخروج والهجرة فآذن من كان معه من ضعفاء المؤمنين فأمرهم أن يستللوا ويتخففوا «إذا ملا الليل بطن كل واد» إلى ذي طوى، وخرج علي «عليه السلام» بفاطمة «عليه السلام» بنت رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب، وقد قيل: هي ضباعة، وتبعهم أيمن بن أم أيمن مولى رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» وأبوه واقد رسول رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» فجعل يسوق بالرواحل فأعنف بهم.
- فقال علي «عليه السلام»: ارفق بالنسوة أبا واقد، إنهن من الضعائف.
- قال: إني أخاف أن يدركنا الطلب.
- فقال علي «عليه السلام»: أربع عليك،
ثم جعل علياً «عليه السلام» يسوق بهن سوقاً رفيقاً وهو يرتجز ويقول:
ليس إلا الله فارفع ظنكا
... يكفيك رب الناس ما أهمكا
وسار فلما شارف ضجنان أدركه الطلب سبع فوارس من قريش مستلئمين وثامنهم مولى الحارث بن أمية يدعى جناحاً.
فأقبل الإمام علي «عليه السلام» على أيمن وأبي واقد وقد تراءى القوم، فقال لهما: أنيخا الإبل وأعقلاها، وتقدم حتى أنزل النسوة، ودنا القوم فاستقبلهم الإمام علي «عليه السلام» منتضياً سيفه.
- أقبلوا عليه فقالوا: ظننت أنك يا غدار ناج بالنسوة، ارجع لا أبا لك.
- قال: فإن لم أفعل.
- قالوا: لترجعن راغماً، أو لنرجعن بأكبرك شعراً، وأهون بك من هالك.
ودنا الفوارس من النسوة والمطايا ليثوروها فحال الإمام علي «عليه السلام» بينهم وبينها، فأهوى له جناح بسيفه، فراغ الإمام علي «عليه السلام» عن ضربته، وتختله الإمام علي «عليه السلام» فضربه على عاتقه فأسرع السيف مضياً فيه حتى مس كاثبة فرسه فكان الإمام علي «عليه السلام» يشد على قدمه شد الفرس أو الفارس على فرسه فشد عليهم بسيفه وهو يقول:
خلوا سبيل الجاهد المجاهد
... آليت لا أعبد غير الواحد
فتصدع القوم عنه.
- فقالوا له: اغن عنا نفسك يا ابن أبي طالب.
- قال: فإني منطلق إلى ابن عمي رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» بيثرب فمن سره أن افري لحمه وأهريق دمه فليتبعني أو فليدن مني.
ثم أقبل على صاحبيه أيمن وأبي واقد فقال لهما: أطلقا مطاياكما.
ثم سار ظاهراً قاهراً حتى نزل ضجنان فتلوم بها قدر يومه وليلته ولحق به نفر من المستضعفين من المؤمنين وفيهم أم أيمن مولاة رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» فصلى ليلته تلك هو والفواطم أمه فاطمة بنت أسد، وفاطمة «عليها السلام» بنت رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» وفاطمة بنت الزبير يصلون لله ليلتهم ويذكرونه قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم فلن يزالوا كذلك حتى طلع الفجر فصلى الإمام علي «عليه السلام» بهم صلاة الفجر ثم سار لوجهه، فجعل وهم يصنعون ذلك منزلاً بعد منزل يعبدون الله عز وجل ويرغبون إليه كذلك حتى قدم المدينة، وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم: «الذين يذكرون الله قياما وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنآ ما خلقت هذا باطلا..»، إلى قوله: « فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى..»(32).
ولما بلغ النبي «صلى الله عليه وآله» قدومه «عليه السلام»، قال: ادعوا لي علياً.
قيل: يا رسول الله، لا يقدر أن يمشي.
فأتاه «صلى الله عليه وآله» بنفسه، فلما رآه اعتنقه، وبكى رحمة لما بقدميه من الورم، وكانتا تقطران دماً، وقال «صلى الله عليه وآله» لعلي «عليه السلام»: يا علي، أنت أول هذه الأمة إيماناً بالله ورسوله، وأولهم هجرة إلى الله ورسوله، وآخرهم عهداً برسوله، لا يحبك «والذي نفسي بيده» إلا مؤمن قد امتحن قلبه للإيمان ولا يبغضك إلا منافق أو كافر.(33)
وفي المدينة يبدأ فصل جديد من جهاد الإمام علي «عليه السلام» تحت راية رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» لإعلاء كلمة لا اله الا الله محمد رسول الله ..
وأخيراً:
فهجرة الامام علي «عليه السلام» بالمستضعفين والتي اصطلح عليها بهجرة الفواطم، هذه الهجرة مرت وراء الكواليس، دون أن تعطى حقها الذي تستحقه من الاهتمام.
لقد تميز خروج الإمام علي «عليه السلام» مهاجراً إلى الله ورسوله «صلى الله عليه وآله» عن غيره بالعلنية والجرأة، فقد تحدى قريشاً بأسرها وحده، وتحرك لأداء الودائع التي كان يؤمنها النبي «صلى الله عليه وآله»، وأعد العدة للخروج، ثم خرج في واضحة النهار وسجل له التاريخ بذلك موقفا لم يتسنى لغيره وكان سبباً في سلامة ابنة النبي فاطمة الزهراء «عليها السلام»، ومن كان معها من النساء مضافاً إلى ذلك البقية الباقية من المؤمنين المستضعفين الذين كانوا لا يجرؤون على الخروج، خوفاً من بطش قريش وكان فضل الامام علي «عليه السلام» في أنه أتاح لهم سبيل الهجرة تحت حمى سيفه البتار فأنسوا بصحبته وامنوا واقتدوا به في عبادته فأثنى الله تعالى عليهم في محكم تنزيله ولم يهنأ للامام علي «عليه السلام» بال ولم يهدأ له خاطر إلى أن أوصلهم إلى حيث النبي «صلى الله عليه وآله»، سالمين.
- شبهات وردود:
نص الشبهة:
قال أبن الأثير في كتابه أسد الغابة في معرفة الصحابة بسنده:(34)
- ((... عن عبد الله بن العباس، قال: قال لي علي بن أبي طالب: ما علمت أن أحداً من المهاجرين هاجر إلا مختفياً، إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما هم بالهجرة تقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضى في يده أسهماً، واختصر عنزته، ومضى قبل الكعبة، والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت سبعاً متمكناً، ثم أتى المقام، فصلى متمكناً، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة، وقال لهم: شاهت الوجوه، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس، من أراد أن تثكله أمه، ويوتم ولده، ويرمل زوجته، فليلقني وراء هذا الوادي، قال علي: فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علمهم وأرشدهم ومضى لوجهه)).(35)
الجواب:
كثيرا ما سمعنا من السلفية وهم يقولون ان عمر بن الخطاب هو الصحابي الوحيد الذي هاجر جهراً وامسك بسيفه وقوسه ولم يجرأ احد ان يلحقه استناداً الى هذه الرواية حتى اشتهر بين عوام اهل السنة ان هجرة عمر كانت بهذا النحو ولكن عند تفحص التأريخ والأخذ بالحقائق وليس القصص الخيالية تنكشف الينا الحقائق التي وصلنا اليها ووصل اليها بعض علماء اهل السنة قبلنا ان سند هذه الرواية في غاية الضعف حتى ان الالباني عند رده على البوطي اسقط هذه الرواية بشكل كامل واليكم كلام الالباني في تضعيف هذه الرواية:
(( قلت: وعليه مؤاخذتان:
1. قوله: «ولم يهاجر...» هذا النفي ما مستنده، فإن الرواية التي ذكرها عن علي «عليه السلام» ليس فيها شيء من ذلك وإن كان عمدة الدكتور(36) فيه إنما هو أنه لم يعلم ذلك إلا عن عمر، فالجواب أن العلماء يقولون: إن عدم العلم بالشيء لا يستلزم العلم بعدمه، وهذا إذا صدر النفي من أهل العلم فكيف إذا كان من مثل الدكتور البوطي.
2. جزمه بأن عمر هاجر علانية اعتماداً منه على رواية علي المذكورة وجزمه بأن علياً رواها وليس صواباً لأن السند بها إليه لا يصح وصاحب «أسد الغابة» لم يجزم أولا بنسبتها إليه وهو ثانياً قد ساق إسناده بذلك إليه لتبرأ ذمته ولينظر فيه من كان من أهل العلم وقد وجدت مداره على الزبير بن محمد بن خالد العثماني: حدثنا عبد الله بن القاسم الأملي (كذا الأصل ولعله الأيلي) عن أبيه بإسناده إلى علي وهؤلاء الثلاثة في عداد المجهولين فإن أحداً من أهل الجرح والتعديل لم يذكرهم مطلقاً فهل وجدهم الدكتور وعرف عدالتهم وضبطهم حتى استجاز لنفسه أن يجزم بصحة الرواية عن علي أم شأنه فيها كشأنه في غيرها إنما هو جماع حطاب أو كما تقول العامة عندنا في الشام: «خبط لزء» ثم هو إلى ذلك يدعي أنه اعتمد على الروايات الصحيحة)).(37)
هذا ما يخص الرواية ورأينا كلام الالباني ان هذه القضية ساقطة اذ الحديث يسقط بمجهول واحد فكيف بثلاثة، ولكن يبقى السؤال ماهي حقيقة هجرة عمر هل كانت جهراً نهاراً ام لا، سراً متخفياً:
في سيرة ابن هشام في هجرة عمر وقصة عياش وهشام معه:
- (قال ابن إسحاق: ثم خرج عمر بن الخطاب، وعياش بن أبي ربيعة المخزومي، حتى قدما المدينة، فحدثني نافع مولى عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر، عن أبيه عمر بن الخطاب، قال: اتعدت، لما أردنا الهجرة إلى المدينة، أنا وعياش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل السهمي التناضب من أضاة بني غفار، فوق سرف وقلنا: أينا لم يصبح عندها فقد حبس فليمض صاحباه، قال: فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة عند التناضب، وحبس عنا هشام، وفتن فافتتن).(38)
فالرواية تشير الى انهم تواعدوا بمكان يبعد عن مكة عشرة اميال وقالوا من يحبس يمضي صاحباه، اي انهم كانوا يخافون الحبس وهذا ينافي الخروج جهراً، لكن لاثبات اكثر نضع الرواية الكاملة التي فيها صريح الخروج سراً، فقد روى ابن سعد في الطبقات الكبرى:
(قال عمر بن الخطاب: فكنت قد اتعدت أنا وعياش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل التناضب من إضاءة بني غفار، وكنا إنما نخرج سراً، فقلنا: أيكم ما تخلف عن الموعد فلينطلق من أصبح عند الإضاءة.
قال عمر: فخرجت أنا وعياش بن أبي ربيعة واحتبس هشام بن العاص ففتن فيمن فتن، وقدمت أنا وعياش فلما كنا بالعقيق عدلنا إلى العصبة حتى أتينا قباء، فنزلنا على رفاعة بن عبد المنذر، فقدم على عياش بن أبي ربيعة أخواه لأمه أبو جهل والحارث ابنا هشام بن المغيرة وأمهم أسماء ابنة مخربة من بني تميم والنبي بعد بمكة لم يخرج فأسرعا السير فنزلا معنا بقباء فقالا لعياش: إن أمك قد نذرت ألا يظلها ظل، ولا يمس رأسها دهن حتى تراك، قال عمر: فقلت لعياش: والله إن يرداك إلا عن دينك، فاحذر على دينك، قال عياش: فإن لي بمكة مالاً لعلي آخذه فيكون لنا قوة، وأبر قسم أمي، فخرج معهما، فلما كانوا بضجنان نزل عن راحلته فنزلا معه فأوثقاه رباطاً حتى دخلا به مكة، فقالا: كذا يا أهل مكة فافعلوا بسفهائكم، ثم حبسوه).(39)
وهذا النص يوضح خروجهم سراً فهل سيخرج علماء السلفية ويقولون ان عمر خرج سراً واخطأنا بقولنا خرج جهراً وكذبنا على الناس ام سيسيرون على ما سارو عليه من قبل.
قال السيد جعفر مرتضى العاملي:
في كتابه الصحيح من سيرة النبي «صلى الله عليه وآله وسلم»، وهو يرد على هذه الخزعبلات والأماني:
((نحن نقطع بعدم صحة هذا الكلام، لأن عمر لم يكن يملك مثل هذه الشجاعة، وذلك:
1. لما تقدم في حديث إسلامه عن البخاري وغيره، من أنه حين أسلم اختبأ في داره خائفاً، حتى جاءه العاص بن وائل، فأجاره فخرج حينئذ.
وفي بدر تكلم وأساء الكلام، حيث كان يجبن النبي «صلى الله عليه وآله» والمسلمين.
2. إن مواقفه الحربية كانت عموماً غير مشجعة لنا على تصديق مثل هذا الكلام:
- فلقد فر في أحد، وفر في حنين، رغم أنه يرى الخطر يتهدد الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» فلا يلتفت إليه، ولا يفكر إلا في الحفاظ على نفسه.
- وأما فراره في خيبر فهو أعجب وأعجب حيث إنه كان معه من يدافع ويحامي عنه.
- أما في واقعة الخندق ففر فيها أيضاً كما أنه لم يجرؤ على الخروج إلى عمرو بن عبد ود.
- وحينما أخذ النبي «صلى الله عليه وآله» سيفاً في أحد، وقال: من يأخذ هذا السيف بحقه، فطلبه أبو بكر وعمر، فلم يعطهما إياه، وأعطاه أبا دجانة.
إلى غير ذلك مما لا مجال له هنا، ولسوف نشير إليه فيما يأتي إن شاء الله تعالى حين الكلام عن الغزوات المشار إليها.
والغريب في الأمر: أننا لم نر ولم نسمع: أن عمر، وأبا بكر، وعثمان قد قتل واحد منهم أحداً، أو بارز إنساناً، وما ذكر من ذلك قد ثبت عدم صحته.
كما أنه لم يجرح أي من هؤلاء ولا دميت له يد ولا رجل في سبيل الله، مع أن أعاظم صحابته «صلى الله عليه وآله» قد أصيبوا في الله وضحوا في سبيله، الأمر الذي يشير إلى أن هؤلاء كانوا شجعاناً في الرخاء، غير شجعان عند اللقاء.
3. لقد أشرنا فيما سبق إلى أنه لم يجرؤ على أن يأخذ رسالة النبي «صلى الله عليه وآله» للمكيين في عام الحديبية، بحجة: أن بني عدي لا ينصرونه إن أوذي.
فمن كانت هذه فعاله في تلك المواقع الصعبة هل يحتاج إلى بني عدي، أو إلى غيرهم.
4. قال أبو سفيان في فتح مكة للعباس، حينما كانا يستعرضان الألوية، فمر عمر وله زجل: «يا أبا الفضل، من هذا المتكلم، قال: عمر بن الخطاب، قال: لقد أَمِرَ أَمْرُ بني عدي بعد، «والله» قلة وذلة.
فقال العباس: يا أبا سفيان إن الله يرفع من يشاء بما يشاء، وإن عمر ممن رفعه الإسلام.(40)
5. إنهم متفقون على أن الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» كان أشجع البشر دون استثناء، بل سيأتي أن بعضهم يحاول ادعاء أشجعية أبي بكر على سائر الصحابة وإن كان سيأتي أن العكس هو الصحيح ونحن نرى في حديث الهجرة أن النبي «صلى الله عليه وآله» يختفي في الغار، حذراً من المشركين، كما أن أبا بكر يخاف ويبكي، رغم كونه مع النبي الأعظم، الذي يتولى الله رعايته وحمايته، وظهرت له آنئذ الكثير من المعجزات الدالة على ذلك.
وقد ذكر الله خوف وحزن أبي بكر في القرآن، فكيف يخاف أبو بكر ويحزن مع أنه إلى جانب رسول الله «صلى الله عليه وآله» الذي يتولى الله حمايته ورعايته، مع ادعاء محبي أبي بكر أنه أشجع الصحابة بعد الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» نعم كيف يخاف أبو بكر ولا يخاف عمر.
- ولماذا يعمل الرسول بالحزم، ويراعي جانب الحذر من قريش، ولا يفعل ذلك عمر بن الخطاب.
- ولماذا لم يحم عمر رسول الله «صلى الله عليه وآله»، حتى يخرجه من مكة إلى المدينة.
- ولماذا يرضى عمر للنبي «صلى الله عليه وآله» أن يتحمل كل هذه الصعاب والمشاق، حتى يتمكن من التخلص من الورطة التي هو فيها.
- بل إذا كان لعمر هذه الشجاعة والشدة، فلماذا يضطر النبي «صلى الله عليه وآله» إلى الهجرة، فليحمه هذا البطل الشجاع، وليرد عنه بعض ما كانت قريش تؤذيه به؟
- مع أنه تقدم: أنه حينما أسلم لم يستطع أن يحمي نفسه حتى أجاره خاله من مواصلة إلحاق الأذى به
- ثم إننا لا ندري لماذا لم يحدثنا التاريخ عن موقف مماثل لحمزة بن عبد المطلب، أسد الله وأسد رسوله، الذي شج رأس أبي جهل شجة منكرة، وعز المسلمون بإسلامه.
- ولماذا يترك النبي والهاشميين محصورين في الشعب، يكادون يهلكون جوعاً، ولا يجرؤ أحد على أن يوصل لهم شيئاً من طعام.
لأن عمر عند هؤلاء قد أسلم قبل الحصر في الشعب، وإن كنا أثبتنا في ما تقدم بشكل قاطع: أنه قد أسلم قبل الهجرة بقليل.
إلى غير ذلك من الأسئلة الكثيرة التي لن تجد لها عند هؤلاء الجواب المقنع والمفيد.
ما هي الحقيقة إذاً:
ولكن الحقيقة هي: أن هذا التهديد والوعيد إنما كان من أمير المؤمنين علي «عليه السلام»، حينما هاجر، ولحقه سبعة من المشركين في ضجنان .....
ولكن أعداء علي «عليه السلام» لم يستطيعوا أن يتحملوا أن يروا هذه الكرامة له، ولا سيما بعدما أثبت صحتها بمبيته على فراش النبي «صلى الله عليه وآله» ليلة الهجرة.
وكما كان يبيت على فراش رسول الله «صلى الله عليه وآله» مدة ثلاث سنين، يقيه بنفسه حينما كانوا محاصرين في شعب أبي طالب «رحمه الله»، فلما لم يكن إلى إنكارهم مبيته على الفراش سبيل أغاروا على فضيلته الأخرى كعادتهم فاستولوا عليها، ونسبوها إلى غيره وعظموا من شأن أبي بكر في الغار .....
بل إنهم لم يرضوا إلا أن تكون فضيلة عمر على لسان علي نفسه، كما عودونا في مناسبات كهذه، فإن ذلك أوقع في النفس، وأبعد عن الشبهة، وأدعى إلى القبول، ولكن الله تعالى يقول: «بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ...»(41)، وهكذا كان)).(42)
وبعد:
فلا تستغرب اذا وجدت مزيداً من الحزعبلات من الأقوال والقصص التي ليس لها صحة من أمثال:
1. كان عبد الله بن مسعود يقول: (ما كنا نقدر على أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر، فلما أسلم عمر قاتل قريشاً حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه).(43)
2. وثبت في صحيح البخاري عن ابن مسعود أنه قال: (ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر بن الخطاب).(44)
3. عن صهيب بن سنان الرومي، قال: (لما أسلم عمر ظهر الإسلام، ودعي إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقا، وطفنا بالبيت، وانتصفنا ممن غلظ علينا، ورددنا عليه بعض ما يأتي به).(45)
4. وحين أسلم «عمر» جاء بيت أبي جهل وضرب عليه بابه وقال: (جئت لأخبرك أني قد آمنت بالله وبرسوله محمد، وصدقت بما جاء به).(46)
5. عن سعد ابن ابي وقاص: (.....، قال رسول الله «صلى الله عليه وآله» إيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك).(47)
- الشواهد الشعرية:
قال ابو القاسم الزاهي:
من قـــــد فدا بنـــــفسه محــــــــــــــــمدا
..... ولم يكـــــن بنـــــفسه عنه حـــــــــــــــــــرص
وبــــات من فوق الفراش دونـــــه
..... وجـــــاد فيــما قد غلا وما رخــــــص
وقال أيضاً:
فــــــدى النــــبي المصطفــــــــــى بنفسه
..... إذ ضيقــــــت أعــــــداؤه أنفـــــــــــاسه
بــــــات عـــــــلى فـــــــــــــــرش النبي آمنا
..... والليــــــل قــــد طافت به أحراسه
حتــــــى إذا مــــا هجم القوم على
..... مستيقــــــظ بنــــــصله أشمـــــــــــــــــــــاسه
ثار إليهم فتــــــولوا مـــــــــــــــــــــــــــــــــــــزقـــــــا
..... يمنعــــــهم عــــــن قــربه حمــــــــــــــــــــــاسه
وختاماً:
نسأل الله سبحانه وتعالى ان يثبتنا على ولاية محمد وآل محمد وان يوفنا للسير على نهجهم وان يرزقنا في الدنيا زيارتهم وفي الآخرة شفاعتهم، ... وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين.
الهوامش:
(1). تنقيح المقال ج1 ص403، سيرة الأئمة الاثني عشر لهاشم الحسني ج1ص145 ، الإمامة في ضوء الكتاب والسنة لمهدي السماوي ص229 ، وفي الكنى والألقاب للقمي ج2 ص349 نسبه للشافعي ، وفي المناقب للخوارزمي ص8: عن بعض الفضلاء ولم يسميه.
(2). فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي للمغربي ص20، الصواعق المحرقة لأبن حجر ص118، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص149، الرياض النضرة لمحب الدين الطبري ج2 ص282.
(3). سورة البقرة: الآية: الآية / 207.
(4). فرائد السمطين ج1 ص330، مناقب الخوارزمي ص74، المستدرك للحاكم ج3 ص4، شواهد التنزيل ج1 ص 101.
(5). سورة البقرة: الآية / 2018.
(6). سورة آل عمران: الآية / 195.
(7). سورة النحل: الآية / 41.
(8). الصحيح من سيرة الامام علي «عليه السلام» للسيد جعفر مرتضى العاملي ج2 ص140، وقال حديث الهجرة: نذكر هنا ما ورد في كتب الفريقين بعضها يكمل بعض وقد ينفرد احدهما بذكر ما لم يذكره الاخر ومحاولة ترتيبها.
(9). ليبيتوا: بيت العدو ، هجم ليلا فجأَةً.
(10). برده الحضرمي: البُرْدُ، كساء مخطط يلتحف به، والحضرمي منسوب إلى «حضرموت» وهي منطقة تقع شرقي اليمن.
(11). سورة يس: الآية 9.
(12). كيف وصل أبو بكر إلى موضع رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» والرصد محيط بالبيت ولم يسمع الجالسون على الباب ما دار بين الامام علي «عليه السلام» وأبي بكر والظاهر انه لم ياتي ولعله التقى به في طريقه فأخذه معه كما في بعض الروايات، (الخرائج والجرائح ج1 ص144).
(13). بئر ميمونه: منسوبة إلى ميمون بن الحضرمي، وقيل هو اخو الصحابي العلاء بن الحضرمي، حفرها بأعلى مكة في الجاهلية قال الأزرقي: كانت آخر بئر حفرت من الآبار التي حفرت في الجاهلية، وهو من أكبر آبار مكة بعد بئر زمزم، حتى أن الناس كانوا يعتمدون عليه في أمدادهم بالمياه، وعندها قبر المنصور العباسي، وقال بعض الشعراء:
يا بئر ميمون قد هيجت لي طربا ..... يا ليت ميمون لم تحفر له بير
فلو تراهـــــــــــــا وقد جــــــــــاد الربيع بها ..... وأنبتت من أفـــــــــــــــــــــانين وتنوير
يا بئر ميمــــــون لا أخطتك غادية ..... تغدو عليك بسح غير مــبرور
(14). راجع: المناقب للخوارزمي ص73 ، المستدرك للحاكم ج3 ص133 ، مسند أحمد ج1 ص321 ، تذكرة الخواص ص34 ، شواهد التنزيل ج1 ص99 ، تاريخ الطبري ج2 ص100 ، الخصائص للنسائي ص63 ، والسيرة الحلبية ج2 ص35 ، ومجمع الزوائد ج9 ص120، وأعيان الشيعة ج1 ص237 و 376 ، والأمالي للطوسي ص466 ، مستدرك الوسائل ج5 ص155.
(15). يتضور: أي يتلوى ويتقلب.
(16). فختله: ختل الشخص، خدعه عن غفلة.
(17). همز: كلمة تدل على ضغط وعصر، ومنها همزت الشيء في كفّي.
(18). يقمص: قلق في نفور، قمصت الدابة نفرت وضربت برجليها.
(19). البَكَّرُ: الفتي من الإبل.
(20). يرغو: الرُّغاءُ، صوت ذوات الخف، رغا الجمل صَوَّتَ ، ضَجَّ.
(21). أمالي الطوسي ج2ص82 ، بحار الأنوار ج19ص61، أعيان الشيعة ج1ص237 ، حلية الأبرار ج1ص145.
(22). تاريخ الخميس ج1ص328 ، السيرة الحلبية ج2 ص37 ، البداية والنهاية ج3 ص181 ، تاريخ اليعقوبي ج2 ص39.
(23). بحار الأنوار ج19ص62 ، الأمالي للطوسي ج2 ص83 ، وفاء الوفاء ج1 ص237 ، الدرجات الرفيعة ص411.
(24). الأمالي للطوسي ج2 ص83، حلية الأبرار ج1 ص147، بحار الأنوار ج19 ص62، أعيان الشيعة ج1 ص237.
(25). هذا النص دليل: أنه لم تكن للنبي «صلى الله عليه وآله» بنت يفترض أن يهتم بشأنها سوى فاطمة «عليها السلام»، فلو كانت أم كلثوم بنتاً لرسول الله «صلى الله عليه وآله» لكان ذكرها، وأوصى بها وأمر علياً بشراء راحلة لها لتهاجر عليها.
(26). الأمالي للطوسي ج2 ص83، بحار الأنوار ج19 ص62 ،، أعيان الشيعة ج1 ص237، السيرة الحلبية ج2 ص205.
(27). بحار الأنوار ج19 ص63، مناقب آل أبي طالب ج1 ص335، المستدرك ج3 ص4، شواهد التنزيل ج1 ص131، الدر المنثور ج3 ص180، تفسير الآلوسي ج9 ص198، المناقب للخوارزمي ص127، تذكرة الخواص ص35.
(28). قباء: قُبا أصله اسم بئر، عرف المكان باسمه، وهي مساكن بني عمرو بن عوف، وهي تابعة الى المدينة، وتقع في الجهة الجنوبية الغربية الموالية لمكة، على طريقها المسمى طريق الهجرة، وهو الطريق الذي سلكه رسول الله «صلى الله عليه وآله» عندما خرج من مكة الى المدينة مهاجراً، ونزل بقباء هذه، وأقام في دار بني عمرو بن عوف، وذلك في يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، وبنى رسول الله «صلى الله عليه وآله» بقباء مسجداً سمي بمسجد قباء، وهو أول مسجد في تاريخ الإسلام، ويبعد المسجد مسافة ثلاثة ونص كم عن المسجد النبوي الشريف.
(29). ألاصه: أي حركه واراده كالذي يريد أن يقتلع الوتد من موضعه.
(30). الفصول المهمة ص35 ، أمالي الشيخ الطوسي ج2 ص83 ، إعلام الورى ص66 ، بحار الأنوار ج19 ص64 ، الخرائج والجرائح ج1 ص150 ، أعيان الشيعة ج1ص238 ، الكافي ج8ص339 ، مستدرك الوسائل ج16ص23.
(31). تلوم: تلوَّمَ في الأمر تمكّث وانتظر.
(32). سورة آل عمران: الآيات / 191 – 195.
(33). راجع: مناقب آل أبي طالب ج1 ص183 ، تاريخ مدينة دمشق ج42 ص69 ، أسد الغابة ج4 ص19.
(34). سند الرواية: «أنبأنا عبد الوهاب بن هبة الله الدقاق، إذنا، أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي، حدثنا أبو محمد الجوهري، إملاء، أنبأنا أبو الحسن علي بن أحمد الحافظ، حدثنا أبو روق أحمد بن محمد بن بكر الهزاني، بالبصرة، حدثنا الزبير بن محمد بن خالد العثماني بمصر، سنة 265، حدثنا عبد الله بن القاسم الأبلي عن أبيه، عن عقيل بن خالد، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه عن عبد الله بن العباس، قال: قال لي علي بن أبي طالب:..
(35). اسد الغابة في معرفة الصحابة لأبن الأثير الجزري ج4 ص144 حديث رقم 1197.
(36). يقصد الالباني هنا الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي مؤلف فقه السيرة والف الالباني في الرد عليه كتابه « دفاع عن الحديث النبوي والسيرة في الرد على البوطي في كتابه فقه السيرة».
(37). دفاع عن الحديث النبوي والسيرة في الرد على البوطي في كتابه فقه السيرة أليف محمد ناصر الدين الالباني ص42.
(38). سيرة ابن هشام ج2 ص85 ، ابن حجر في الاصابة ج3 ص602 وصححها ، الهيثمي في مجمع الزوائد ج6 ص61.
(39). الطبقات الكبرى لأبن سعد ج3 ص271.
(40). مغازي الواقدي ج2 ص821 ، وعن كنز العمال ج5 ص295 عن ابن عساكر من طريق الواقدي.
(41). سورة الأنبياء: الآية/ 18.
(42). الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» العلامة للسيد جعفر مرتضى العاملي ج4 ص168.
(43). نفس المصدر: السيرة النبوية لإبن كثير ج2 ص32.
(44). نفس المصدر: السيرة النبوية لإبن كثير ج2 ص32.
(45). تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص 13.
(46). السيرة الحلبية ج2 ص16.
(47). صحيح البخاري ج12 ص16.
|