غياب القلب في الصلاة هو انشغال القلب عن ذكر اللّه وعمّا في الصلاة من الركوع والسجود والقيام. فيؤدّي المصلي هذه الاعمال ويذكر الاذكار، وهو غافل عنها تماماً. وهو آفة الصلاة والذكر، فلا يضر الصلاة ويفسد الذكر مثل الغفلة والغياب.
وسبب الغياب هجوم الأفكار والخواطر على قلب المصلي أثناء الصلاة، وشرود القلب في هذا الهجوم، عن ذكر الله تعالى في الصلاة.
والسبب في هجوم الافكار والخواطر على القلب، والسبب في شرود القلب عن الصلاة هو عدم وجود تحصينات للقلب… كأي هجوم آخر يقوم به العدو على مراكزنا ومعاقلنا.
والقلب مركز ذكر اللّه ومعقله، فاذا كان القلب مزوّداً بتحصينات مكافئة لهجوم العدوّ يقاوم هذا الهجوم، ويحبطه، ويبطله، وإذا كان القلب ضعيفاً في مواجهة العدو يتعرض لا محالة لغزو واسع من ناحية الافكار والخواطر التي تهجم عليه. ونتيجة هذا الهجوم شرود القلب عن ذكر اللّه في الصلاة. وهذا الشرود هو الغياب والغفلة التي تحدثنا عنها.
وهو كما ذكرنا آفة الصلاة والذكر، وهو آفة واسعة يكثر ابتلاء الناس بها في صلاتهم، وقلما يخلو منها إنسان. وليس علاج هذا الابتلاء في الاعتزال عن الحياة ونشاطاتها وساحاتها، وإنما علاجه في تحصين القلب.
فان القلب إذا كان ضعيفاً قد يشغله ما لاقيمة له من متاع الدنيا وزينتها، كالساعة التي على معصمه والقلم الذي بيده. واذا كان القلب قوياً، محصّناً ضد هذه الهجمات فلا تخترقه دنيا هارون الرشيد وملكه وسلطانه.
تقول عائشة: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيننا نحدّثه ويحدثنا، فاذا حان وقت الصلاة فكأنه لا يعرفنا وكأننا لا نعرفه.
وهذه الوقاية والحصانة هو معنى "الزهد" الذي يرغّب اليه الاسلام. فان الزهد هو أن لا تستغرق الدنيا اهتمامات الانسان وقلبه، وليس أن لا ينال يده من الدنيا شيئاً.
فقد يملك الانسان من الدنيا الكثير، عن حلال، دون أن تستغرق الدنيا قلبه واهتمامه، وبين هذا وذاك فرق.
والذي يدعو اليه الاسلام هو الزهد بهذا المعنى، ومع ذلك فإن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) كان يكره التعرض للدنيا ومتاعها وطيباتها عن حلال، ولا يحرمه، إمعاناً في الاحتياط من هذا الابتلاء الذي يشغل الانسان عن الله تعالى وذكره، ويصيب قلبه بالشرود والغفلة. ومن عجب أن تحصين القلب يتم بالذكر والتقوى، والذكر هو أحد العاملين الرئيسيين في تحصين القلب.
|