• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : قضية رأي عام .
              • القسم الفرعي : قضية راي عام .
                    • الموضوع : السيستاني والفتنة الطائفية .
                          • الكاتب : د . شامل محسن هادي مباركه .

السيستاني والفتنة الطائفية

 منذ لحظة سقوط النظام البعثي في العراق، كان العالم يترقب ما ستؤول اليه الأمور، وكيف ينظر إلى الأكثرية من الشعب العراقي، الشيعة، للمتغيرات السياسية في بغداد.

أدرك الحاكم المدني، پول بريمر، بحكم الاغلبية، أن القرار السياسي سيكون شيعياً بإمتياز. و لتفتيت قوة الإسلام السياسي الشيعي، خطط لتقسيم الأدوار السياسية على أساس طائفي، بدأها في مجلس الحكم المؤقت الذي مثّل كل عضوٍ فيه طائفته، فكان مجلس الحكم اللّبنة الأولى للطائفية في العراق. لم يُدرك قادة الشيعة خطورة هذه الرؤية.

قادة الشيعة العراقيين ليسوا متجانسين، و لا تسيطر عليهم قيادة سياسية مركزية، فالسواد الأعظم منهم يعمل لصالح احزابهم وكتلهم السياسية بعيداً عن مصلحة البلد، بل ذهب البعض إلى تفضيل مصلحة الخارج على الداخل. ففي الوقت الذي مهدت نهاية النظام البعثي الطريق أمام حركة شيعية من جديد، تركت وراءها قيادة مفتتة لم تتحد خلف أي حزب أو تبني برنامج سياسي واحد. 

انعكست الصراعات داخل الاحزاب الإسلامية الشيعية سلباً على مستقبل العراق و وضعه الاقليمي. نتج عن ذلك فساد مؤسساته وضعف الحكومات المتعاقبة، لتكون فرصةً في تأجيج الصراع الطائفي والعرقي والقومي، والذي هيئ مساحة للدول الاقليمية بتأجيج الفتنة الطائفية. 

في زيارته لواشنطن العاصمة، وفي إثارةٍ واضحةٍ لنار الطائفية، حذّر العاهل الأردني لصحيفة واشنطن بوست في ٨ كانون الاول ٢٠٠٤ "بالهلال الشيعي"، (راجع المقال "Iraq, Jordan See Threat To Election From Iran")، ثم عقبه تصريح آخر لقناة أن بي سي الأمريكية، في نفس اليوم، بان انتخابات كانون الثاني ٢٠٠٥ في العراق ستنتج حكومة إسلامية على غرار الحكم في ايران، وستكون خطراً على دول الخليج برمّتها. (راجع اللقاء "Jordan’s Abdullah concerned Iraq may tilt toward Tehran")

ثم جاء تصريح وزير خارجية السعودية سعود الفيصل، في ٢٦ أيلول ٢٠٠٥، عن التدخل الإيراني في العراق وسعيها  لابتلاع العراق.

أما الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك فكان أشد وطأة في تصريحه على قناة العربية في ٨ نيسان ٢٠٠٦ بأن "ولاء اغلب الشيعة في المنطقة هو لايران وليس لدولهم". (راجع لقاء حسني مبارك على قناة العربية)

لم تمضِ ٢٤ ساعة على تصريح مبارك، حتى كتب المرجع المفدى آية الله العظمى السيستاني دام ظله، رسالة إلى حسني مبارك بتاريخ ٩ نيسان ٢٠٠٦، يقول فيها:

"فقد سمعنا ببالغ الاستغراب ما أدليتم به من تصريح لقناة العربية ورد فيه ان ولاء أغلب الشيعة في العراق والمنطقة ليس لدولهم، مما يعني الطعن في وطنية عشرات الملايين من أبناء هذه المنطقة والنيل من مواقفهم المشرّفة في خدمة أوطانهم.

… إذ كيف ينسى جهاد ملايين العراقيين في ثورة العشرين وتصديهم للاحتلال البريطاني ودفاعهم عن وطنهم كلما تعرض للاعتداء، وكذلك مقاومة اللبنانيين التي حرّرت معظم أراضيهم من الاحتلال الاسرائيلي، وأيضاً مقاومة رعيل كبير من أبناء الكويت عندما تعرض بلدهم للغزو والاعتداء، والموقف الحاسم لأهل البحرين في الاستفتاء على استقلالها؟

كما ان هذه الرؤية تخدش في وطنية قيادات دينية وسياسية وفكرية وثقافية بارزة أدّت أدواراً مهمة في بلدانها وساهمت بصورة فعالة في تحرّرها ونيل استقلالها وفي رقيّها وتقدمها،ولم تبخل في سبيل ذلك بشيء من النفس والأهل والمال.

وهي قبل ذلك رؤية بالغة الخطورة ولا سيما انها طرحت في وقت تمرّ فيه المنطقة بظروف شديدة الحساسية والتعقيد. وأخطر ما في هذه الرؤية انها تؤسس للتعامل مع الملايين من أبناء هذه الدول بما يقتضي التنقيص من حقوق المواطنة الثابتة لهم سواء في المجال السياسي أو الاجتماعي وحتى الفكري والثقافي، كما ان الجري وفقها يتسبّب في خلق بيئة مناسبة للمزيد من التوتر والصراع بما يستتبع ذلك مزيداً من إراقة الدماء وعدم الاستقرار مما يعيق التنمية والتقدم في المنطقة كلها."
لقراءة البيان أضغط هنا 

أوعز السيستاني الحرب الطائفية في العراق إلى الايادي الاجنبية التي عبثت بالبلد، مع حصة كبيرة للسياسيين الذي أشعلوا نار الطائفية، علاوة على عامل الفساد الذي هيئ أرضية خصبة للطائفية.

وجّهت صحيفة نوفيل أوبزرفاتر الفرنسية سؤالاً إلى السيستاني في ٢٩ آب ٢٠٠٣: هل ترى في الوقت الحاضر أن الشيعة في العراق أكثر توحداً وتعاوناً وتقارباً فيما بينهم عن قبل؟

الجواب: إذا لم تتدخل الأيادي الأجنبية في الشأن العراقي فسيكون كل الشعب في العراق أكثر انسجاماً وتقارباً لا خصوص الشيعة.

سألت مجلة (فور سايت) اليابانية السيستاني في ٧ تشرين الاول ٢٠٠٦: هل هناك حل للصراع الشيعي السني في العراق، وما هو دور الزعامات الدينية في ذلك؟

الجواب: لا يوجد صراع ديني بين الشيعة والسنة في العراق، بل هناك أزمة سياسية، ومن الفرقاء من يمارس العنف الطائفي للحصول على مكاسب سياسية وخلق واقع جديد بتوازنات مختلفة عما هي عليها الآن، وقد تسبب هذا في زجّ بعض الأطراف الأخرى أيضاً في العنف الطائفي، ويضاف إلى ذلك ممارسات التكفيريين الذين يسعون في تأجيج الصراع بين الطرفين ولهم مشروعهم المعروف.

بعد أسبوع من سؤال الصحيفة اليابانية، كتب السيستاني رسالة إلى الأمين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي، الدكتور اكمل الدين احسان اوغلي، في ١٥ تشرين الاول ٢٠٠٦، قال فيها: لا يوجد في العراق صراع طائفي بين ابنائه من الشيعة والسنة، بل توجد أزمة سياسية وهناك من يمارس العنف الطائفي للحصول على مكاسب معينة، ويضاف الى ذلك ممارسات التكفيريين الذين يسعون في تأجيج الصراع بين مختلف الاطراف خدمة لمشروعهم المعروف .

إما احتلال داعش لثلث الأراضي العراقية، فقد كانت الحصة الأكبر فيها للفساد الذي نخر بمؤسسات الدولة، والذي أسس لها احزاب السلطة الحاكمة، فقد وجّه وليام دنلوب من وكالة الصحافة الفرنسية سؤالًا إلى السيستاني في ١٧ آب ٢٠١٥: رأيكم ، ما هي الأسباب ومن يتحمّل مسؤولية وصول العراق إلى هذه المرحلة من الفساد وترهل مؤسسات الدولة ومستوى الخدمات العامّة ؟

الجواب: من المؤكد أنّه لولا استشراء الفساد في مختلف مؤسسات الدولة ولاسيّما المؤسسة الأمنية، ولولا سوء استخدام السلطة ممن كان بيدهم الأمر لما تمكّن تنظيم داعش الارهابي من السيطرة على قسم ٍكبير ٍمن الأراضي العراقية، و لما كانت هناك حاجة الى دعوة المرجعية العليا للعراقيين الى الالتحاق بالقوّات المسلّحة للدفاع عن الأرض والعِرض والمقدّسات .

حذّر السيستاني من مخاطر الفتنة الطائفية التي زهقت فيها عشرات الالاف من الضحايا، وتهجير واختفاء الكثير من ابناء الشعب، لكن أغلق السياسيون أسماعهم و سارعت الدول الاقليمية الى العبث بأمن البلد، حتى وصل العراق إلى مفترق الطرق، بين التنمية والازدهار والسلم الأهلي وبين الفتنة الطائفية.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=192036
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2024 / 03 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15