• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : شرح جملة في آية قرآنية "واعلموا أنكم ملاقوه" لقاء الله تعالى (ح 1) .
                          • الكاتب : د . فاضل حسن شريف .

شرح جملة في آية قرآنية "واعلموا أنكم ملاقوه" لقاء الله تعالى (ح 1)



قال الله تبارك وتعالى "وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ" ﴿البقرة 223﴾ وَاعْلَمُوا: وَ حرف عطف، اعْلَمُ فعل، وا ضمير، أَنَّكُم: أَنَّ حرف نصب، كُم ضمير، مُلَاقُوهُ: مُّلَاقُو اسم، هُ ضمير. جاء في تفسير الميسر: العلم: إدراك الشيء بحقيقته. قَدِّموا لأنفسكم أعمالا صالحة بمراعاة أوامر الله، وخافوا الله، واعلموا أنكم ملاقوه للحساب يوم القيامة. وبشِّر المؤمنين أيها النبي بما يفرحهم ويسرُّهم من حسن الجزاء في الآخرة. وعن تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تعالى "واعلموا أنكم ملاقوه" (البقرة 223) بالبعث فيجازيكم بأعمالكم. وعن التفسير الوسيط للدكتور محمد سيد طنطاوي: قوله جل جلاله "وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ" ﴿البقرة 223﴾ وعليكم أن تتقوه بأن تصونوا أنفسكم عن كل ما نهاكم عنه، وأن تعلموا علم اليقين أنكم ستلقونه فيحاسبكم على أعمالكم ويجازيكهم عليها بما تستحقون.
قال الله تعالى "وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ" ﴿البقرة 223﴾، و "يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ" (الانشقاق 6) قال الامام زين العابدين عليه السلام: اللهم حبب الي لقاءك. ان الانسان في الدنيا في حالة سفر ووجهته هي الاخرة للقاء الله. وعادة السفرة تتطلب الزاد وافضل الزاد التقوى "وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى" (البقرة 197). والسفر يحتاج الى واسطة نقل وهذه الواسطة هي العمرالذي يطول او يقصر. و السفر يتطلب طريق وهو رضوان محمد وال محمد عليهم السلام "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ" (ال عمران 31). والسفر يحتاج الى صاحب وصديق يساعد المسافر عند الحاجة، وهذا الصديق هو العمل الصالح. ان لذائذ الدنيا محدودة زائلة وممزوجة بالتعب. وكلما تقدم العمر ضعف الانسان. واللذة لها نهاية فنجد ان اكثر المنتحرين هم من الطبقة الغنية لانهم يصلون الى نهاية اللذة، بينما الفقراء لديهم امل العيش لحصول تلك اللذة. وكما جاء في الحديث الشريف الامل رحمة لامتي. فالطالب يأمل ان يتخرج ثم يأمل ان يحصل على وظيفة ليتزوج وينشأ عائلة. المؤمن في الدنيا دائما يشعر بانه مقصر امام الله ويحاول ان يرتقي بعلاقته مع الله لان الدنيا دار امتحان وبلاء "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا" (الملك 2) والوصول الى دار الاخرة دار اللذائذ التي لا تزول "لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ" (ق 35) و نعيم الاقامة "وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ" (التوبة 21) ورضوان من الله "وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَر" (التوبة 72) التي يسبقها رضوان الله على المؤمن في الدنيا "رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ" (التوبة 100). البصر غره طمع الدنيا فاصابه الغشاوة والقلب مرض فاصبحت العين والسمع موجودتان ولكنهما ببصيرة غير صحيحة متبعة اهواء الدنيا بدون النظر الى دار الاخرة "وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ" (العنكبوت 64) وهي لقاء الله تعالى "وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ" (البقرة 223)، و "قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" (الجمعة8). فالاخرة اما السعادة الابدية او الشقاء الابدي.
عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله سبحانه "وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ" ﴿البقرة 223﴾ أن المراد بتقديمهم لأنفسهم تقديم العمل الصالح ليوم القيامة كما قال تعالى: "يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ" (النبأ 40) وقال تعالى أيضا: "وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا" (المزمل 20)، فقوله تعالى: "وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ" (البقرة 223) إلخ، مماثل السياق لقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون" (الحشر 18)، فالمراد والله أعلم بقوله تعالى: "وقدموا لأنفسكم" (البقرة 223) تقديم العمل الصالح، ومنه تقديم الأولاد برجاء صلاحهم للمجتمع.
جاء في تفسير القرآن الكريم للسيد مصطفى الخميني: كلمة (لقي) لقي يلقاه لقاء: استقبله، وقيل: صادفه ورآه. وفي (المحيط): اللقاء يكون بموعد وغير موعد، فإذا كان بغير موعد سمي مفاجأة ومصادفة. وفي (المفردات): اللقاء: مقابلة الشئ ومصادفته معا، وقد يعبر به عن كل واحد منهما، ويقال ذلك في الإدراك بالحس وبالبصر وبالبصيرة. انتهى. والذي يظهر لي بعد الدقة والرجوع إلى موارد الاستعمال: أن ما في اللغة من تفسيره بالاستقبال في غير محله ففي الكتاب: "حتى إذا لقيا غلاما فقتله" (الكهف 74)، ولا يعتبر كون طرف اللقاء من المحسوس بالحواس الظاهرة، ومنه قوله تعالى: "لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا" (الكهف 62)، "لقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه" (ال عمران 143). ومن هنا يظهر ما في تأويلهم لقاء الله: من أنه من لقاء اليوم الآخر ويوم التلاق، وسوف يظهر تمام الكلام حول هذه الجهة في ذيل الآيات المناسبة. وما في (المحيط) وغيره: من تفسير الملاقاة واللقاء بالمصادفة، غلط جدا، فإن التصادف صفة السبب، واللقاء حاصل منه، فيقال: اللقاء الذي حصل صدفة كان كذا.
جاء في موقع رافد عن القرآن والمعاد الجسماني والروحاني للشيخ جعفر السبحاني: من المعارف القرآنية هي مسألة لقاء الله ولقاء الرب الذي جاء في غير واحد من السور بتعابير مختلفة: فتارة يعبر عنه، "بِلِقَاءِ اللَّـهِ"، قال سبحانه: "قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّـهِ" (الانعام 31). وأُخرى بـ: "لِّقَاءِ رَبِّهِمْ"، يقول سبحانه: "أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاءِ رَبِّهِمْ" (فصلت 54). وثالثة: "بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ"، قال سبحانه: "يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ".(الرعد 2). ورابعة بـ: "لِقَاءَنَا" قال سبحانه: "إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا" (يونس 7). وخامسة: "مُّلَاقُو رَبِّهِمْ" قال سبحانه: "الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ" (البقرة 46). وهذه الآيات التي وردت في الذكر الحكيم يربو عددها علىٰ 18 آية، وقد اختلف المفسرون في تفسير لقاء الله. فقد فسر بلقاء يوم القيامة تارة بشهادة قوله سبحانه: "فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا" (السجدة 14). وأُخرى بلقاء الآخرة، قال سبحانه: "وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ" (الاعراف 148). وأُخرى: بنيل الثواب والعقاب، قال سبحانه: "أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" (القصص 61)، غير أنّ العرفاء الشامخين أخذوا بحرفية تلك الكلمة وقالوا بلقاء الإنسان ربّه لقاءً قلبياً شهودياً لا لقاءً حسياً بل لقاء يدرك ولا يوصف ولا يمكن التعبير عنه باللفظ والكلمة، وقد تبنىٰ ذلك المعنى العارف الحكيم الشيخ جواد الملكي التبريزي (المتوفّى 1343 هـ) فقال في كتابه (لقاء الله) ما هذا مثاله: ثمّ إنّ المفسّرين أمام تلك الآيات على أحد رأيين: الرأي الأوّل: الأخذ بما دلّ علىٰ تنزيه الربّ من كلّ جسم وجسمانية، وبالتالي تأويل ما دلّ من الآيات والروايات على اللقاء بوجه، وهو انّ المراد هو الموت ولقاء الثواب والعقاب. الرأي الثاني: حمل ما دلّ على التنزيه بالمعرفة الحسية أو المعرفة بالكنه، وحمل ما دلّ على اللقاء أو التشبيه على المعرفة الإجمالية، ومعرفة أسمائه وصفاته التي هي مجلىٰ ذاته سبحانه. ولا يخفىٰ انّ كلا التفسيرين تفسير مجازي فانّ حمل اللقاء بلقاء الثواب والعقاب مجاز لا دليل عليه، كما أنّ تفسيره بالمعرفة الإجمالية كمعرفة أسمائه وصفاته مجاز مثله، فأين معرفة أسمائه كالعالم والقادر على وجه يليق بالحكيم من لقائه سبحانه. وهناك مسلك ثالث أدق من المسلكين تبنّاه بعض العارفين وهو انّ للّقاء مراتب بين الإمكان والاستحالة، فيجوز للممكن في سيره وسلوكه لقاء واقعي، وإن كان بالنسبة إلى الدرجات المستحيلة لقاءً غير واقعي. ثمّ أيّد ذلك بما ورد في القرآن والأدعية، فقد ورد فيهما كلمات تعرب عن تحقّق اللقاء حقيقة، نظير قول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (ولا يحرمني من النظر إلىٰ وجهك) وقوله: (ولكن تراه القلوب بحقائق الإيمان). وقول الإمام الحسين عليه السلام في المناجاة الشعبانية: (وألحقني بنور عزّك الأبهج فأكون لك عارفاً). وقوله عليه السلام: (وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلقة بعزّ قدسك)، وفي الدعاء الذي علمه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لكميل: (فهبني صبرت علىٰ عذابك فكيف أصبر علىٰ فراقك). إلى غير ذلك من الألفاظ الدالة على اللقاء الحقيقي علىٰ وجه يلازم التنزيه ويفارق التشبيه، ومع ذلك يكون هناك لقاءٌ حسب ما يمكن تحقّقه للموجود الإمكاني. ومن أراد الوقوف على التفصيل فعليه الرجوع إلىٰ كتابه.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=191673
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2024 / 03 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 16