العصب
تذكرُ العديدُ من الرواياتِ الشريفةِ أنَّ السفياني سيعملُ علىٰ الإفسادِ في الأرض، وأنّه لن يهدأ له بالٌ إلا باستئصالِ شيعةِ أهلِ البيت.
من جانبٍ آخر، فإنّ شيعةَ أهلِ البيت لن يقفوا مكتوفي الأيدي، وإنّما سيعملون علىٰ صدِّ السفياني وتقويضِ توسُّعاته الطامعة، ومن أشهرِ من يقفُ بوجهه هو اليماني والخراساني، بالإضافةِ إلىٰ بعضِ المجموعاتِ التي تخرجُ من هُنا وهُناك، ممّن أخذَ علىٰ عاتقه ردَّ كيدِه وتخليصَ شيعةِ أهلِ البيت من يده.
ومن ذلك مجموعةٌ يُقالُ لها (العصب)، فقد رويَ عن أبي جعفر قال: يبثُّ السُفياني جنودَه في الآفاق... ثم يخرجُ علىٰ الأخوص قومٌ من سوادهم، وهم العصب، عامتُهم من الكوفة والبصرة، حتىٰ يستنقذوا ما في أيديه من سبي كوفان.
ويُمكِنُ القول:
أولًا: إنَّ هذه المجموعةَ من (العصب) يتصفونَ بالقوةِ وشدِّ بعضِهم بعضًا، ويظهرُ من الروايةِ أنّهم قومٌ من أهلِ العراق، وبالتحديدِ من أهلِ الكوفةِ والبصرة، وهذا يعني أنَّ هناك تواصُلًا وتفاهُمًا وعلاقاتٍ وشيجةً وتنظيمًا لوجستيًا يكونُ بينَ الشيعةِ آنذاك، وأنّهم يعملون ضمنَ مجموعاتٍ مُنظّمةٍ ومُحكمة، وأنّهم يقومون بعملياتهم العسكريةِ بكُلِّ دقةٍ وتفاهُمٍ وانسجام.
وهذا ما يضمنُ انتصاراتِهم –ولو الجزئية- علىٰ أعتىٰ قوةٍ مُعاديةٍ لهم آنذاك، وهي قوةُ السفياني، ممّا يؤدّي إلىٰ إضعافِ قوته، وتهيئةِ الوضعِ أكثر للإمامِ المهدي.
ثانيًا: إنَّ تعبيرَ الروايةِ بأنّهم يستنقذونَ سبايا الكوفة من أيدي السفياني، يدلُّ علىٰ أنَّ السفياني سوفَ يقومُ بالأفعالِ الشنيعةِ التي تصلُ إلىٰ حدِّ سبيِ النساءِ والأطفال، الأمرُ الذي يعني أنّه ينتهكُ الحرماتِ ويتجاوزُ علىٰ الأعراض.
ثالثًا: كُلُّ ذلك يُشيرُ إلىٰ ضرورةِ العملِ علىٰ أنْ يكونَ الشيعةُ يدًا واحدةً ضدّ أطماعِ السفياني التوسُّعية، وأنّهم عندما يتآلفون ويتماسكون، فإنّهم يستطيعون ردَّ كيدِ السفياني ودحرَ أعوانه، وهذا مما يُفسِّرُ تأكيدَ الرواياتِ علىٰ ذكرِ أعمالِ السفياني الوحشيةِ بكُلِّ صراحة، ذلك لأجلِ أنْ يتنبّهَ الشيعةُ والمؤمنون لهذا الخطر، وأنْ يأخذوا كُلَّ الاحتياطاتِ اللازمةِ لمواجهته وردِّ كيده.
رابعًا: الأخوص، هو أحدُ ألقابِ السفياني، حيث رويَ عن أبي جعفر أنّه قال: إذا ظهرَ الأبقعُ مع قومٍ ذوي أجسامٍ فتكونُ بينهم ملحمةٌ عظيمةٌ ثم يظهرُ الأخوصُ السفياني الملعونُ فيقاتلهما جميعًا، فيظهرُ عليهما جميعًا...
والتعبيرُ عنه بالأخوص؛ لبيانِ إحدىٰ صفاتِه الخَلْقية، والخوصُ صفةٌ للعين، حيثُ جاءَ في معناها اللغوي: الخَوَصُ: ضِيقُ العينِ وصِغَرُها وغُؤُورُها، رجلٌ أَخْوَصُ بيّن الخَوَص أَي غائرُ العين، وقيل: الخَوَصُ أَنْ تكونَ إِحْدىٰ العينين أَصغَرَ من الأُخْرىٰ، وقيل: هو ضيقُ مَشَقّها خِلْقَةً أَو داءً، وقيل: هو غُؤُورُ العينِ في الرأْس.
وعلىٰ كُلِّ حال، فالروايةُ تُشيرُ إلىٰ دورِ مجاميعَ من الشيعةِ الذين يثورون ضدَّ السفياني ويقومونَ بردِّ اعتداءاته ضدّ الضعفاء، ويستنقذون من يأسرهم من أهلِ الكوفة.
|