كل مجموعة من حلقات هذه السلسلة تنشر في أحد المواقع.
تكملة للحلقتين السابقتين جاء في تفسير الميسر: قال الله تعلى عن القتل والجهاد في سبيل الله "فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ۚ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا" ﴿النساء 74﴾ سبيل اسم، الله اسم علم، فليجاهد في سبيل نصرة دين الله، وإعلاء كلمته، الذين يبيعون الحياة الدنيا بالدار الآخرة وثوابها. ومن يجاهد في سبيل الله مخلصًا، فيُقْتَلْ أو يَغْلِبْ، فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا. قال الله جل جلاله "وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا" ﴿النساء 75﴾ وما الذي يمنعكم أيها المؤمنون عن الجهاد في سبيل نصرة دين الله، ونصرة عباده المستضعفين من الرجال والنساء والصغار الذين اعتُدي عليهم، ولا حيلة لهم ولا وسيلة لديهم إلا الاستغاثة بربهم، يدعونه قائلين: ربنا أخرجنا من هذه القرية يعني "مكة " التي ظَلَم أهلها أنفسهم بالكفر والمؤمنين بالأذى، واجعل لنا من عندك وليّاً يتولى أمورنا، ونصيرًا ينصرنا على الظالمين؟. قال الله سبحانه "الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا" ﴿النساء 76﴾ الذين صدَقُوا في إيمانهم اعتقادًا وعملا يجاهدون في سبيل نصرة الحق وأهله، والذين كفروا يقاتلون في سبيل البغي والفساد في الأرض، فقاتلوا أيها المؤمنون أهل الكفر والشرك الذين يتولَّون الشيطان، ويطيعون أمره، إن تدبير الشيطان لأوليائه كان ضعيفًا. قال الله عز وجل "فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ۚ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا" ﴿النساء 84﴾ فجاهد أيها النبي في سبيل الله لإعلاء كلمته، لا تلزم فعل غيرك ولا تؤاخذ به، وحُضَّ المؤمنين على القتال والجهاد، ورغِّبهم فيه، لعل الله يمنع بك وبهم بأس الكافرين وشدتهم. والله تعالى أشد قوة وأعظم عقوبة للكافرين.
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قال الله عز وجل "يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا" ﴿التوبة 111﴾ الاشتراء هو قبول العين المبيعة بنقل الثمن في المبايعة. والله سبحانه يذكر في الآية وعده القطعي للذين يجاهدون في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم بالجنة، ويذكر أنه ذكر ذلك في التوراة والإنجيل كما يذكره في القرآن. وقد قلبه سبحانه في قالب التمثيل فصور ذلك بيعا، وجعل نفسه مشتريا والمؤمنين بائعين، وأنفسهم وأموالهم سلعة ومبيعا، والجنة ثمنا، والتوراة والإنجيل والقرآن سندا للمبايعة، وهو من لطيف التمثيل ثم يبشر المؤمنين ببيعهم ذلك، ويهنئهم بالفوز العظيم. قوله تعالى: " وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا" (النساء 75). " وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ " إلخ عطف على موضع لفظ الجلالة، والآية تشتمل على حث وتحريض آخر على القتال في لفظ الاستفهام بتذكير أن قتالكم قتال في سبيل الله سبحانه، وهو الذي لا بغية لكم في حياتكم السعيدة إلا رضوانه، ولا سعادة أسعد من قربه، وفي سبيل المستضعفين من رجالكم ونسائكم وولدانكم. ففي الآية استنهاض وتهييج لكافة المؤمنين وإغراء لهم: أما المؤمنون خالصو الإيمان وطاهرو القلوب فيكفيهم ذكر الله جل ذكره في أن يقوموا على الحق ويلبوا نداء ربهم ويجيبوا داعيه، وأما من دونهم من المؤمنين فإن لم يكفهم ذلك فليكفهم أن قتالهم هذا على أنه قتال في سبيل الله قتال في سبيل من استضعفه الكفار من رجالهم ونسائهم وذراريهم فليغيروا لهم وليتعصبوا. والإسلام وإن أبطل كل نسب وسبب دون الإيمان إلا أنه أمضى بعد التلبس بالإيمان الأنساب والأسباب القومية فعلى المسلم أن يفدي عن أخيه المسلم المتصل به بالسبب الذي هو الإيمان، وعن أقربائه من رجاله ونسائه وذراريه إذا كانوا على الإسلام فإن ذلك يعود بالآخرة إلى سبيل الله دون غيره. وهؤلاء المستضعفون الذين هم أبعاضهم وأفلاذهم مؤمنون بالله سبحانه بدليل قوله: " الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا " إلخ، وهم مع ذلك مذللون معذبون يستصرخون ويستغيثون بقولهم: ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها، وقد أطلق الظلم، ولم يقل: الظالم أهلها على أنفسهم، وفيه إشعار بأنهم كانوا يظلمونهم بأنواع التعذيب والإيذاء وكذلك كان الأمر. وقد عبر عن استغاثتهم واستنصارهم بأجمل لفظ وأحسن عبارة فلم يحك عنهم أنهم يقولون: يا للرجال، يا للسراة، يا قوماه، يا عشيرتاه بل حكى أنهم يدعون ربهم ويستغيثون بمولاهم الحق فيقولون: " رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها " ثم يشيرون إلى النبي صلى الله عليه وآله وإلى من معه من المؤمنين المجاهدين بقولهم: " وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً" (النساء 75)، فهم يتمنون وليا، ويتمنون نصيرا لكن لا يرضون دون أن يسألوا ربهم الولي والنصير.
جاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قال الله عز من قائل "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" ﴿البقرة 190﴾ بين سبحانه أمر الجهاد فقال مخاطبا للمؤمنين "وقاتلوا" أي مع الكفار "في سبيل الله" أي دين الله وهو الطريق الذي بينه للعباد ليسلكوه على أمرهم به ودعاهم إليه "الذين يقاتلونكم" قيل أمروا بقتال المقاتلين دون النساء وقيل أنهم أمروا بقتال أهل مكة والأولى حمل الآية على العموم إلا من أخرجه الدليل "ولا تعتدوا" أي ولا تجاوزوا من قتال من هومن أهل القتال إلى قتال من لم تؤمروا بقتاله وقيل معناه لا تعتدوا بقتال من لم يبدأكم بقتال. "إن الله لا يحب المعتدين" ظاهره يقتضي أن يسخط عليهم لأنه على جهة الذم لهم وقد ذكرنا معنى المحبة لهم فيما مضى واختلف في الآية هل هي منسوخة أم لا فقال بعضهم منسوخة على ما ذكرناه وروي عن ابن عباس ومجاهد أنها غير منسوخة بل هي خاصة في النساء والذراري وقيل أمر بقتال أهل مكة وروي عن أئمتنا عليهم السلام أن هذه الآية ناسخة لقوله "كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة" وكذلك قوله "واقتلوهم حيث ثقفتموهم" ناسخ لقوله "ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم". قال الله عزت قدرته "وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ" ﴿آل عمران 167﴾ "وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا" وهم عبد اللّه بن أبي سلول واتباعه "وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا" عن قومكم وبلادكم وحفائظكم ان لم تكن لكم رغبة في الجهاد في سبيل اللّه "قالُوا" في التعلل والنفاق مع ان العدو نزل بعدته وعديده بساحتهم وهو يتغيظ حنقا. والقتال معلوم بمجاري العادة واحوال العرب "لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ" وكذبوا "هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ" بنفاقهم "أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ" (ال عمران 167) من النفاق والتحيز للكفر.
جاء في موقع دار الولاية للثقافة والاعلام عن بحوث قرآنية الشهيد في القرآن: الشهاده في سبيل الله على الرغم من تكرار لفظ الشهادة في القرآن الكريم كما نوهنا اليه سابقا لم يرد شئ منها بمعنى القتل في سبيل الله سوى في ثلاث آيات قد تتحمل هذا المعنى حسب تصريح المفسرين وهي هذه: 1ـ "وَمَن يُطِع الله والرسولَ فاولئكَ مَعَ الذينَ أنعم اللهُ عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا" (النساء 69). قال الطبري: الشهداء جمع شهيد وهو المقتول في سبيل الله، سمى بذلك لقيامه بشهادة الحق في جنب الله حتى قتل. وقال الطبرسي: وهو المقتول في سبيل الله، وليست الشهادة في القتل الذي هو معصيته، لكنها حال المقتول في اخلاص القيام بالحق لله مقرا وداعيا اليه الى ان قال وقيل الشهادة هي الصبر على ما امر الله به من قتال عدوه، وانما سمي الشهيد شهيداً لقيامه بشهادة الحق على جهة الاخلاص، واقراره به ودعائه اليه حتى قتل. وقيل: انما سمي شهيدا لأنه من شهداء الآخرة على الناس، وانما يستشهدهم الله بفضلهم وشرفهم، فهم عدول الاخرة عن الجبائي. وقال القرطبي ما معناه: هم الذين شهدوا بالحق وسبقوا الى الايمان بالنبي، او الذين قتلوا في سبيل الله. وفي تفسير الجلالين: هم القتلى في سبيل الله. وقال البيضاوي: قسمهم يعني الذين انعم الله عليهم اربعة اقسام بحسب منازلهم في العلم والعمل وحّث كافة الناس على ان لا يتأخروا منهم، وهم الأنبياء الفائزون بكمال العلم والعمل، المتجاوزون حد الكمال الى درجة التكميل، ثم الصديقون الذين صعدت نفوسهم تارة بمراقى النظر في الحجج والآيات، واخرى بمعارج التصفية والرياضات إلى أوج العرفان حتى اطلعوا على الأشياء، واخبروا عنها على ماهي عليها، ثم الشهداء الذي أدّى بهم الحرص على الطاعة والجد في إظهار الحق، حتى بذلوا مهجهم في اعلاء كلمة الله، ثم الصالحون الذين صرفوا اعمارهم في طاعته واموالهم في مرضاته. ولك ان تقول: المنعم عليهم هم العارفون بالله، وهؤلاء اما ان يكونوا بالغين درجة العيان، او واقفين في مقام الاستدلال و البرهان، والأولون إما ان ينالوا مع العيان القرب بحيث يكونون كمن يرى الشيء قريبا، وهم الانبياء عليهم الصلاة والسلام، اولا فيكونون كمن يرى الشيء من بعيد، وهم الصديقون، والآخرون إما ان يكون عرفانهم بالبراهين القاطعة، وهم العلماء الراسخون الذين هم شهداء الله في ارضه، واما ان يكون بامارات اقناعات تطمئن اليها نفوسهم، وهم الصالحون. وقد اتينا بكلام البيضاوي على طوله لان فيه بيانا لسياق الآية وللمناسبة بين الشهداء والذين اردفهم الله اياهم من الانبياء و الصديقين والصالحين، فان ذلك ربما يُلقى ضوء اكثر على ما هو المعنى بالشهداء، فرأينا البيضاوي يفسر الشهداء تارة، بالذين ادى بهم الحرص على الطاعة والجد في اظهار الحق، حتى بذلوا مهجهم في اعلاء كلمة الله، واخرى بالعلماء الراسخين الذين هم شهداء الله في ارضه. واما الفخر الرازي فبعد ان نفى أي فضل في من قتله الكفار قال: الشهيد فعيل بمعنى الفاعل، وهو الذي يشهد بصحة دين الله تارة بالحجه والبيان، واخرى بالسيف والسنان، فالشهداء هم القائمون بالقسط، وهم الذين ذكرهم في قوله: "شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولوا العلم قائما بالقسط" ويقال للمقتول في سبيل الله شهيد من حيث انه بذل نفسه في نصرة دين الله، وشهادته له بأنه الحق، وما سواه هو الباطل، وإذا كان شهداء الله بهذا المعنى كان من شهداء الله في الاخرة كما قال "وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس". فالرازي هنا لا يرى صلة بين الشهداء هنا وبين القتلى في سبيل الله إلاّ من حيث انهم يشهدون بصحة دين الله وانهم القائمون بالقسط، والشهداء على الناس فسياق هذه الآية عنده سياق ساير الايات التي تقدم الكلام عنها.
تكملة للحلقتين السابقتين جاء في شبكة المعارف الاسلامية الثقافية عن الشهيد في الإسلام: خامساً: ركنا الشهادة ووجهاها: 1 للشهادة ركنان: الأوّل: قدسية الهدف، والموت على طريق تحقيق هذا الهدف المقدس، أي أن يكون "في سبيل الله". الثاني: أن تكون الشهادة قد تمت عن علم ووعي. 2 للشّهادة وجهان: الأول: وجهٌ مقدّس في انتسابها للمقتول. الثاني: وجهٌ بشعٌ إجرامي في انتسابها للقاتل. الشهادة بما تحمله من صفات سامية كالوعي، والاختيار وقدسية الهدف وخلوها من الميول الذاتية عملٌ بطولي يبعث على الإعجاب والافتخار. هذا النوع من (الموت) هو وحده الذي يفوق (الحياة) عظمة وقدسية وأهمية. وهنا ينبغي أن نشير إلى ظاهرة مؤسفة تطغى على مجالس ذكر الحسين بن علي عليهما السلام. هذه المجالس تضفي على مقتل الحسين عليه السلام طابع النوع الثالث من الموت، أي موت الإنسان البريء الذي ذهبَ دمه هدراً، مع أنّ هذه المجالس تذكر الحسين عليه السلام على أنّه "شهيد" بل "سيِّد الشُّهداء". كثير من الموالين لآل البيت يذرفون الدموع على مظلومية سيد الشهداء، وكأنَّهم يبكون على طفلٍ بريءٍ ذهب ضحية أهواء طاغية من الطغاة. لو كان الحسين عليه السلام كذلك، لو كان مظلوماً عديم الدور في حادث مقتله، كسائر المقتولين ظلماً وعدواناً، لما كان شهيداً، فما بالك بكونه سيد الشهداء. ليس من الصحيح أن نحصر الحسين عليه السلام في إطار الإنسان الذي ذهب ضحية أهواء الطواغيت. نعم، الوجه الآخر لفاجعة كربلاء يمثل بشاعة القاتلين وإجرامهم واستفحال أهوائهم الدنيئة. لكن الوجه الآخر الذي يرتبط بالحسين عليه السلام هو الشهادة، أي المقاومة الواعية الذكية على طريق الهدف المقدس. فمع علم الحسين عليه السلام بالمصير الذي سيواجهه نتيجة مواقفه المتصلبة رفض البيعة مع الطغاة رفضاً باتّاً وأبى السكوت واعتبر المداهنة معصية ما بعدها معصية. تاريخ الحسين عليه السلام وما سجّله في التاريخ من كلمة وعمل، أوضح دليل على ما نقول. الشهادة تكسب إذن قداستها من صفتها التضحوية الواعية على طريق الهدف المقدس.
|