بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئاً وَأُولَـئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ{10}
الاية الكريمة في مورد بيان حال الذين يكفرون بآيات الله عز وجل , حيث العذاب واقع بهم لا محالة , في ذلك الحين , ليس هناك تأثيرا للاموال والاولاد .
ما يلفت نظر المتأمل موقعين في هذه الاية الكريمة :
1- ( أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم ) : حيث تقدم ذكر الاموال على الاولاد , في حين ان الولد غالبا ما يكون اغلى من المال عند الاعم الاغلب من الناس .
2- ( وَأُولَـئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ ) : النار تحتاج الى وقود كي تبقى مستعرة , وكلما زاد الوقود ازدادت لهيبا وتأججا , لذا فمن ابرز انواع ذلك الوقود هم الكفار ! .
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ{11}
تضرب الاية الكريمة مثلا للذين كفروا في الاية السابقة , آل فرعون والذين من قبلهم ( عاد – ثمود .. وغيرهم ) لقد كفروا بالله وبرسله , فعاقبهم الله عز وجل بذنوبهم , ولم يستطيعوا درء العذاب عن انفسهم بكل ما لديهم من الاموال والاولاد , لا في الدنيا ولا في الحياة الاخرة , رغم انهم كانوا يتمتعون بثروات كبيرة , وكثرة عددية ! .
قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ{12}
الاية الكريمة في محل توجيه الخطاب للذين كفروا بلسان النبي الكريم محمد (ص) , فيخبرهم بأمرين :
1- ( سَتُغْلَبُون ) : سينتصر الله جل وعلا لدينه بالمؤمنين .
2- ( وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ) : الهزيمة وحدها ليست كافية , بل سيردفها مصير مشئوم .
اللافت للنظر في الاية الكريمة ( وَبِئْسَ الْمِهَادُ ) , حيث وصفت جهنم بالمهاد ( الفراش ) , الذي لا يرغب احد فيه ! .
قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ{13}
تستمر الاية الكريمة بتوجيه الخطاب للكافرين , وتضرب لهم مثلا بواقعة بدر الكبرى , حيث التقت فئتان , فئة تقاتل في سبيل الله عز وجل , بقيادة النبي محمد (ص) , وكان عددهم قليل , وفئة كافرة بقيادة جهابذة الكفار , لديهم من العدة والعدد ما يكفي لمحو اثار الفئة الاولى , لكن الله جل وعلا ينصر من يشاء , فكان النصر في الجانب الذي كان فيه رسول الله (ص) .
الملفت للنظر ان الاية الكريمة ذكرت ان الكفار كانوا يرون جيش المؤمنين مضاعف العدد , مما اثر على معنوياتهم , وكان ذلك من اهم اسباب انتصار المؤمنين ذلك اليوم , وما يلفت النظر ايضا , ان الاية الكريمة اختتمت بــ ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ ) ! .
لا غرابة في ذلك , اذا كان قائد جيش المؤمنين هو النبي محمد (ص) , حيث قسم (ص) الجيش الى عدة اقسام , ووضعهم في اماكن معينة , وامرهم بردم الابار كي لا يستفاد من ماءها الكفار , ربما كان في مواضع جيش المؤمنين ما يسبب نوعا من انواع خداع البصر لمن كانوا في الجهة المقابلة ! .
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ{14}
ذكرت الاية الكريمة متع وملذات الحياة الدنيا بشكل موجز ولطيف , ورتبتها حسب الاولوية , فكانت :
1- ( حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء ) : حيث متعة النساء تعد افضل متع الحياة الدنيا , اما اهميتها فمعروفة في حفظ و استمرار وجود الكائن البشري .
2- ( وَالْبَنِينَ ) : يأتي بعد متعة النساء , متعة البنين , حيث يعبر عنها القران الكريم في اية كريمة اخرى {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً }الكهف46 .
3- ( وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ) : الاموال بكل ما لها ولمالكها من هيبة وسطوة في الوقت الحاضر , {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً }الكهف46 .
4- ( وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ ) : عشقت الشعوب الخيل , فأهتموا بها اهتماما كبيرا .
5- ( وَالأَنْعَامِ ) : كافة الحيوانات الداجنة , ويدرج معها الحيوانات التي تستعمل كوسيلة نقل في الماضي , ووسائل النقل في العصر الحاضر .
6- ( وَالْحَرْثِ ) : الاراضي المزروعة بأنواع الاشجار , سواء كانت مما يحصد ويباع , او ما كان منها للزينة فقط .
يلتفت المتأمل الى امر جميل , وموضوع طريف في الاية الكريمة , فقد ذكرت حب الرجال الى النساء ولم تذكر العكس , فالنساء لديهن حب كبير للرجال , لم تذكره الاية الكريمة , في ذلك نقول , ان الاسلام يعتبر المرأة كجوهرة ثمينة , فيحافظ عليها , ويحميها من كل خطر داهم , مهما كان صغيرا , حيث تمتاز المرأة بالحياء , فحافظت الاية الكريمة على حيائها , ولو انها ذكرت حب المرأة للرجل , لكان ذلك مما يخدش ويجرح حيائها , فعمدت الاية الكريمة الى ذكر غريزة الرجل تجاه المرأة علنا , واضمرت العكس ! .
وهذا من اطرف طرائف القرآن الكريم , التي يجب ان نتوقف عندها ونتأملها بشكل جيد ! .
قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ{15}
هذه الاية الكريمة تاتي في محل مقارنة مع سابقتها التي ذكرت متع وملذات الحياة الدنيا , فأوجزت بشكل جميل ما في الحياة الاخرة , وتركت الخيار مفتوحا :
1- ( جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ) : حيث ان جنات الحياة الدنيا زائلة , لأي سبب كان , كما وان صاحبها لابد وان يداهمه هادم اللذات ( الموت ) , اما تلك الجنات التي ذكرتها الاية الكريمة فأنها خالدة واصحابها خالدون فيها ! .
2- ( وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ) : لا حيض ولا نفاس ولا أي شيء يكره ان يرى في أزواج الحياة الاخرة ( الحور العين ) .
3- ( وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ ) : هنا يجب ان يكسر سنان القلم , فلا شيء يمكن ان يصف جمال ومتع وملذات هذه المنزلة , منزلة الرضوان ! .
بقي ان نقول ان ملذات ونعيم الاخرة لا يناله الا من اتقى الله عز وجل ( لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ ) .
الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ{16}
ذكرت الاية الكريمة السابقة نعيم الحياة الاخرة , و ذكرت ان كل تلك النعم والملذات هي محصورة في ( لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ ) , فعرجت الاية الكريمة على بيان حالهم , حيث انهم في توجه دائم وانقطاع تام له عز وجل , يدعونه كما ينبغي :
1- ( رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا ) : يقدمون ايمانهم به عز وجل على طلبهم .
2- ( فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا ) : ومن ثم يسألونه عز وجل ان يغفر لهم ذنوبهم , ما ظهر منها وما بطن .
3- ( وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) : يسألونه جل وعلا ان يقيهم ويجنبهم عذاب النار .
الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ{17}
ذكرت سابقتها الكريمة اقوال وادعية المتقين , فعمدت هذه الاية الكريمة الى ذكر جانبا من افعالهم . |