قال الله تعالى عن كلمة يئس ومشتقاتها "الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ" ﴿المائدة 3﴾ يئس فعل، يئس اي انقطع او ارتد، الآن انقطع طمع الكفار من دينكم أن ترتدوا عنه إلى الشرك بعد أن نصَرْتُكم عليهم، فلا تخافوهم وخافوني، و "وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ" ﴿هود 9﴾ ليئوس: قنوط من رحمة الله، ولئن أعطينا الإنسان مِنَّا نعمة من صحة وأمن وغيرهما، ثم سلبناها منه، إنه لَشديد اليأس من رحمة الله، جَحود بالنعم التي أنعم الله بها عليه، استيأسوا: يئسوا، و اليأس: انتفاء الطمع، و هو القنوط و انقطاع الأمل، و "فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا ۖ قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ ۖ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ" ﴿يوسف 80﴾ اسْتَيْأَسُوا: اسْتَيْـَٔسُ فعل، وا ضمير، استيأسوا منه: يئسوا من إجابة يوسف لهم، فلما يئسوا من إجابته إياهم لِمَا طلبوه انفردوا عن الناس، وأخذوا يتشاورون فيما بينهم، و "يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" ﴿يوسف 87﴾ ييأس فعل، ييأس: يتبين، يعلم، و اليأس في الأصل القنوط،، قال يعقوب: يا أبنائي عودوا إلى مصر فاستقصوا أخبار يوسف وأخيه، ولا تقطعوا رجاءكم من رحمة الله، إنه لا يقطع الرجاء من رحمة الله إلا الجاحدون لقدرته، الكافرون به، و "حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ" ﴿يوسف 110﴾ استيأس فعل، اْسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ: أيس الرسل من تصديق قومهم، ولا تستعجل أيها الرسول النصر على مكذبيك، فإن الرسل قبلك ما كان يأتيهم النصر عاجلا لحكمة نعلمها، حتى إذا يئس الرسل من قومهم، وأيقنوا أن قومهم قد كذبوهم ولا أمل في إيمانهم، جاءهم نصرنا عند شدة الكرب، و "أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا" ﴿الرعد 31﴾ ييأس فعل، أَفَلَمْ يَيْأَسِ: أفلم يعلم و يتبين.
عن تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قوله تعالى "وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ" (الطلاق 4) المراد بالارتياب الشك في يأسهن من المحيض أهو لكبر أم لعارض، فالمعنى: واللائي يئسن من المحيض من نسائكم وشككتم في أمر يأسهن أهو لبلوغ سنهن سن اليأس أم لعارض فعدتهن ثلاثة أشهر. وقوله: "يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ" (الممتحنة 13) المراد بالآخرة ثوابها، والمراد بالكفار الكافرون بالله المنكرون للبعث، وقيل: المراد مشركوا مكة واللام للعهد، و "من" في "مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ" (الممتحنة 13)لابتداء الغاية. والجملة بيان لشقائهم الخالد وهلاكهم المؤبد ليحذر المؤمنون من موالاتهم وموادتهم والاختلاط بهم والمعنى: قد يئس اليهود من ثواب الآخرة كما يئس منكرو البعث من الموتى المدفونين في القبور. وقيل: المراد بالكفار الذين يدفنون الموتى ويوارونهم في الأرض من الكفر بمعنى الستر. وقيل: المراد بهم كفار الموتى و "من" بيانية والمعنى: يئسوا من ثواب الآخرة كما يئس الكفار المدفونون في القبور منه لقوله: "إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله" (البقرة 161). قوله تعالى "حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا" (يوسف 110) إلى آخر الآية ذكروا أن يأس واستيئس بمعنى، ولا يبعد أن يقال: إن الاستيئاس هو الاقتراب من اليأس بظهور آثاره لمكان هيئة الاستفعال وهو مما يعد يأسا عرفا وليس باليأس القاطع حقيقة. وقوله "حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ" (يوسف 110) متعلق الغاية بما يتحصل من الآية السابقة والمعنى تلك الرسل الذين كانوا رجالا أمثالك من أهل القرى وتلك قراهم البائدة دعوهم فلم يستجيبوا وأنذروهم بعذاب الله فلم ينتهوا حتى إذا استيئس الرسل من إيمان أولئك الناس، وظن الناس أن الرسل قد كذبوا أي أخبروا بالعذاب كذبا جاء نصرنا فنجيء بذلك من نشاء وهم المؤمنون ولا يرد بأسنا أي شدتنا عن القوم المجرمين. قوله تعالى "فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا" (يوسف 80) إلى آخر الآية قال في المجمع: اليأس قطع الطمع من الأمر يقال يئس ييأس وأيس يأيس لغة، واستفعل مثل استيأس واستأيس. قال: ويئس واستيأس بمعنى مثل سخر واستسخر وعجب واستعجب. والضمير في قوله "فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ" (يوسف 80) ليوسف ويمكن أن يكون لأخيه والمعنى "فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا" أي إخوة يوسف "مِنْهُ" أي من يوسف أن يخلي عن سبيل أخيه ولو بأخذ أحدهم بدلا منه "خَلَصُوا" (يوسف 80) وخرجوا من بين الناس إلى فراغ "نَجِيًّا" يتناجون في أمرهم أيرجعون إلى أبيهم وقد أخذ منهم موثقا من الله أن يعيدوا أخاهم إليه أم يقيمون هناك ولا فائدة في إقامتهم؟ ما ذا يصنعون؟.
جاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تعالى "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا" ﴿الزمر 53﴾ بكسر النون وفتحها، وقرئ بضمها تيأسوا "من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا" ﴿الزمر 53﴾ لمن تاب من الشرك "إنه هو الغفور الرحيم" ﴿الزمر 53﴾. قوله سبحانه "يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه" (يوسف 87) اطلبوا خبرهما "ولا تيأسوا" (يوسف 87) تقنطوا "من روح الله" رحمته "إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" (يوسف 87) فانطلقوا نحو مصر ليوسف. قوله جل جلاله "وإذا أذقنا الناس" (روم 36) كفار مكة وغيرهم "رحمة" نعمة "فرحوا بها" فرح بطر "وإن تصبهم سيئة" (روم 36) شدة "بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون" (روم 36) ييأسون من الرحمة ومن شأن المؤمن أن يشكر عند النعمة ويرجو ربه عند الشدة. قوله عزت قدرته "قال ومن" ﴿الحجر 56﴾ أي لا "يقنط" ﴿الحجر 56﴾ بكسر النون وفتحها "من رحمة ربه إلا الضالون" ﴿الحجر 56﴾ الكافرون. فوله سبحانه وتعالى "وهو الذي ينزل الغيث" (الشورى 28) المطر "من بعد ما قنطوا" (الشورى 28) يئسوا من نزوله "وينشر رحمته" يبسط مطره "وهو الولي" المحسن للمؤمنين "الحميد" المحمود عندهم.
جاء عن موقع مركز سيد الشهداء عليه السلام للبحوث الاسلامية: القنوط من رحمة الله تعالى: قوله تعالى "يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" (يوسف 87) عن أبي عبد الله عليه السلام: وأكبر الكبائر الإشراك بالله، يقول الله "ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة" (المائدة 72). وبعده الإياس من روح الله، لأن الله عز وجل يقول "إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" (يوسف 87). قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا تأمنن على خير هذه الأمة عذاب الله لقوله سبحانه وتعالى "فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون" (الاعراف 99) ولا تيأسن لشر هذه الأمة من روح الله لقوله تعالى "إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" (يوسف 87). "قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون" (الحجر 56) عن صفوان الجمال قال: صليت خلف أبي عبد الله عليه السلام فأطرق ثم قال: اللهم لا تقنطني من رحمتك، ثم جهر فقال: "ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون" (الحجر 56). "والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم" (العنكبوت 23). "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم" (الزمر 53). عن أبي حمزة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: وفي شيعة ولد فاطمة عليها السلام أنزل الله هذه الآية خاصة "يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله" (الزمر 53). عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل أنه قال لأبي بصير: لقد ذكركم الله في كتابه إذ يقول "يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم" (الزمر 53) والله ما أراد بهذا غيركم. عن مسعدة بن صدقة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: الكبائر: القنوط من رحمة الله, واليأس من روح الله, والأمن من مكر الله. عن صفوان الجمال قال: شهدت أبا عبد الله عليه السلام واستقبل القبلة قبل التكبير, وقال: اللهم لا تؤيسني من روحك, ولا تقنطني من رحمتك ولا تؤمني مكرك فإنه لا يأمن "مكر الله إلا القوم الخاسرون" (الاعراف 99) قلت: جعلت فداك ما سمعت بهذا من أحد قبلك, فقال: إن من أكبر الكبائر عند الله اليأس من روح الله والقنوط من رحمة الله والأمن من مكر الله. عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنه قال: والذنوب التي تقطع الرجاء: اليأس من روح الله والقنوط من رحمة الله والثقة بغير الله تعالى والتكذيب بوعد الله.
جاء في موقع الاسلام سؤال وجواب: السؤال: ما الفرق بين القنوط من رحمة الله ، واليأس من روح الله ؟ وأيهما أشد؟ الجواب: اختلف العلماء في الفرق بين اليأس والقنوط على أقوال منها: أن ظاهر القرآن يدل على أن اليأس أشدّ من القنوط، حيث حكم على أهل اليأس بالكفر فقال تعالى: "إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" (يوسف 87)، وحكم على أهل القنوط بالضلال كما قال تعالى: "وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ" (الحجر 56) ومعلوم أن الضلال قد يكون كفرا ، وقد يكون دون الكفر . أنه لا فرق بينهما، ووصْفُ أهل اليأس بالكفر، وأهل القنوط بالضلال، لا يدل على الفرق، فالضَّلالُ والكفرُ يجتمعان، ويقال: هو ضالٌّ، ويقال: هو كافر ؛ فالكفر يسمَّى ضلالاً؛ كما قال الله تعالى: "غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ" (الفاتحة 7). الفرق بينهما باعتبار بعض الصفات، لا باعتبار أصل المعنى، وإلا فإن القنوط من الرحمة ، واليأس من الرَّوْح : هما بمعنى واحد، لكن يختلفان من حيث ما يتناوله هذا ، وما يتناوله هذا ؛ فالقنوط من رحمة الله عام ؛ لأن الرحمة أعم من الروح، فالرحمة تشمل جلب النعم ، ودفع النقم، وروح الله جل وعلا يطلق في الغالب في الخلاص من المصائب . فقوله: (القنوط من رحمة الله) في أثر ابن مسعود رضي الله عنه: ( أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ) هذا أعم؛ ولهذا قدمه ، فيكون ما بعده من عطف الخاص على العام، أو يكون هناك ترادف في أصل المعنى، واختلاف في الصفات، أو بعض ما يتعلق باللفظ . اليأس: انقطاع الطمع من الشيء، والقنوط: أخص منه، فهو أشد اليأس ، ويدل عليه قوله تعالى : "لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّه" (الزمر 53). اليأس: أن يستبعد زوال المكروه، والقنوط: أن يستبعد رحمة الله سبحانه وتعالى ، ويستبعد حصول المطلوب، ويدل على التفريق أثر ابن مسعود رضي الله عنه السابق ؛ حيث فرّق بين اليأس والقنوط . اليأس هو: انعدام الأمل في القلب، ومتى ما وصل ذلك إلى درجة شديدة بنحو ينعكس على مظهر الإنسان أصبح قنوطًا . وعلى هذا فاليأس صفة للقلب ، وهو: أن يقطع رجاءه من الخير وهي المؤثرة، وما يظهر على الصورة من التضاؤل والانكسار ، هو القنوط . والراجح والله أعلم وجود الفرق بين اليأس والقنوط حال اجتماعهما في اللفظ ، كقوله تعالى: "لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ" (فصلت 49). قال ابن جرير في معنى الآية: (إن ناله ضر في نفسه من سقم، أو جهد في معيشته، أو احتباس من رزقه فيئوس قنوط، يقول: فإنه ذو يأس من روح الله وفرجه، قنوط من رحمته، ومن أن يكشف ذلك الشر النازل به عنه). وكما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا قال: يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: (الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَالْإِيَاسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) ، وقول ابن مسعود رضي الله عنه السابق : ( أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ : الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ).