• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مفهوم العدو و الأعداء في القرآن الكريم (ح 5) .
                          • الكاتب : د . فاضل حسن شريف .

مفهوم العدو و الأعداء في القرآن الكريم (ح 5)

تكملة للحلقات السابقة قال الله تعالى عن العدو "أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ" ﴿يس 60﴾ ويقول الله لهم توبيخًا وتذكيرًا: ألم أوصكم على ألسنة رسلي أن لا تعبدوا الشيطان ولا تطيعوه؟ إنه لكم عدو ظاهر العداوة، و "وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ" ﴿الزخرف 62﴾ عَدُوٌّ مُبِينٌ: عدو واضح العداوة، ولا يصدَّنكم الشيطان بوساوسه عن طاعتي فيما آمركم به وأنهاكم عنه، إنه لكم عدو بيِّن العداوة، و "الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ" ﴿الزخرف 67﴾ لأصدقاء على معاصي الله في الدنيا يتبرأ بعضهم من بعض يوم القيامة، لكن الذين تصادقوا على تقوى الله، فإن صداقتهم دائمة في الدنيا والآخرة، و "قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ" ﴿البقرة 97﴾ قلأيها الرسول لليهود حين قالوا: إن جبريل هو عدونا من الملائكة: من كان عدوًا لجبريل فإنه نزَّل القرآن على قلبك بإذن الله تعالى مصدِّقًا لما سبقه من كتب الله، وهاديًا إلى الحق، ومبشرًا للمصدِّقين به بكل خير في الدنيا والآخرة، و "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" ﴿آل عمران 103﴾ أعداء اسم، وتمسَّكوا جميعًا بكتاب ربكم وهدي نبيكم، ولا تفعلوا ما يؤدي إلى فرقتكم. واذكروا نعمة جليلة أنعم الله بها عليكم: إذ كنتم أيها المؤمنون قبل الإسلام أعداء، فجمع الله قلوبكم على محبته ومحبة رسوله، وألقى في قلوبكم محبة بعضكم لبعض، فأصبحتم بفضله إخوانا متحابين، وكنتم على حافة نار جهنم، فهداكم الله بالإسلام ونجَّاكم من النار. وكما بيَّن الله لكم معالم الإيمان الصحيح فكذلك يبيِّن لكم كل ما فيه صلاحكم، لتهتدوا إلى سبيل الرشاد، وتسلكوها، فلا تضلوا عنها.
جاء في کتاب مجمع البيان في تفسير القرآن للشيخ الطبرسي" قوله تعالى (قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين (97) من كان عدوا لله وملئكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين (98)" (البقرة 97-98) روي: أن عبد الله بن صوريا وهو من أحبار فدك سأل رسول الله صلى الله عليه وآله عمن يهبط عليه بالوحي، فقال: جبرئيل، فقال: ذاك عدونا ولو كان غيره لآمنا بك، فنزلت جوابا لقوله وردا عليه "قل" يا محمد: "من" عادى جبرئيل من أهل الكتاب "فإنه" نزل القرآن، أضمر ما لم يسبق ذكره، وفيه فخامة لشأنه، إذ جعله لفرط شهرته كأنه يدل على نفسه "على قلبك" أي: حفظه إياك وفهمكه بإذن الله، أي: بتيسيره وتسهيله، والمعنى: أنه لا وجه لمعاداته حيث نزل كتابا "مصدقا لما بين يديه" (البقرة 97) من الكتب فيكون مصدقا لكتابهم، فلو أنصفوا لأحبوه وشكروا له صنيعه في إنزاله ما يصحح الكتاب المنزل عليهم "وهدى وبشرى" أي: وهاديا ومبشرا "للمؤمنين" بالنعيم الدائم، وإنما أعاد ذكر جبرئيل وميكائيل بعد ذكر الملائكة لفضلهما، فأفردهما بالذكر كأنهما من جنس آخر، وهو مما ذكر: أن التغاير في الوصف ينزل منزلة التغاير في الذات. الصادق عليه السلام كان يقرأ جبريل وميكال بغير همزة. قوله تعالى "فإن الله عدو للكافرين" (البقرة 98) أراد عدو لهم، وضع الظاهر موضع الضمير ليدل على أنه سبحانه إنما عاداهم لكفرهم، وأن عداوة الملائكة كفر.
تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قوله تعالى "الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ" (الزخرف 67) الأخلاء جمع خليل وهو الصديق حيث يرفع خلة صديقه وحاجته ، والظاهر أن المراد بالأخلاء المطلق الشامل للمخالة والتحاب في الله كما في مخالة المتقين أهل الآخرة والمخالة في غيره كما في مخالة أهل الدنيا فاستثناء المتقين متصل. والوجه في عداوة الأخلاء غير المتقين أن من لوازم المخالة إعانة أحد الخليلين الآخر في مهام أموره فإذا كانت لغير وجه الله كان فيها الإعانة على الشقوة الدائمة والعذاب الخالد كما قال تعالى حاكيا عن الظالمين يوم القيامة "يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً قَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي" (الفرقان 29)، وأما الأخلاء من المتقين فإن مخالتهم تتأكد وتنفعهم يومئذ. وفي الخبر النبوي: إذا كان يوم القيامة انقطعت الأرحام وقلت الأنساب وذهبت الأخوة إلا الأخوة في الله وذلك قوله "الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ" (الزخرف 67). قوله تعالى "وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً" (ال عمران 103) جملة إذ كنتم ، بيان لما ذكر من ، النعمة وعليه يعطف قوله "وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها" (ال عمران 103). والأمر بذكر هذه النعمة مبني على ما عليه دأب القرآن أن يضع تعليمه على بيان العلل والأسباب ، ويدعو إلى الخير والهدى من وجهه من غير أن يأمر بالتقليد العامي المعمى، وحاشا التعليم الإلهي أن يهدي الناس إلى السعادة وهي العلم النافع والعمل الصالح ثم يأمر بالوقوع في تيه التقليد وظلمة الجهل. لكن يجب أن لا يشتبه الأمر ولا يختلط الحال على المتدبر الباحث، فالله سبحانه يعلم الناس حقيقة سعادتهم، ويعلم الوجه فيها ليتبصروا بارتباط الحقائق بعضها ببعض، وأن الجميع فائضة من منبع التوحيد مع وجوب إسلامهم لله لأنه الله رب العالمين.
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "ألم أعهد إليكم يبنى آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين" (يس 60) إن هذا العهد الإلهي أخذ على الإنسان من طرق مختلفة، وكرر على مسمعه مرات ومرات: "يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يريكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون" (الاعراف 27) جرى هذا التحذير وبشكل متكرر على لسان الأنبياء والرسل: "ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين" (الزخرف 62) وكذلك في الآية 168 من سورة البقرة نقرأ: "ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين" (البقرة 168). ومن جانب آخر فإن هذا العهد اخذ على الإنسان في عالم التكوين، وبلسان إعطاء العقل له، إذ أن الدلائل العقلية تشير بشكل واضح إلى أن على الإنسان أن لا يطيع من تصدى لعداوته منذ اليوم الأول وأخرجه من الجنة، وأقسم على إغواء أبنائه من بعده. ومن جانب ثالث فقد اخذ هذا العهد على الإنسان بالفطرة الإلهية للناس على التوحيد، وانحصار الطاعة في الله سبحانه، وبهذا لم تتحقق التوصية الإلهية هذه بلسان واحد، بل بعدة ألسنة وأساليب، وامضي هذا العهد والميثاق. والجدير بالملاحظة أيضا أن (العبادة) الواردة الإشارة إليها في جملة لا تعبدوا الشيطان بمعنى (الطاعة)، لأن العبادة لا تنحصر بمعنى الركوع والسجود فقط، بل إن من مصاديقها الطاعة. كما ورد في الآية 47 من سورة المؤمنون "أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون" (المؤمنون 47) وفي الآية 31 من التوبة نقرأ: "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا" (التوبة 31). والجميل أنه ورد في رواية عن الصادق عليه السلام تعليقا على الآية بقوله: (أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ولو دعوهم ما أجابوهم، ولكن أحلوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون). وعن الصادق عليه السلام أيضا أنه قال: (من أطاع رجلا في معصية فقد عبده). وعن الباقر عليه السلام أنه قال: (من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق يؤدي عن الله فقد عبد الله، وإن كان الناطق يؤدي عن الشيطان فقد عبد الشيطان).




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=188208
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 11 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15