• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : دعم فلسطين .. وإشكالية الوجود السلفي.الحلقة  5 من 5 / ج 3 والأخير. .
                          • الكاتب : ايليا امامي .

دعم فلسطين .. وإشكالية الوجود السلفي.الحلقة  5 من 5 / ج 3 والأخير.

 • وبالعودة إلى فلسطين .. فإنك تجد أغلب العراقيين يحملون إشكالاً واحداً على الفلسطينيين وهو (حبهم لأمثال صدام والزرقاوي ) ممن سفكوا دماء الشيعة .. مضافاً للتعاطف مع أولادهم من الانتحاريين المهاجرين إلى العراق.

ولكن _بالعض على الجراح_ ومحاولة فهم هؤلاء وقراءة أفكارهم .. نسأل: ياترى ما هو الجامع المشترك بين صدام والزرقاوي والانتحاريين في القاعدة؟ 

إنه شيء واحد فقط: البطولة المزعومة والموهومة في قتال الأمريكان.

الشعب الفلسطيني المحبط والمشتت .. يبحث عن بطل .. ورمز .. وقائد يقف بوجه أقوى امبراطورية في العالم تدعم إسرائيل .. وهي أمريكا.

إن الفلسطيني البسيط الذي يعيش في حلم جميل حول بطولة صدام وقصفه للكيان .. لن يستوعب أو يصدق بأن الصواريخ الفاشلة التي أطلقها صدام على ما يسمى "إسرائيل" دفع العراق في مقابلها ملايين الدولارات .. التي ساهمت بشكل أساس  _ بحسب تقارير دولية _ في تمويل بناء القبة الحديدية .. التي تحمي سماء الكيان الغاصب الآن.. 

هذا النظر لصدام والزرقاوي وصلاح الدين وخالد بن الوليد .. كأبطال وقادة إسلاميين .. والتغني بأمجادهم المزعومة .. هو وليد قراءة خاطئة للتاريخ والحاضر .. وحصيلة أزمة خانقة في البحث عن الرمز والأمل المستقبلي .. أزمة تكبر مع أبناء المخيمات الفلسطينية .. وهم يعيشون البؤس ويشاهدون العالم يكتفي بالتفرج على مأساتهم. 

ورغم تفهمنا لسبب هذا الحب للرموز الوهمية ونمور الورق .. ولكننا نرفضه ونأمل أن يأتي اليوم الذي يفهم فيه الفلسطينيون من هم أحفاد بطل خيبر .. الصادقون في عدائهم لليهود .. ومن هم أحفاد صلاح الدين .. المتاجر بالقدس بحسب الظرف السياسي.

هذا كثير على الفلسطينيين أن يفهموه اليوم .. فلا تلوموهم .. مع كل هذا الاشتباك السياسي والتعقيد الفكري والغيوم الإعلامية .. لكن كما ذكرنا لا يوجد حتمي .. وكل شيء قابل للتغير.


 • إلى هنا أسأل الله تعالى أن أكون قد وفقت في توضيح المقدمة بأسئلتها الثلاثة .. وتناول الموضوع بمحاوره الثلاثة .. وبه أنتهي إلى خلاصة موقفنا نحن الشيعة في العراق .. من دعم فلسطين .. مع إشكالية وجود السلفية:

 1. لا ينبغي للشيعي أن يذوب كله أو بعضه في الآخر .. ويعتبر دعم قضية فلسطين سبباً لتبني عقيدة هجينة .. تدفع بالشباب بدون حساب .. وتنكر وجود التقية ( وهي حق ثابت ) أو تتنكر لمبدأ البراءة من أعداء الزهراء عليها السلام .. أو تخجل من شعائرنا وطقوسنا.
بل الحق أن نقول لهم أننا ندعمكم لأن العدو الكافر مشترك .. فدعونا نتحد ضده ولا شأن لكم بأمورنا الخاصة ولا فائدة لكم من نقاشها.

وعلينا أن نطرح ثقافتنا بثقة .. فالماء مقطوع عن غزة .. ومن أولى من الحسين وعياله أن يكون أسوة نتحدث عنها ؟ .. وإذا كانوا ينتظرون المنقذ .. فما أحلى الحديث عن صاحب الأمر عجل الله فرجه .. في روايات النبي صلى الله عليه وآله الواردة في كتبهم.

 2. وعلى عكس الذوبان والتماهي .. لا ينبغي للشيعي أن ينفر من دعم قضية فلسطين ويتنكر لها  .. إذا لمس الجفاء والرد بالإساءة واتهام الشيعة من بعض الفلسطينيين .. فأنت  لا تنتظر رد الجميل من أحد .. حتى مع الشيعة ! بل تفعل وتقول وتتحرك امتثالاً لتكليفك ووصايا أئمتك الأطهار عليهم السلام .. والتي تعلم أنها في جزء كبير منها .. عطاء للناس مع صبر مرير .. لا يصفه إلا سيد الصابرين علي المرتضى إذ يقول سلام الله عليه: ( وأغضيت على القذى، وشربت على الشجى، وصبرت على أخذ الكظم وعلى أمر من طعم العلقم  وآلم للقلب من جز الشفار ).

هل ترى حجم الألم في كلام الإمام وما لقيه بعد أن شيد الدين على أكتافه وقاتل اليهود؟ ومدى ما كابده أهل البيت من الصبر في سبيل تهدئة الأجواء لشيعتهم وإبعادهم عن الأذى والاصطدام بجمهور العامة ( القسم الثالث ) الذي يحصل بتأجيج النواصب (القسم الثاني) ؟ .. خصوصاً ونحن ما زلنا في زمن تقية .. وكذب من زعم أن زمانها انقضى .. فلا أحد ينازع صاحب العصر على صلاحياته ومختصاته.

 • عن ثابت مولى آل جرير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (كظم الغيظ عن العدو في دولاتهم تقية حزم لمن أخذ بها وتحرز من التعرض للبلاء في الدنيا)

هناك رواية أشد ألماً .. ويشهد الله تعالى أن قلبي كاد يذوب عندما قرأتها للمرة الأولى .. وأنا أرى الإمام المعصوم مضطراً إلى هذا الحد من الصبر والتحمل !!

عن ابن مسكان: قال لي أبو عبد الله الصادق عليه السلام : ( إني لأحسبك إذا شُتِم علي عليه السلام بين يديك لو تستطيع أن تأكل أنف شاتمه لفعلت ؟ )

فقلت: إي والله جُعِلت فداك، إني لهكذا وأهل بيتي.
فقال لي:  (فلا تفعل، فوالله لربما سمعتُ من يشتم علياً، وما بيني وبينه إلا أسطوانة فأستتر بها، فإذا فرغت من صلاتي فأمر به فأسلم عليه وأصافحه)!

أي لوعة في هذا الحديث ؟ أن الإمام كان يضطر إلى التواري خلف العمود بينما يفرغ الشخص من سب جده أمير المؤمنين .. ثم يأتيه فيصافحه ويتظاهر أنه لم يسمع .. حرصاً على التقليل من أعداء الشيعة وتهدئة الأجواء !
ثم يأتي من يجلس في الفضائيات ويحمل الناس على رقاب آل محمد عليهم السلام !!


 3. عدم تعريض النفس للخطر في أي معركة إلا بإذن الحاكم الشرعي .. فهذه النفس أعظم أمانة منحها الله للإنسان .. وحرم عليه قتلها أو إهانتها .. فلا ينبغي رميها في المجهول بناء على انفعالات نفسية وعواطف جياشة.

وهذا الحفظ للنفس وعدم التهاون في تقديمها وتعريضها للخطر إلا بمسوغ ومجوز شرعي .. من أعظم ما رسخه أهل البيت عليهم السلام في نفوس شيعتهم .. حتى أصبح الشيعي لا يبذل قطرة من دمه ولا يطلق رصاصة من سلاحه إلا بإذن مرجعه .. ولسان الروايات شديد في ذلك .. ولنأخذ ثلاثاً منها :

الأولى: عن أبي بكر الحضرمي، قال دخلت أنا وأبان على أبي عبد الله الصادق عليه السلام ، وذلك حين ظهرت الرايات السود بخراسان، فقلنا: ما ترى؟
فقال عليه السلام: (اجلسوا في بيوتكم فإذا رأيتمونا قد اجتمعنا على رجل فانهدوا إلينا بالسلاح ).
والمقصود من اجتماع أهل البيت هو أن يكون لدى المكلف وضوحاً كافياً .. عن شرعية أي حركة وتأييد المعصوم لها .. قبل أن يرمي نفسه فيها.

الثانية: عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال:
( كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا يعطونه، ثم يطلبونه فلا يعطونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم فيعطون ما سألوه فلا يقبلونه حتى يقوموا ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم قتلاهم شهداء أما إني لو أدركت ذلك لاستبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر).

فالإمام يتكلم عن علامة قريبة للظهور يكون أبطالها قوم من المشرق .. ورغم المدح لهم وكونهم شهداء .. فالإمام يرى استبقاء نفسه وحفظها إلى ظهور الإمام عليه السلام .. باعتبار القرب الزماني المفهوم من الرواية.

الثالثة: عن أبي المرهف، قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام:
هلكت المحاضير.
قلت: وما المحاضير؟
قال: المستعجلون .... كونوا أحلاس بيوتكم، فإن الغبرة على من أثارها، وأنهم لا يريدونكم بجائحة إلا أتاهم الله بشاغل إلا من تعرض لهم)

فهذه الروايات تبين العموم الواسع لتكليف الفرد في عصر الغيبة .. وأن الأصل والحالة الطبيعية فيه الهدوء والسكينة .. بخلاف ما لو ظهر الإمام فإن التكليف سيكون ( مسح العلق والعرق عن الجباه .. والنوم على السروج ) كما في روايات أخرى.

 • والجهة الوحيدة التي من حقها تحديد حالة المكلف .. وهل يخرج من حالة السكون .. ويسفك دمه في مواجهة معينة أم لا .. هي المرجع الذي يقلده المكلف.

فمن كان مرجعه يرى وجوب رفع السلاح .. فلا ملامة عليه في الامتثال مهما جر علينا من مشاكل وصعوبات .. ولا يسعنا الطعن في موقفه من جهة التقليد ما دام يرى تقليده صحيحاً.

ومن كان مرجع تقليده لا يأذن له بقتال .. فلا ينبغي له الخجل من القعود .. بل يجلس قرير العين ممتثلاً لفتوى مرجعه.

وكاتب هذه السطور من مقلدي سماحة السيد السيستاني دام ظله الشريف .. ولا أرى حرجاً في المكوث ولزوم الأرض ولو احترقت بما فوقها .. حتى يأذن لي كما أذن عام 2014 .. فإن هي إلا نفس واحدة .. ثم المصير جنة أو نار.

نعود بالله من غلبة الهوى على العقل .. والغضب على البصيرة .. ونسأل الله تعجيل فرج مولانا صاحب العصر والزمان أرواحنا فداه.

إنتهى الملف.

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=187788
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 10 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15