الساحة السياسية العراقية خليط من التناقضات التي سببت الكثير من المشاكل لهذا الشعب المظلوم، ولو وقفنا على واحدة من تلك القضايا الشائكة لوجدنا ان المحاصصة التي بُنيت عليها العملية السياسية بعد العام 2003 كانت السبب الرئيسي لتلك الصراعات التي نعيشها اليوم ويتقلب على نيرانها ابناء الشعب العراقي وهو ينتقل من مرحلة صراع الى واحدة اخرى تتلاطم فيها امواجا من الحرب النفسية والتصفيات السياسية ، هذا الى جانب التصفيات الجسدية بالاغتيال وغيره من وسائل الموت المتعددة التي بات المواطن العراقي يعيش يومياتها من خلال أذناب القاعدة الاجرامية وهي تحاول خلط الاوراق بسبب او بدون سبب وربما بتوجيه من البعض الذين لا تعلوا قاماتهم ولا يبرزون على السطح السياسي الا بتلك الزوابع ، من هنا لا ندري اين يقف المواطن البريء في خضم هذه الصراعات والاختلافات التي لا ينفث منها سوى رائحة المصالح الذاتية الشخصية فالكل يدعي الوطنية والمواطنة والكل ينادي بالدستور ووجوبية تطبيقه بحذافيره ، ولكننا اليوم لا نسمع سوى الجعجعة ولا نرى طحينا،، وهنا يبرز التساؤل الكبير فيما لو كان الدستور لا يُطبّق فعلى ماذا تسير الحكومة العراقية وبأي مبدأ دستوري او قانوني تعمل!!! ؟ وكيف نفهم ان الوزارات ومؤسسات الدولة كافة تعمل على انجاز معاملات المواطنين دون قانون او دستور يضع لها الحدود القانونية ؟ تساؤلات كثيرة تحيّر العقل ويقف الانسان مذهولا في تفكيره ، ونصل الى قمة الخذلان الفكري عندما يحاول المثقف والاكاديمي والواعي سياسيا ان يفكر وسط هذا الخليط المعقد في المفهوم السياسي وتكون النتيجة بعيدة عن واقعية السياسة ومن دون ان يسمك بخيط يوصله الى فك رموز العملية السياسية بطلاسمها الصعبة، وهو بذلك لا يمكن أن يجد طريقا سليما للوصول الى الغايات المهمة والقيام بإصلاح المجتمع وانتشاله من واقعه القوقعي الذي عاشه ومر عليه عقود من الزمن وهو مغيب لا رأي له بفعل ما مضى من انظمة حكم مستبدة صادرت أفكاره وحجّمت قدرته عن التفكير الصحيح والسليم ، ولا أعتقد ان فهما لواقع سياسي مثل العراق وباقي البلدان العربية الاخرى يحتاج الى كل ذلك التعقيد!! ولسنا في مدارس السياسة التي خضعت لفلاسفة القرن العشرين في أثينا وفيينا وبروسيا وغيرها من الدول التي تصدرت العالم في ترسيخ روح الديمقراطية الحقيقية وانتزاعها من حكم الملوك والقياصرة لوضعها بيد عامة الشعب،، للأسف أغلب السياسيين على الساحة العراقية لا يستطيعون العمل بمنهج (التغليب والإخلاص) بأن يُغلّب المصلحة الوطنية على المصلحة الذاتية والحزبية ، وأن يُخلص لوطنه ولروح المواطنة الحقيقية بعيدا عن املاءات الخارج وما تريده هذه الاجندات من خراب لكل النظام السياسي الجديد في العراق.
الصراعات بمحورها السياسي كثيرة في العراق لانها ممتدة ومتوارثة منذ عقود زمنية مضت علينا مع الاختلاف في نوعية الصراع على السلطة في زمان غير الذي نعيشه اليوم بعد ان كان ذلك الزمان ساعيا الى تدمير العراق ونقله من عداد البلدان القوية والمؤثرة الى دولة تمكنت منها الاجندات الخارجية في زماننا الحالي وللاسف من قبل دول صغيرة لم تكد تظهر على الخارطة في منتصف القرن الماضي ، هذا الوقوع السياسي والذي جعل العراق عرضة لتدخلات من هب ودب سببه يعود الى البعض الذين ارتضوا لانفسهم أن يتحركوا وفق لعبة بيادق الشطرنج وهي في النهاية لعبة خاسرة اذا ما أدرك لاعبوها بأنهم محاصرون من قبل الشعب فيقولون لهم (كش) عبر صناديق الاقتراع في الانتخابات القادمة بعد افتضاح اجنداتهم وحالة التمزيق التي ينوون القيام بها لهذا البلد العريق بحضاراته والضارب في عمق التاريخ في سن تشريع قوانين الدولة التي خرجت من رحم مسلة حمورابي ، فماذا دهاها تلك الاحزاب والمتحزبين حتى يهرولوا خلف الطارئين على السياسة دولا وأشخاصا من البلدان العربية وقبح الدور الذي تقوم به دول الجوار ، لذلك يكاد المتابع للواقع العراقي والمراقب السياسي أن يقول بأن التعكّز والولاء الاعمى والشرخ بروح الشخصية الوطنية ، يمنع من الوصول الى حل والخروج من الازمة الحالية المرسوم لها ولنتائجها المستقبلية تدمير العراق وتمزيقه عرقيا ودينيا ومذهبيا من قبل شيوخ النفط وسماسرة السياسة الواغلين في الكسب الحرام والذين يعتاشون على دماء الشعب العراقي المظلوم ومن ضمنهم لملوم نظام البعث السابق القابعين في الاردن واليمن والسودان وأبو ظبي .
إننا نسمع كل يوم الصراخ يتعالى في الفضائيات والتصريحات تكثر في الصحف والمواقع الالكترونية بأن الحكومة غير مؤهلة لقيادة البلد وأننا نتجه الى منهج الديكتاتورية الفردية وحكم الشخص الواحد ،، ولكن في المقابل ايضا نريد ان نتساءل اين هو دور البرلمان وكتله السياسية من روح التكامل مع السلطة التنفيذية واقرار القوانين وتشريعها خدمة للمواطن فلماذا نلاحظ الكيل بمكيالين في تشريع أي قانون تقدمه الحكومة خوفا من جعله رقما انتخابيا في خانة جهة ما لرفع شعبية رئيس الحكومة في حين ان مشاريع القوانين تخرج بحزمة كاملة لكل الوزراء وموافقاتهم وهي في النهاية تعتبر جهدا لكل حزب يمثله هذا الوزير او ذاك ، كما في المقابل نحن نسمع من رئيس الحكومة ان هناك ملفات تخص عدد من السياسيين لهم صلات مع العمليات الارهابية ويعملون لأجندات خارجية تريد النيل من العراق وتدميره ولم نرى الى الان واحدة من هذه الملفات سوى ملف طارق الهاشمي الذي فتح مؤخرا،، وهذا التعامل بتلك الطريقة لا يمكن قبوله لكون الدماء التي تراق هي دماء شعب بريء ليس له ناقة ولا جمل بتلك الخلافات السياسية بين الاحزاب سوى انه يريد العيش بأمن وسلام وعليه يجب طرح كل الملفات على الطاولة ليعرف الشعب العراقي من هو المخلص ومن هو المسيء اليهم، لأن هذا الشعب ما عاد يحتمل تلك الصراعات السياسية التي عاشها طيلة العقود الماضية ولا زال فمن حق المواطن في العراق ان يتنعم بخيراته ويعيش حياته الطبيعية مثل باقي شعوب العالم المستقر .
لذلك لا بد من انهاء هذا الصراع المحتدم بين اليسار السياسي واليمين السياسي من خلال الدعوة العاجلة لتشكيل مفوضية الانتخابات الجديدة ثم حل البرلمان والدعوة الى انتخابات مبكرة لأنه من المؤكد سوف تتشكل أطياف سياسية جديدة وتدخل في تحالفات ربما ننتقل بها الى النظام البرلماني الديمقراطي الحقيقي الذي يقابله جانب المعارضة الحقيقية ونكون قد تخلصنا بشكل نهائي من نظام المحاصصة الاعمى الذي يسمونه كذبا وزورا الديمقراطية التوافقية وهي لا تتعدى في تطبيقها اكثر من تقسيم السلطة بين الاحزاب والمذاهب والقوميات، وهو امر لا يخلو من التخوّف لأنه يعطي مساحة للتدخل الخارجي في شؤون العراق.
|