• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ميزان القلة والكثرة في معركة كربلاء. .
                          • الكاتب : مصطفى الهادي .

ميزان القلة والكثرة في معركة كربلاء.

 حالات كثيرة اندحرت فيها الكثرة أمام القلّة ، فلم يكن النصر في الكثرة والقلة، ولربما تنتصر الجيوش الكثيرة على القلة، ولكنه نصر غير متكافئ سرعان ما ينتهي ذكره بالإشادة بالقلة التي حاربت الكثرة وصمدت أمامها وتركت بصمات من الشجاعة الفائقة والتضحيات الناصعة لا تُمحى على مرّ التاريخ. النصر تكتبه القيم وليس الجيوش الكثيفة ، ان التاريخ خلّد لنا حروبا حشدت فيها جيوش جرارة، فتم هزيمتها بشخص واحد ، أو بضربة واحدة. والتاريخ مليء بالشواهد.

فهذا نبي الله داود قتل جليات بمقلاع وحجارة وتسبب بهزيمة جيشه الذي يُعد بالألوف. وهذه ضربة علي عليه السلام يوم الخندق تسببت بانهيار معنوي نفسي أدى إلى هزيمة ساحقة للأحزاب التي تجمعت للقضاء على الإسلام. فخلّد التاريخ ذلك في كتب سماوية تتلى فقال تعالى عن داود كما تذكر التوراة : (فخرج رجل مبارز من الجيوش اسمه جليات (جالوت) وجميع رجال إسرائيل لما رأوا الرجل هربوا منه وخافوا جدا. فخرج داود ومقلاعه بيده فتمكن داود منه بالمقلاع والحجر، وضربه فلما رأى جيشهُ أن جبارهم قد مات هربوا.( (1) وهذا ما خلّدهُ القرآن بقوله : { فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت }.(2)

وفي معركة الخندق وصف الله تعالى حالة المسلمين وصفا تقشعر منه الجلود في سورة الأحزاب فقال عنهم : ﴿ إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا ﴾.(3) ولكن ضربة علي ابن أبي طالب (ع) بسيفه لفارسهم يوم الخندق أدت إلى تلك الهزيمة النكراء لجيوش الشرك والكفر.

وهكذا كان الأنبياء في كل رسالاتهم كانوا يُلاقون عنت وصلف الكثرة ، ولكنهم ينتصرون بالقلة المؤمنة.

فهذا نبي الله لوط بعد سنوات من التبليغ في قومه قال عنه تعالى : (فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين).(4) بيت واحد هو بيت لوط. فانتهى ذكر الكثرة ، وخلد ذكر القلة التي وقفت مع لوط.

وهذا نبي الله نوح لبث في قومه قرونا متطاولة يدعوهم إلى الدين الحق ليلا ونهارا، وسرا وعلانية، فكان من نتيجة ذلك : (وما آمن معه إلا قليل).(5)

وهذا موسى: (قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي).(6) بعد أن تخاذل قومه وانهزموا أمام الفلسطينيين وتركوه وحيدا وقالوا له : (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون).(7)

وهذا نبي الله عيسى (ع) مع معاجزه الباهرات التي قدمها لقومه مثل شفاء المرضى وإحياء الموتى وإبراء الأعمى وغيرها إلا أن اتباعه فروا عنه وتركوه وحيدا (فرفعهُ الله إليه). وهذا ما يقوله إنجيلهم : (ولما جاؤوا لإلقاء القبض على يسوع تركهُ التلاميذ كلهم وهربوا).( وذلك لأنهم لم يؤمنوا به ولا برسالته كما يقول إنجيل يوحنا 12: 37(ومع أن يسوع صنع أمامهم آيات كثيرة لم يؤمنوا به).

نبينا محمد (ص). في معركة أحد وبعض معاركه الأخرى، فرّ عنهُ أصحابه وهم ألوف ولم يبق معهُ إلا تسع من أصحابه دفعوا عنهُ الموت وأعز الله بهم الإسلام ، ويُقال لم يثبت معه سوى علي ابن ابي طالب (ع) وكذلك يوم حنين.( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين).(9)

وهذا الإمام علي (ع) جلس في بيته اكثر من ثلاثين عاما لا يجد انصارا لاسترجاع حقه وقد قال ذلك في أحد خطبه : لو وجدت عشرة لجاهدتهم في الأمر ولكنه لم يجد فصبر .( فصبرت و في العين قذى و في الحلق شجى، أرى تراثي نهبا).(10)

وهذا ولده الإمام الحسن عليه السلام ، لو وجد أعوانا وعلم أن في جيشه خيرا لما صالح معاوية. ألم يقم قادة جيشه بالكتابة إلى معاوية قائلين : (إنّا معك، وإن شئت أخذنا الحسن أسيراً وبعثناه إليك).(11)

فلا عجب أن يُعاني الأنبياء وأوصيائهم من قلة الناصر،فها نحن اليوم نُكرر نفس المصائب التي جرت مع الأنبياء في أممهم وذلك عبر قلة الناصر الذي لعلهُ من أهم أسباب تأخر ظهور الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه.(12)

المصادر :

1- سفر صموئيل الأول 17 : 4 ـ 51.

2- سورة البقرة آية : 251.

3- سورة الأحزاب آية : 10.

4- سورة الذاريات آية : 36.

5- سورة هود آية : 40.

6- سورة المائدة آية : 24.

7- سورة المائدة آية : 24.

8- إنجيل متى 26 : 56.

9- سورة التوبة آية : 25.

10- الخطبة الشقشقية ، الخطبة الثالثة من نهج البلاغة.

11- وهم زعماء ورؤساء القبائل في الكوفة الذين بايعوه من أمثال عمرو بن سعد بن أبي وقاص، وحجر بن عمرو، وعمرو بن حريث، وأبو موسى الأشعري، وعمارة ابن الوليد بن عقبة، والأشعث بن قيس وغيرهم. صلح الإمام الحسن(ع) من منظور آخر - ص81.

12- يقول أمير المؤمنين عليه السلام عن أصحاب القائم عجل الله تعالى فرجه: إن أصحاب القائم ..كالكحل في العين أو كالملح في الزاد، وأقل الزاد الملح). الغيبة - الشيخ الطوسي - ج ١ - الصفحة ٤٩٦.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=184914
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 07 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15